مرحلة الجامعة هي مرحلة جديدة في حياة الفتيات والفتيان.
وهم يشعرون فيها بتخفيف القيود التي كانت مفروضة عليهم في مراحلهم الدراسية من الزي المدرسي وإلزامية الحضور.
فتجد الفتيات يتفنن في الملابس وأشكالها وألوانها، طولاً وقِصرًا، اتساعًا وضيقًا، سترًا وانكشافًا، مع أنواع الزينة على الوجوه والأيدي، قلَّت أو كثُرت أو انعدمت.
والحقائب والأحذية وأغطية الرأس التي تتبدَّل مع الملابس وألوانها وتصميماتها، حتى إنك لتخال أنك في معرض مفتوح للملابس والأزياء والتصميمات.
وقد تنمحي الفوارق الاجتماعية الظاهرية من الفقر والغنى؛ فلا تعرف الفقراء من الأغنياء لجري الأغلبية خلف التجمُّل الزائد والاستعراض، هذا الأمر الذي يرهق الآباء إرهاقًا شديدًا في تلك المرحلة لتوفير تلك المتطلبات والرفاهيات التي لم تكن مطلوبة من ذي قبل.
ويظهر التنافس بينهن في إبراز المفاتن ومواطن الجمال والأناقة وحسن المظهر.
فتلك الحرية الممنوحة لهم قد يساء استغلالها، وتنقلب إلى آفة تهدد بنية المجتمع وأخلاقياته؛ حتى إنهم قد ينسون أنهم طلاب علم، لأساتذتهم عليهم الحقوق العظيمة، فتراهم قد لا يوقرون أساتذتهم التوقير اللائق، وقد يحدث نوع تعدٍّ في بعض الأحيان.
ومن خلال الاتحادات الطلابية الحرة قد يستطيل الطلبة على الإداريين في الجامعات.
وفي تلك المرحلة من فورة الشباب واتقاد نيران الغريزة وانفتاح البيئة قد يلجم الأكثر تلك العواطف، ويسعى في تهذيبها، والعمل على السيطرة عليها بالتدين والأخلاق والخوف من نظرات المجتمع أو الحذر من الوقوع في براثن الرذيلة.
لكن البعض قد ينساق وراء غريزته وشهوته ويجعل عقله أسيرًا لشهوته ونزواته، ويسخِّر جوارحه لخدمة تلك الرغبات، فيسعى إلى تكوين معارف وصداقات وزمالات ينفذ من خلالها ويتحايل بها للوصول إلى تحقيق بعض ما يصبو إليه؛ سواء أكان بالتوافق مع الطرف الآخر أم مكرًا وخداعًا وتآمرًا، حتى إن من الحالات ما أدى إلى الانتحار من طرف الفتاة المغدورة.
وإن قيام التعاون بين الطلاب والطالبات في المحاضرات والتطبيقات أمر لا شيء فيه طالما يخدم العملية التعليمية ويكون في إطار الدين والأخلاق والأعراف، لكن أن يتعدى هذا التعاون إلى صداقة بينهما وخُلَّة فهذا أمر ترفضه الأديان والشرائع؛ قال تعالى: ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ (النساء: 25).
وفكرة الصداقة بين البنين والبنات فكرة غربية يراد نشرها بين المسلمين والدفع لقبولها بدعوى التحرر والتقدمية وترك الرجعية والظلامية، لكنه في الحقيقة لا صداقة بين الرجال والنساء.
وإطلاق البصر يفتح نافذة إلى القلب مباشرة يتسلل من خلالها الشيطان لتزيين صورة الشباب في قلوب البنات، وتزيين صورة البنات في قلوب الشباب.
وهذه العاطفة المتقدة مع إطلاق البصر مع وجود البيئة المنفتحة وقلة الرقابة أو انعدامها يؤدي إلى الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
إذ قد يحدث انجذاب عاطفي بين البعض ويغذيه اللقاءات المتكررة بينهما تحت ستار الزمالة أو في خفية عن أعين الرقباء.
فالإغراء قد تعددت وسائله في الجامعات، ومن أعظمها مفسدة ما نراه من وقوف السيارات أمام الأحياء الجامعية، وتتبع الفتيات بالنظرات وتوزيع الابتسامات، فمحاولة إيقاعهن في حبائلهم بالمواعدات، ثم تكون لقاءات تثمر حملاً غير شرعي، ثم محاولة بعضهن للتخلص من تلك الثمرة الشيطانية بمساعدة طالبات في كليات الطب مقيمات معهن في الأحياء الجامعية، إما بالتوليد والتخلص من المولود بطرق بشعة ولا إنسانية برميهم في المزابل، وقد تحدث أخطاء تؤدي إلى قتل الأجنة؛ فتقع العقوبات القانونية من الدولة تجاه كل المشاركين.
وقد تكون تلك العاطفة صادقة لكن الظروف لا تعين على إتمام ذلك بصورة شرعية؛ إذ لا يزال الشباب عالة على آبائهم، فكيف يفتحون بيوتًا عليها التزامات ونفقات وتبعات لا يقدرها الشباب في تلك المرحلة الحالمة؟
لذلك نبهنا النبي ﷺ إلى تلك المسألة حينما نادى الشباب قائلاً: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(1)؛ فالباءة هي القدرة على تكاليف الزواج وأعبائها المادية والنفسية، وليس القدرة على الجماع فحسب.
وقد يتلاعب بعض الشباب بالفتيات الغريرات فيعدهن بالزواج فتمكث المسكينة منتظرة له متمسكة بعهدها معه، ويطول العهد ويُخلف ميعاده معها ويعيش حياته، وهي بالمقابل ترفض من يتقدَّم إليها حتى تضيِّع الفرص تلو الأخرى من بين يديها، وقد يفوتها قطار الزواج تمسكًا بتلك الوعود الزائفة.
وهناك بعض الأساتذة الذين خلعوا ربقة الوقار والأخلاق من رقابهم ويفترسون الفتيات افتراس الذئاب، عن طريق المساومة على النقاط والنجاح، أو استغلال إعجاب الفتيات بهم، فيتسللون من خلال هذا الإعجاب إلى إيقاع الفتيات في براثنهم ووعدهن بالزواج ولا يفعلون ويبقونهن أسيرات عاطفيًّا لهم، أو الزواج بهن زواجًا سريًّا حتى لا يعلم المجتمع ماذا يفعل هؤلاء الأساتذة في الخفاء.
وهناك بعض الطوام العظام أن تقع بعض الفتيات أثناء الفترة الجامعية في الدعارة؛ لكونهن فقيرات، أو خرجن من بيئة اجتماعية متفسخة متحللة، أو بعدن عن أهلهن وذويهن فلا يعلم بحالهن أحد من يعرفونهن، فيقعن في براثن شبكات تقوم باستغلالهن أبشع استغلال.
حتى إن منهن من يتعمدن الرسوب الجامعي حتى يبقى لهن الحق في المأوى الجامعي لسنوات عدة، حيث يهجرن الأهل والأقارب هجرًا دائمًا، إما لسوء عاقبة ما وصلن إليه من انحلال خلقي، أو لرفضهن العودة إلى البيئة الأصلية.
ولا نقصد من هذه الصور طمس الإيجابيات أو غض الطرف عنها أو التقليل من الصور المشرفة للطلاب أو الأساتذة، بل نريد دق ناقوس الخطر لبعض الصور التي تشوه المسيرة الطلابية في تلك المرحلة الحساسة من حياتهم.
ونعلم أن الحديث الإعلامي عن تلك الحالات السلبية في الجامعات والأحياء الجامعية قد يعود بالسلب على المسيرة والصورة العلمية المشرفة، ومن أعظمها ذهول أولياء الأمور وصدمتهم بمعرفة هذا الواقع، ومع إحساسهم بالخطر يهبُّون جماعات لتوقيف المسار العلمي لبناتهن توقيفًا كليًّا، أو منعهن من الدخول أصلاً للجامعات.
لكننا نسعى أن تكون الجامعات المحضن العلمي والثقافي والتربوي الأخير الذي بعده يخرج الطالب إلى الحياة العملية محملاً بالأخلاقيات والأفكار والعلوم التي تم غرسها فيه على مدار مراحله التعليمية في المؤسسات والمعاهد والمدارس العليا والجامعات.
_________________________________
(1) أخرجه البخاري في “النكاح”، باب: «قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لاَ أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ»، ح(5065).