تخيم على سماء الأمة العربية الذكرى الثالثة لحزيران بسوادها القاتم، حيث انطفأ بريق الأمل بأن عام 1970م سيشهد معركة التحرير، ومسح العار الذي لطخ أعناق العرب وشد على رقاب المسلمين، وأوثقهم بحبال الهزيمة النكراء أمام شذاذ الآفاق وطريدي الشعوب!
فاليهود كما هم يتربعون على سيناء والجولان! ويمرحون في القدس حيث يقيمون فيها المآدب لإنشاء مستعمرات جديدة حول معابدهم ومبكاهم، والضفة الغربية بأكملها يحصدون فيها ما زرعوا وينعمون بخيرات ما بذروا.
وطائراتهم.. أياً كان نوعها.. تجوب أرض العرب طولاً وعرضاً؛ تدمر ما تشاء من أهداف مدنية وعسكرية.. ويبتلع أزيزها صرخاتنا على الأطفال والعجائز!
وأعمال البناء وتعبيد الطرق فيما احتلوا من أرضنا تسير على قدم وساق في أمن الحماية الجوية وسيطرة القوات العسكرية!
وكل يوم يمر عليهم يزدادون فيه قوة واستعداداً، وتخطيطاً وإنفاذاً، واستفادة من الوقت لتثبيت أركان دولتهم، وسيراً في طريق ابتلاع أرض جديدة من الوطن العربي!
إن اليهود:
1- ملتزمون بديانة أحبارهم ورهبانهم فيما سطروا لهم في تلمودهم عن أرض الميعاد.
2- وملتزمون كذلك بما حوته بروتوكولاتهم من تعاليم وأفانين.
3- وملتزمون كذلك بالاستمرار في تكملة حلقاتهم الحاقدة عبر تاريخهم الأسود المعلوم لدينا في القرآن الكريم والمفهوم لنا من طول الممارسة والتجربة.
نعني بالالتزام الاتجاه بالعمل في دأب وإصرار نحو تحقيق ما يعتقدون!
هذا هو العدو الصهيوني بالصورة التي لمسناها هذه الأعوام تحكي لنا المسطور عنهم عندنا من أربعة عشر قرناً.
فبماذا واجهناهم؟
– بالخطب الجوفاء نمتص بها غضبة الجماهير المتألمة.
– بالوعود الكاذبة نفرش بها ورد الآمال للشعوب المضللة!
– بالمؤتمرات هنا وهناك نطلب بها مزيداً من الدعم الدعائي، ونحصد بها فترة من السكون الوقتي.
– بالانقلابات الثورية نبني بها وهم الآمال في ظلال الاشتراكيات التحررية.
– بالصراعات الحزبية نشد بها فريقاً من أدعياء الفدائية إلى مستوى المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وخلاصة القول:
إن الشعوب التي عرفت أكاذيب ووعود بعض المسؤولين في الوطن العربي قبل حزيران لم تعد تثق بهم أو ينطلي عليها دجلهم.. هذا على مستوى المسؤولين.
وعلى مستوى العمل الإيجابي، فليس ثمة ما يطمئن الذين لم يحقنوا بالمخدرات، ولا الذين أفاقوا من شدة الصدمة، فهم لم يلمسوا بعد بوادر الأمل في الأخذ بأسباب النصر، اللهم إلا مزيداً من التمكين للعدو بالصراع على السلطة، والمعارك الحزبية، والمجازر الدموية للانقلابات الثورية، والاستبداد المحموم للنظم الخطرة المحطمة والمبادئ الهاوية.
وعلى المستوى الاجتماعي وتعبئة الطاقات للمعركة، فقد ازدادت ونشطت في أوطاننا -على أراضي الكارثة- النوادي الليلية الصاخبة، والمراقص والخمارات ودور القمار، وأثرت الأقلام المأجورة والصحف الجنسية الرخيصة في عملية عنيفة مدمرة لكل القيم والأخلاق حتى لا يبقى في المجتمع عرق ينبض بالنخوة للأعراض والمقدسات.
وكان الصهيونيون هم بأشخاصهم يخططون وينفذون ويعملون في أوطاننا؛ ما يقودنا من هزيمة إلى هزيمة، ولا ندري لعل المفاجآت تدهمنا بأمثال «إيللي كوهين» منتشرين في بلادنا متسربلين بلباسنا لم يكتشفوا!
وعلى المستوى العسكري، لم نلمح في الأفق المظلم بارقة أمل بالاستعداد لمعركة حاسمة نخوض فيها معارك النصر لا في عام 1970، ولا في عام 1971، إذ إنه بعد ثلاث سنوات من الاستعداد المزعوم لخوض معركة النصر نفاجأ بالاتصالات على جميع المستويات حيث أطلقت التصريحات بقبول إعطاء العدو الصهيوني ممرات مائية بكل حرية، واعتراف بحدود آمنة تمهيداً لقبول شروط الاستسلام، وغير ذلك من بنود الذلة والهوان!
وفي طريق الاندفاع نحو هذا الموقف الاستسلامي المزري يحاولون القضاء على العمل الفدائي الحقيقي.
هذه لمحة موجزة عن واقعنا المؤلم الذي نعيشه ثلاث سنوات من هزيمة «حزيران» التي لا يمكن أن يتأتى لنا نصر إلا بالأخذ بأسبابه، ألا وهي:
أولاً: أن نعيش جو المعركة.. في أوبة عاجلة إلى الله القوي القادر.. بقلوبنا.. بأعمالنا.. بوحدتنا.. معتصمين بحبله، معلنين الحرب الفورية على أسباب الهزيمة ومسبباتها ومَن وراءها..
ثانياً: أن نمحو من واقعنا عوامل الهدم لمقوماتنا وذواتنا من كل أسباب التبعية الفكرية لكل مبدأ هدام، وكل داء خلقي ينخر في الجسد العربي ويحطم فيه أخلاقه ومُثله.
ثالثاً: أن نأخذ وسائل الإعلام وبرامج التعليم بكل عجلة إلى منهج الإسلام الصادق في دفعة الجيل نحو الرجولة السامقة والكرامة الأبية.
رابعاً: أن نصدق في القول والعمل، وأن نكاشف الأمة بالحق.
ولن يكون ذلك إلا بالالتزام بالإسلام عقيدة، ومنهجاً، وسلوكاً، وحكماً.
عندئذ تكون الشعوب العربية مؤهلة للأخذ بوسائل القوة المادية من حشد الطاقات، وتصنيع البلاد، وتخطيط للاقتصاد يستوعب كل الإمكانات ويستغل كل الثروات، ولبناء مجتمع مثالي قوي على أساس من تقوى الله، محاط برعايته، حينئذ نكون قد استفدنا من الأحداث، وسرنا في الطريق السوي لتشرق في سمائنا شمس النصر، وذلك وعد الله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (النور:54-56)، وصدق الله العظيم الذي لا يخلف وعده.
__________________________________________________
العدد (13)، عام 1970م، ص8.