بعد صمت استمر زهاء 36 ساعة على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في قطاع غزة من خلال عملية اغتيال مباغتة، انطلقت عشرات الصواريخ تجاه مستوطنات قطاع غزة ومدينتي عسقلان وأسدود الساحليتين.
36 ساعة عاشها المستوطنون في حالة من الرعب والخوف والترقب وهم لا يعرفون من أين ستأتيهم الضربة؛ من الجو أو البحر أو البر أو من جميع الجهات معاً! مما أطلق عليه المراقبون سياسة «الصمت المرعب».
وفي الساق، قال د. إياد حمدان، الخبير في الشأن الصهيوني: إن المستوطنين باتوا يعدون الدقائق والساعات وهم تحت رحمة قرار المقاومة، وذلك بعد إخلائهم جميعاً إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
حمدان: التكتيك الجديد في تأخير الرد على مجزرة غزة كان جزءاً من الحرب النفسية
وأضاف لـ«المجتمع»: التكتيك الجديد الذي اتبعته المقاومة في تأخير الرد على مجزرة غزة كان جزءاً من الحرب النفسية التي شنتها المقاومة من خلال تهديدها ووعيدها.
وأشار حمدان إلى أن المستوطنين يتابعون بدقة تصريحات قادة المقاومة ويثقون في هذه المعلومات أكثر مما يصرح به قادتهم؛ نظراً لأنهم كانوا يكذبون عليهم وهم يقولون لهم: أنتم في مأمن.
من جهته أكد د. مصطفى اللداوي، الباحث في الشأن الفلسطيني، أن المقاومة أحسنت إذ ضبطت نفسها وأخَّرت ردها، وأحكمت تصريحاتها، وامتنعت عن القيام برد فعل آنيّ ومباشر.
وقال اللداوي لـ«المجتمع»: كان من شأن الرد السريع لو تم أن يريح العدو ويطمئنه، ويهدئ من روع مستوطنيه الهاربين من كابوس رد المقاومة، التي تعلم أنه لا محالة قادم.
اللداوي: المقاومة استطاعت بوعيها وصدقها أن تفرض على العدو معادلات جديدة
وأشار إلى أن هذا الرد ولو تم سريعاً لأنهى استنفار الجيش وكبار ضباطه، وأعادهم إلى وحداتهم وثكناتهم، وأنهى كذلك تسريح الجنود والضباط الاحتياط، والطيارين والخبراء، الذين استدعوا على عجل، وطُلب منهم الالتحاق بوحداتهم والاستعداد لكل طارئ ومفاجئ.
وأكد الباحث الفلسطيني أن المقاومة آثرت التروي والانتظار، وعدم التنفيس عن غضبها برد فاتر أو عملية قاصرة، وقررت أن تنتهي من مراسم التشييع والدفن، وربما تصبر أكثر لتمر أيام الحزن ويتجاوز الفلسطينيون الألم، ويبرأ الجرحى ويستعيد الناس نشاطهم، قبل أن تحسم قرارها وتعزم أمرها وتحدد هدفها، وتنفذ وعيدها برد مؤلم وعملية موجعة.
وقال: لعل في تأخير الرد الكثير من الخير، فقد يجعل حياة المستوطنين صعبة، وانتظارهم مؤرقاً، وترقبهم مضنياً، وقد شاهدنا الآلاف منهم يهربون.
وتوقع أن يكون رد المقاومة رسالة واضحة وصريحة للعدو ممهورة بالدم ومدموغة ببصمة الشعب الثائر والمقاومة الصادقة، أن الفلسطينيين ما عادوا يصمتون على الظلم، أو يسكتون على الضيم، أو يتخلون عن حق الرد.
وأشاد بتفعيل غرفة العمليات المشتركة التي سبقت بردها المشترك على جريمة استشهاد الأسير خضر عدنان، الذي جاء منظماً ومنسقاً، وموحداً وموجهاً، ومؤقتاً بزمان ومحدداً بإطار، ومضبوطاً بحدود وملتزماً بسياسة.
وقال: يعلم العدو جيداً أن المقاومة الفلسطينية لن تدع جريمته تمر دون رد وعقاب، فقد اعتادت أن ترد على كل عدوان، وأن تثأر منه بعد كل جريمة.
وأضاف: استطاعت المقاومة بوعيها وجديتها، ووحدتها وصدقها، أن تفرض على العدو معادلات جديدة، وأن تلزمه باتفاقيات لا ترضيه، وتفاهمات لا تفيده، وذلك لأنه فقد القوة والتفوق، وخسر الردع والانتصار.
وتابع: رد المقاومة قادمٌ لا محالة، وإن تأخر فإنه سيأتي قوياً مدوياً، ومفاجئاً صادماً، ومختلفاً عما سبق ومغايراً لما اعتاد عليه العدو، وسيفرح به الفلسطينيون وسيسيء وجه الأعداء وسيؤلمهم أكثر، وسيصيب وعيهم قبل أجسادهم، وعقولهم قبل مدنهم، وإحساسهم قبل مساكنهم.