انخفض توزيع الصحف المصرية الرئيسة إلى مستوى متدنٍّ غير مسبوق في الآونة الأخيرة، لم يعد القارئ يبحث عنها أو يهتم بما تنشره.
وتعددت الأسباب، وفي مقدمتها أنها صارت تخضع لتوجيه السلطة، وتبدو على مختلف مسمياتها نسخة واحدة في المضمون الذي تصنعه السلطة، ولا تقدم في مقالات الرأي والتحقيقات غير حفلات مديح السلطة والغزل في قرارات النظام ولو كانت ضد الحرية والعدل وكرامة الإنسان المصري، ومع أنها تركز على أخبار الكرة والفن والحوادث، فهي تتعامل مع هذه المجالات التي تعد هامشية في الأوطان المقموعة، من منطلق الولاء للسلطة، فاللاعب أو الفنان أو طرف الحادثة الذي لا يوالي السلطة يتم التعتيم عليه أو تشويه صورته، بينما يتم تبييض وجه المؤيد للنظام أياً كان أمره!
الصحفي المعروف محمد عبدالقدوس كتب، بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، على “فيسبوك”، مقالًا بعنوان “صحافة مصر الورقية في مهب الريح! مصيبة صحفية لأن مفيش بابا وماما!” جاء فيه: إن أكبر صحيفة في مصر لا تجد من ينفق عليها، وتبحث عن مشروعات استثمارية تدعمها! وأوضح أن الصحف الكبرى في مصر تعاني من ارتفاع ثمن الورق وعدم وجود إعلانات كافية لتغطية الخسائر مما يضطرها لتخفيض الكميات المطبوعة، وقال له أحدهم: للأسف “ماعندناش” (ليس عندنا) بابا وماما.. يعني لا بد أن نعتمد على أنفسنا، ولا ننتظر أن تساعدنا الدولة!
وقال عبدالقدوس: صدق أو لا تصدق، مؤسسة “الأهرام” بجلالة قدرها تبحث عن مشروعات لا صلة لها بالصحافة لتغطية خسائرها ومرتبات العاملين بها التي تبلغ 65 مليون جنيه شهرياً، فهي تضم أكبر عدد من الصحفيين والعاملين والموظفين في مؤسسة صحفية واحدة! وقد رصد عبدالقدوس 4 أسباب لتدهور أحوال الصحف الورقية، واندثارها في وقت قريب لتحل محلها صحافة الإنترنت أو المواقع الصحفية، والأسباب الأربعة: اقتصادية (ارتفاع ثمن الورق بسبب تعويم الجنيه بدءاً من عام 2016)، وهيمنة “فيسبوك” الذي يقدم الأخبار في وقتها مباشرة، وانخفاض سقف الحريات الصحفية، وتردي أوضاع الصحافة والصحفيين وسيادة نظرية الولاء قبل الكفاءة.
ومن المفارقة أن الصحفي الموالي للنظام مرسي عطا الله كتب في “الأهرام”، أول أكتوبر الجاري، يزعم أن الصحافة ستعود أقوى مما كانت عليه، والفضل في ذلك لـ”السوشيال ميديا” التي باتت تمثل خطرًا يهدد السلام الاجتماعي في كل دول العالم دون استثناء، ولم يعد ممكناً استمرارها كقنبلة موقوتة قد تدمر –حال انفجارها– كل القيم والأخلاقيات الرفيعة!
المذكور يتجاهل أن التقدم في أي مجال لا يتم إلا في ظلال الحرية وليس القمع!