لما أضعنا العقيدة سقطت الأرض وسالت الدماء
الأنظمة التقدمية فشلت في تحقيق أي نصر
أن يكون للكلمة أيد تحرك بها الأحداث..
أن يكون لها الأثر العميق فلا تغادر «عقول» الآخرين.
أن يكون لها الصدى فتتصل بأعماق «قلوب» الآخرين؟
هذا مطمح يختص به «الأمناء» يدركون به، في أعماقهم ثقل «أمانة» الإبلاغ، فيرجون أن يستقر ما يبذرون -من بذور فكر وإحساس أنضجهما الألم- في أعماق من يخاطبونهم من قومهم.
ومن قبل وصف الله سبحانه وتعالى أسف الرسول |، إذ لم يحسن قومه الإصغاء إليه فقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6).
أفلم يأن لنا أن نتدبر أحداث ثلاث وعشرين سنة انقضت منذ عام 1947 حتى بلغنا عام 1970م.
ثلاثة وعشرون عاماً عجاف هلك فيها الحرث والنسل، في شرقنا الإسلامي، وثلاثة وعشرون عاماً أخرى من عمر الزمن الطاهر منذ نزلت الرسالة على الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى وفاته، فكم أثمرت من الثمر اليانع؟
أذكر هذه.. وأتذكر تلك بمناسبة ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.. تمر بخاطري فأجول بقلبي وعقلي في طرقات مكة والمدينة، وبين مسجده صلى الله عليه وسلم وبيوت الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، فأتأمل كيف قضى هذه الفترة في بناء الفرد والأسرة والمجتمع على أساس «تقوى الله».. فتولد مجتمع مثالي تأسس على المساواة والعدل حين أيقن بالإخاء والمحبة أسلوباً للحياة، وأمعن في الخير وسخا به لما انبعث من تقوى حقيقية لله جل جلاله، ولما التزم بأوامر رسوله الكريم، وحين كان الهوى العميق لهذه الرسالة، لا للأعراض الزائلة في حياتنا البائدة؛ «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به»، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه».
من هذه الفضائل والأصول الكبرى التي ضربت جذورها العتيدة في نفوس هؤلاء، ثم وصف القرآن لهم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110).
ولما صدقوا بما عند الله من أجر هرعوا للجهاد؛ فتركوا دورهم ونساءهم وأموالهم يَقتلون ويُقتلون في سبيله.
من هنا تفجرت شجاعة «الرجل المسلم»، و«الجيش المسلم»، شجاعة عارمة؛ فحققت انتصار «بدر»، فلذا المئات يهزمون قريشاً بتجمعها، برجالها وعتادها.
وفي «مؤتة» يتقدم أربعة آلاف مسلم فيمسكون بزمام المبادرة ويهاجمون الروم في عقر دارهم فيقفون في وجه مائتي ألف من الروم.
ثم معارك «القادسية» و«اليرموك».. وغيرها.
وانبعثت التضحيات وتسابقوا حريصين على الموت والشهادة حرص أعدائهم على الحياة.
تمر هذه الذكريات والألم يجتاح النفس مما يقع فيه المسلمون اليوم.
أضعنا مخافة الله في صدورنا فضعنا وهنَّا على الناس، ثلاثة وعشرون عاماً منذ عام 1947 حتى عام 1970م مرت على شرقنا الإسلامي فماذا حدث فيه؟
اليوم يقتل اليهود أطفالنا؟ فهل بات ذلك أمراً قديماً؟
اليوم يعتدي اليهود على نسائنا، فهل ماتت القلوب في «مستنقع الصمت»؟
تنتهك أرضنا وتنهدم البيوت على رؤوسنا صباحاً ومساء، فلم حدث كل هذا؟
وماذا سيتكشف عنه وجه المستقبل القريب؟
أيها السادة..
لنتعود أن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة تلاحقنا في الضمائر، تنزع عنا جفون النوم:
هل تساءلنا ما الذي بلغ بنا إلى هذا الحاضر الذليل؟
ومن الذي يسوقنا إلى هذا المستقبل الدموي بلا نصر تلمع بوادره في آفاق المستقبل؟
هذه أسئلة تولد من مواقع رؤية «الدم الإسلامي» يسيل من أفواه أبنائنا التي مزقها الرصاص اليهودي.
وهذه كلمات تنبثق من قلب أوجعه وقع خطوات العاهرات على حرم المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله.
بدأت المؤامرة ببضع مستعمرات متناثرة هنا وهناك، ولكن يمدها بالحياة فريق من المتآمرين يعملون وفقاً لتخطيط عميق، واجتمع الذين اختلفوا في كل شيء، اجتمع الذين اختلفت مذاهبهم على شن الحرب على قلب العالم الإسلامي حيث ثاني القبلتين.
اجتمعت دول المعسكر الاشتراكي وعلى رأسها روسيا، وأمريكا وإنجلترا وفرنسا في الجانب الآخر؛ ليدعموا الميلاد اليهودي في قلب فلسطين الإسلامية، وأرادوا أن يتقدموا خطوة أخرى أكثر أهمية.
قيل: قامت «إسرائيل»؛ لأن الأنظمة التي تحكم المنطقة كما يزعمون رجعية.
هزيمة الجيوش وميلاد «إسرائيل» وفساد الأوضاع كل ذلك كما يزعمون بسبب يعود للرجعية.
وقيل: فلتسقط الرجعية وزأرت الدبابات، وبدأت حمى الانقلابات.
ولكن العجيب أن الانقلابات أخذت تتجه بكل ما حشدته من قوى المخابرات والسلاح إلى داخل الأوطان التي قامت فيها، وإذا بنغمة واحدة مرذولة ترتفع ثم يتردد صداها.
إذا بالهجوم يتجه لصدر الحركة الإسلامية، وإذا بالمعتقلات تفغر فاها لعشرات الآلاف من الإسلاميين، وإذا بالمشانق ترتفع بسرعة بالغة.
وزج المخلصون في السجون، وشردت الكفاءات من مختلف الأوطان، وأغلقت المعاهد والكليات الإسلامية، ومنع تداول المؤلفات الإسلامية، وحطم الاقتصاد.
وبعد أن ذلت الشعوب بفعل المخططات المستوردة عبر البحار، ودفع لاعتلاء السلطة من لا يرعى لله عهداً ولا ذمة، وهنا آن أوان الهجوم التالي لـ«إسرائيل»، جرى التدبير اليهودي الدولي بحيث يطعن الوطن الإسلامي في صميم داخله بعد أن يفرغ من الروح الإسلامية، في الوقت الذي يستثير حاخامات اليهود أقصى الطاقة الدينية في أبناء «إسرائيل» تقدمت قوات العدو.
ولم يكن ثمة أنظمة رجعية كما يدعون، بل أنظمة تقدمية كما يتبجحون، زودت بالتكنولوجيا والأسلحة والعتاد الحديث، وكان الداخل قد تطهر كما زعموا لقوادهم.
وتقدمت القوات اليهودية، فلم يؤذن لقواتهم بالدخول للقدس إلا بعد أن تقدمهم «الحاخام» نافحاً في البوق.
فيا أيها المسلمون المخلصون..
أيها المتأملون المفكرون..
الحقيقة لم تعد سراً من الأسرار..
الحقيقة شمس تكشف وجه أيامنا الذليلة.
لقد سقطنا حين سقطت العقيدة الإسلامية من نفوسنا.
لقد سقطنا حين أُخلي الميدان من الإسلاميين.
إن اجتماع 700 مليون مسلم على الإسلام هو الرعب الذي يخشونه.
ولنعلم أن الصراع في منطقتنا والحروب الدائرة إنما تستهدف الإسلام في جوهرها، تشنها صهيونية ماكرة، وتدعمها صليبية حاقدة.
فلنعد إلى الله..
ولنبتغ العزة بما آتانا الله، فمن ابتغى العزة بغير ما أعزه الله به أذله الله.
أيها المسلمون.. عودوا لعقيدتكم.. يعد لكم ما فقدتموه ويحق لكم النصر المبين.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ. تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ. يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ. وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ)(الصف:9-12).
_______________________________________________
العدد (12)، عام 1970م، ص14.