بعد 17 شهراً وهو رقم قيس سعيّد في انتخابات 2019م الرئاسية تلتقي المعارضة التي كانت منقسمة ومتخاصمة ومتصارعة على هدف واحد، وهو إسقاط نظام الرئيس قيس سعيّد، وتتفق على تنظيم مسيرة موحدة في العاصمة التونسية اليوم السبت.
وذلك بعد أن أدرك من أيدوا الانقلاب وظلوا يدعمونه حتى وقت قريب أنّ قيس سعيّد عوض إنقاذ البلاد بعد 25 يوليو 2021م أصبح يمثّل خطراً على الدولة ويهدّد بانهيار البناء، حسب ما جاء في تصريح للأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي صاحب مبادرة “ارحل”.
تفاهم غير مسبوق
وتجتمع المعارضة بما فيها التي كانت ترفض التنسيق مع حركة “النهضة”، وجبهة الخلاص الوطني، ويبدو أن ما جرى في البيرو يوم الأربعاء الماضي قد ألقى بظلاله على الساحة التونسية التي تشهد تفاهماً غير مسبوق بين المعارضة لو كان قائماً إبان حدوث الانقلاب في 25 يوليو 2021م لما استمر حتى اليوم.
ومن المقرر أن تطالب المعارضة اليوم السبت برحيل قيس سعيّد الذي تؤكد المعارضة على اختلاف خلفياتها السياسية أنه خرج من شرعية انتخابية إلى شرعية جماهيرية شعبية، وهذه الشرعية لا تسحب إلا بشرعية شعبية موازية ممثلة في الأحزاب والمنظمات أي الاجسام الوسيطة.
وتلتقي المعارضة هذه المرة في تشخيص الوضع والمشاكل الأساسيّة التي تعاني منها البلاد. وأكبر دليل على ذلك هو توحّد الموقف من المسيرة المشتركة المزمع القيام بها اليوم والتي ستضمّ أحزاباً ومسارات مختلفة لم تجتمع سابقاً حول مطلب واحد هو رحيل قيس سعيّد.
وكانت 5 أحزاب تونسية وهي، حزب العمال، والتيار الديمقراطي، وحزب التكتل الديمقراطي، والقطب، والحزب الجمهوري قد دعت يوم الثلاثاء الماضي، إلى التظاهر في العاصمة لإسقاط قيس سعيّد، مطالبة جميع التونسيين بالمشاركة في المظاهرة التي اتفقت المعارضة على إقامتها اليوم السبت، مشيرة في بيان مشترك إلى أن الحراك يأتي دفاعاً عن الديمقراطية ورفضاً للاستبداد والديكتاتورية ولما سمّته “المهزلة الانتخابية”.
وكان رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي قد أكّد في اجتماع شعبي بمدينة الكاف (الشمال الغربي التونسي)، على أنّ الانتخابات التشريعية المقرّرة في 17 ديسمبر لا تستجيب لطموح الشعب التونسي وتطلّعاته، وأنّ أجندة الرئيس قيس سعيّد هي اغتصاب السّلطة.
وحتى اليوم، أعلن 12 حزباً مقاطعة الانتخابات هي: النهضة (53 نائباً بالبرلمان المحلول) وقلب تونس (28 نائباً)، وائتلاف الكرامة (18 نائباً)، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي (22 نائباً)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر (16 نائباً)، وآفاق تونس (نائبان).
قانون المؤسسات
وتأتي مسيرة أحزاب المعارضة في وقت وجّه فيه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) مراسلتين إلى رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن يوم الأربعاء الماضي، يطلب فيهما توضيحاً بشأن عزمها تنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989م المتعلّق بالمؤسسات والمنشآت العمومية.
وحسب ما نشره موقع “الشعب نيوز”، فإن نوايا الحكومة في هذا الموضوع تثير قلق المنظمة النقابية، نظراً إلى أن إصلاح المؤسسات العمومية والحوكمة داخلها ملف مهم جدّاً بالنسبة إليها. كما طالب الاتحاد الحكومة بمده بمشروع المرسوم المتعلّق بتنقيح قانون المؤسسات، مصحوباً بشرح الأسباب، إضافة إلى اطلاعه على الأوامر التطبيقية التي يتضمنها مشروع المرسوم.
ودعا الاتحاد الحكومة إلى عقد جلسات عمل لمناقشة الموضوع، والمشاركة في الندوة التي يعتزم تنظيمها أيام 14 و13 و15 ديسمبر لعرض رؤيته بشأن إصلاح القانون المتعلّق بالمؤسسات والمنشآت العمومية. وجدّد اتحاد الشغل رفضه التفويت في المؤسسات العمومية، داعياً الحكومة إلى القطع مع السياسات التنموية السابقة.
وإذا كانت أكبر منظمة نقابية، قد كشّرت عن أنيابها للحكومة فإن أكبر تجمّع لرجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية ورؤساء الاتحادات الجهوية، باتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، (أكبر منظمة لرجال الأعمال في تونس) قد أكدت الخميس الماضي رفضها لما ورد من أعباء جبائية إضافية في مشروع قانون المالية التونسي لسنة 2023م في نسخته المتداولة.
وجاء في بيان اتحاد رجال الأعمال في تونس تحذير من أنّ تعميق الضغط الجبائي على المؤسسات سيزيد من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، ويضعف قدرة المؤسسات على الاستجابة لمتطلبات النمو والصمود الهيكلي من الناحية الاقتصادية.
تجمع أحزاب المعارضة، وتراجع العديد من الأطراف السياسية والنقابية والمالية عن دعم نظام قيس سعيّد، علاوة على تسريبات لا يمكن الخوض فيها إعلامياً، يؤكد بأن آخر مسمار في نعش الانقلاب قد حان وقت دقه إن لم يكن دق بعد.