ليست الغيرة على الزوجة، كمعنى وقيمة وخلق كريم، بمعزل عن غيرة المسلم على المسجد الأقصى المبارك، وما يتعرض له من تدنيس وهدم واقتحامات من قبل المحتل الصهيوني الغاشم.
إن الغيرة كمفهوم لا تقف فقط عند حدود العرض والجسد فقط، بل إن المعنى أكبر من ذلك، وأعم وأشمل، ليشمل الغيرة على الدين، والوطن، والمقدسات، والأرض، والكرامة.
من شأن المؤمن أن يغار على عرضه، ولا خير فيمن لا يغار، فكيف يهنأ وهو يرى يد المغتصب تنتهك حرمة نساء القدس، وتخدش حياء زهراوات «الأقصى»، وتنكل بعجائز وأمهات فلسطين.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه».
حينما تتفحص معنى الغيرة، ستتلمس هذا القاسم المشترك بين الغيرة على الزوجة، والغيرة على «الأقصى» والمقدسات، والأرض والوطن، ساعتها ستشعر كم نحن في حاجة ماسة للغيرة بمعناها الشامل، وأهدافها النبيلة.
تُعرف الغيرة بأنها الهيجان والغضب الذي يشعر به الإنسان عندما يحس بأن شخصاً ما قد شاركه في أحد حقوقه أو أموره الخاصة، وهي شعور مشترك بين النساء والرجال، وغريزة طبيعية من الأخلاق الكريمة التي فطر عليها الإنسان، اهتم بها الإسلام ورفع مكانتها وشأنها.
بل اعتبر الإسلام دفاع المسلم عن عرضه جهاداً، ومن يضحي بنفسه من أجل غيرته على الإسلام يوضع موضع الشهداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِه فهوَ شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دينه فهوَ شهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهله فهوَ شهيدٌ».
إن الغيرة من مظاهر الرجولة، فكان رجال «الأقصى»، ومجاهدو فلسطين، وأبطال المقاومة، وأشاوس «القسام»، خير من غاروا على عرضهم ووطنهم ومقدساتهم ومساجدهم، فانتفضوا يحررون الأرض، ويلقنون العدو درساً قاسياً، لن ينساه على مر التاريخ.
إن الغيرة تعظيم لشعائر الله، وحفظ لبيوته، وصيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، بل هي جهاد في سبيل الله، ترفع من يغار إلى مرتبة الشهيد، إذا قتل في سبيل الدفاع عن عرضه، وماله، ونفسه، ودينه.
غار المسلمون حينما عقد يهودي طرف ثوب امرأة مسلمة كانت في سوق بنو قينقاع، فلما قامت انكشفت سوأتها، فصرخت، وضحك اليهود، فوثب رجل من المسلمين على اليهودي فقتله، فاجتمع اليهود على المسلم فقتلوه، فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم على رأس جيش من المهاجرين والأنصار وحاصرهم خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فاستسلموا وخرجوا صاغرين من المدينة.
وتسطر كتب التاريخ كيف أن امرأة مسلمة أسرها الروم، فاستنجدت بالخليفة المعتصم بالله، وهي تطلق صيحة مدوية: «وا معتصماه!»، وما إن بلغ المعتصم ذلك حتى قالها بملء جوارحه: «لبيك»، وانطلق إلى القتال، معه جحافل المسلمين، وقد ملأت الغيرة لكرامة المرأة نفس كل مسلم، فأنزلوا بالعدو شر هزيمة، واقتحموا قلاعه حتى أتوا عمورية، وهدموا قلاعها، وانتهوا إلى تلك الأسيرة، وفكوا عقالها، وقال لها المعتصم: «اشهدي لي عند جَدِّك المصطفى صلى الله عليه وسلم أني جئت لخلاصك».
وفي القرن السابع الهجري، حين احتل الصليبيون بلاد الإسلام، حتى أوشكوا أن يحتلوا مصر، حينها بعث حاكم مصر العاضد لدين الله إلى والي الشام نور الدين زنكي رسالة استغاثة أرفقها بخصلة من شعر نساء بيته، فسرت الغيرة والنخوة في جند الشام، وهبوا لإنقاذ مصر من الصليبيين، فكان يوم «حطين» المظفر.
وتذكر كتب السير أن من حسنات الحجاج بن يوسف الثقفي أن امرأة مسلمة سُبيت في الهند، فنادت: «وا حَجَّاجاه!»، وبلغه ذلك، فجعل يقول: «لبيكِ»، وأنفق سبعة ملايين من الدراهم حتى أنقذ المرأة.
إن الغيرة هي عنوان ما يحدث في فلسطين اليوم، وهي الدافع وراء «طوفان الأقصى»، طوفان يغار على الأرض والعرض، يغار على النفس والمال، يغار على مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلما ثارت الغيرة، زادت النخوة، وارتفعت الكرامة، وتطهرت النفوس، ونفضت الأمة عن نفسها ثوب الدياثة والعار، والذل والمهانة، فصارت مرفوعة الرأس بين الأمم، لها ألف حساب في موازين القوى، يخشى العدو غضبتها، ويدرك كيف تكون غيرتها، وكيف ما سيلقاه من ثأرها.
ربوا أولادكم على الغيرة، الغيرة على العرض، والأرض، والوطن، والدين، الغيرة على قدسنا وأقصانا.