خلال الإغلاق القسري المطول للمدارس أثناء وباء كورونا، كان أحد أكبر مخاوف اختصاصيي التعليم والتغذية في جميع أنحاء العالم هو تأثير نقص المليارات من الوجبات المدرسية التي اضطر الطلاب إلى تفويتها.
في وقت مبكر من يناير 2021، بالكاد بعد عام من إغلاق المدارس لأبوابها لأول مرة، ذكر تقرير صادر عن “يونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي أن ما يصل إلى 39 مليار وجبة مدرسية ضاعت على أطفال المدارس في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، كما سلط التقرير الضوء على أن 370 مليون طفل، معظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء وفي جنوب آسيا، فقدوا ما يصل إلى 40% من وجباتهم المدرسية، وهو مصدر رئيس للتغذية للعديد منهم، إن لم يكن معظمهم.
تغذية الأطفال تعالج المشكلات الصحية والتحصيلية
تم إطلاق أول برنامج للوجبات المدرسية المجانية على الصعيد الوطني في البرازيل منذ عام 1954، في البداية، كان تدخلاً مستهدفًا يهدف إلى معالجة قضية سوء التغذية وضعف التعليم بين الأسر المستفيدة، وعلى مر العقود، تم توسيع البرنامج عندما لوحظ أن تقديم وجبات ساخنة متوازنة ومغذية في المدارس لم تعالج قضايا نقص التغذية وسوء التغذية فحسب، بل أدت أيضًا إلى ارتفاع كبير في الأداء التعليمي الأكاديمي للطلاب.
أطلقت معظم البلدان الأخرى منذ ذلك الحين برامج وجبات مدرسية، ويُعتقد أن أكثر من 100 دولة لديها مثل هذه الخطط اليوم، فالهند، تفتخر بأنها تضم أكثر من 120 مليون طالب يتم إطعامهم مجانًا كل يوم في 1.3 مليون مدرسة، بأكبر برنامج وجبات مدرسية مجانية في العالم، ومن المسلم به أنها حققت عجائب في خفض معدلات التسرب من الدراسة، فضلاً عن زيادة معدلات الحضور في المدارس الابتدائية، ولا سيما للفتيات.
وقد جدت دراسة أن متوسط القدرة على القراءة كان أعلى بنسبة 18% للأطفال الذين تناولوا وجبات الغداء المدرسية لمدة 3 إلى 4 سنوات مقارنة بمن تناولوها لمدة تقل عن عام، ففي الرياضيات، سجل الأطفال الذين تمكنوا من الوصول إلى البرنامج درجات أعلى بنسبة 9%.
التغذية للأغنياء والفقراء
ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن ما كان صحيحًا بالنسبة للبرازيل قد ثبت أنه صحيح في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، كما أن للوجبات الغذائية المجانية العديد من الفوائد العرضية الأخرى، ففي العديد من البلدان، يتم طهي الوجبات باستخدام الإمدادات الغذائية التي تأتي من المناطق المجاورة، وهذا مفيد للمزارعين المحليين.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قدمت حتى الدول الغنية وجبات مدرسية مجانية ووسعت نطاق التغطية لجميع الطلاب، بدلاً من مجرد استهداف الأسر الفقيرة، فقد كانت دول شمال الكرة الأرضية مثل فنلندا والسويد من بين الدول الأوروبية الأولى التي تقدم وجبات مجانية لجميع الطلاب.
دول مزقتها الصراعات
ويمكن رؤية أحد أكبر تأثيرات برنامج الوجبات المجانية في الشرق الأوسط، حيث كان برنامج الأغذية العالمي، بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية المحلية، يضمن الحصول على وجبات مدرسية مجانية لعشرات الآلاف من الأطفال الذين يعيشون في دول تمزقها الصراعات مثل سورية واليمن، ففي سورية، على سبيل المثال، يغطي أحد هذه التدخلات من قبل برنامج الغذاء العالمي أكثر من 32 ألف طفل أجبروا على ترك المدرسة لأن أسرهم اضطرت لترك منازلها.
والمشكلة في اليمن أكبر من ذلك، حيث يعاني أكثر من 2.2 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية، ويواجه أكثر من 22 مليون شخص بشكل عام، من بينهم ملايين الأطفال في سن الدراسة، حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي، ونتيجة لذلك، وضع برنامج الغذاء العالمي برنامجًا بقيمة 1.97 مليار دولار لدرء المجاعة الجماعية.
الغياب أنسى الأطفال ما تعلموه
لسوء الحظ، كان لإغلاق المدارس لمدة عامين بسبب الوباء تأثير خطير على صحة الأطفال وتعليمهم، وجدت دراسة للبنك الدولي أن نسبة الأطفال في سن العاشرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل غير القادرين على قراءة قصة بسيطة قد ارتفعت من مستوى ما قبل كورونا من 57% إلى أكثر من 70%، وقد وجدت دراسة حديثة أخرى أجريت في ملاوي، أن 7 أشهر من إغلاق المدارس أدت إلى خسارة أكثر من عامين من التعلم الأساسي، مع نسيان الأطفال للمفاهيم التي تم إتقانها قبل الإغلاق.
وللتأكيد على أهمية الوجبات المدرسية، وجدت دراسة أخرى أن أكثر من 179 مليون طفل في سن الدراسة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا كانوا يعيشون مع الجوع في عام 2021، بزيادة قدرها 35 مليونًا عن عام 2020، في أفريقيا، ما يقرب من 25% من المدارس، كان الأطفال يعانون من نقص التغذية.
كما تعين على جهود الحكومات لاستعادة برامج الوجبات المدرسية مواجهة التحدي المتمثل في تضخم أسعار الغذاء المرتفع للغاية، ليس فقط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن أيضًا بسبب التضخم المرتفع في جميع أنحاء العالم، وقد ترك هذا العديد من الحكومات والمدارس تكافح من أجل الحفاظ على البرامج حية في شكلها الأصلي.
الوضع الراهن خطير للغاية
ولكن من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومات والتربويين في جميع أنحاء العالم أن يدركوا أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لتقليل الوجبات المدرسية؛ ولكنه الوقت المناسب لتعزيز الميزانيات المخصصة لهذه البرامج، يقول برنامج الغذاء العالمي: إن معظم البلدان تقلل من الاستثمار بشكل خطير في هذا المجال، على الرغم من النتائج الإيجابية للاستثمار والأثر السلبي للغاية لعدم تمويل مثل هذه البرامج بشكل كافٍ.
ويضيف أن عدم الاستثمار من أجل أن يتمتع الشعب بتغذية جيدة وصحة وتعليم جيد، يقوض النمو والتنمية الاقتصادية، كما هي الحال، على سبيل المثال في البلدان ذات الدخل المنخفض في أفريقيا، وبها 25 دولة من أصل 30 دولة تحتل الترتيب الأدنى في مؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري، تواجه هذه الدول خسائر في الإمكانات الاقتصادية تتراوح بين 50% إلى 70% على المدى الطويل، يقول برنامج الغذاء العالمي: إن الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا سيكون 2.5 مرة أعلى مما هو عليه اليوم إذا حققت معايير الصحة والتعليم الهدفين الأساسيين لتوفير وجبات مدرسية مجانية.
موازين مختلة
ووفقًا لبعض الدراسات، بينما تستثمر الحكومات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حوالي 210 مليارات دولار سنويًا في توفير التعليم الأساسي، مثل المدارس والمعلمين، فإنها تستثمر فقط حوالي 1.4 مليار دولار إلى 5.5 مليارات دولار في ضمان حصول الأطفال على الصحة والتغذية من أجل تسمح لهم بالتعلم.
الفوائد الفورية المؤكدة على المدى القصير والمتوسط والطويل لتقديم وجبات مغذية لأطفال المدارس، تجعل من الضروري على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن توسع مخططاتها في إطعام الأطفال لتشمل الأغنياء والفقراء على حد سواء، فلن يقتصر الأمر على أنهم سيستفيدون من النظام المدرسي في إنتاج عمال يتمتعون بمهارات أفضل وأكثر إنتاجية وصحة، بل سيقللون أيضًا تكاليف الرعاية الصحية عن طريق الحد من سوء التغذية والحد من السمنة.
________________________
(*) مدير تحرير “Media India Group”.
المصدر: “The Muslim Times”.