حينما تتابع تطورات عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، فإنك أمام ملحمة من العمل والإيجابية والتفاني والإخلاص والوفاء للمسجد الأقصى الشريف مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينما تتسارع الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتواصل إنجازات المقاومة الباسلة في تكبيد العدو خسائر فادحة، ربما تكون الأكبر في التاريخ، فإننا أمام دروس عظيمة لا يكفي حبر الأقلام للتعبير عنها.
ملحمة الإيجابية في الدفاع عن «الأقصى» الأسير، وعدم الرضوخ للأمر الواقع، أو الاستسلام للصمت والخوف، لا شك أنها درس عظيم لكل مسلم، يجب أن يعيه جيداً، وأن يتعلم فنون الإيجابية من الشعب الفلسطيني، ومن المقاومين في غزة ورفح وخان يونس والضفة ورام الله والقدس وغيرها.
إن المسلم حينما يكون إيجابياً، فإنه لا يعبأ بمن خذله، أو من سكت عن نصرته، أو من أدمن بيانات الإدانة والشجب والاستنكار دون تحرك جاد على أرض الواقع.
بل إن المسلم الإيجابي لا يهاب أعداء الله، ولا يخشى مواجهة الظالم، ولا يصمت عن المطالبة بحقه، والتمسك به، والدفاع عنه، والثأر لكرامته، والذود عن أرضه وماله ونفسه.
لا شك أن البعض، وربما الكثيرون، اعتادوا مشاهد التدنيس لـ«الأقصى» المبارك والقدس الشريف، وربما اعتادوا مشاهد قتل الفلسطينيين، وتدمير البنى التحتية في غزة وغيرها، وربما غضوا الطرف عن جرائم المحتل، والمساس بأعراض المسلمات هناك، لكن المسلم الإيجابي له رأي ونهج آخر.
إن الإيجابية تتجلى في مثل هذه المواقف، والتحديات، التي تجابه الأمم والشعوب، بل هي حائط الصد المنيع الذي يقف ضد اليأس والإحباط، ويدفع نحو الأمل والعمل والعطاء؛ لاسترداد الحقوق، واستعادة الكرامة، والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات الشريفة.
ملحمة «طوفان الأقصى» تجسيد حقيقي لكل معاني الإيجابية، حينما تجد من يضحي بنفسه لرد الصاع صاعين، وإيلام العدو، واستنزاف مقدراته، وتكبيده الخسائر تلو الأخرى، وبث الرعب في قلوب جنده وشعبه.
تتعاظم الإيجابية حينما يسيطر على المشهد من هو أقل عتاداً، ومؤنة، وذخيرة، ومالاً، ليس في جعبته ترسانة نووية، أو طائرات «إف 16»، ولا تقف وراءه قوى عظمى، ولا تحميه حاملات طائرات أو بوارج عملاقة.
إنهم يسيطرون تاريخاً، عتادهم فيه الإيمان بالله، والثقة في نصره، ذخيرتهم الإيجابية والإخلاص، وسائلهم العمل والتخطيط والتدريب والذكاء والتفاني، متمثلين قول الله عز وجل: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).
لم يتركوا شيئاً لصدفة أو ضربة حظ، تكتيكات على مستوى عالٍ، توقيت مثالي للطوفان، عناصر مدربة ومجهزة، خطط محكمة، استطلاع استخباراتي ناجح، خداع ومفاجآت مدوية، بسالة وصمود، شجاعة متناهية، إقدام على الجهاد، إما نصر أو استشهاد.
إيجابية تتجلى في توثيق بطولاتهم، وعملياتهم، ومكاسبهم، مع توثيق خسائر العدو بالصوت والصورة في بث مباشر، حطم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وفضح غطرسة الكيان الغاصب وداعميه، فصار يصرخ مستغيثاً بالغرب والشرق.
إن من روائع «طوفان الأقصى»، هذا الطوفان من الصور ومقاطع الفيديو التي سترفع معنويات الأمة لعقود، وستربي النشء على حب الجهاد والمقاومة، وعلى الشجاعة والإقدام، وأن الأرض لنا، والقدس لنا، والله بقوته معنا.
نعم، إنها صور ومشاهد للتاريخ، تغسل عار الأمة من صمت حكامها، وخذلان قادتها، وانصراف علمائها إلى فقه الحيض والنفاس، والطلاق والزواج، متناسين فقه الجهاد، والقتال في سبيل الله.
إنها مشاهد أسطورية تحيي الأمل، وتنثر بذور الكرامة، وتنشر روح الإيمان، وتبث دماء البسالة في العروق، وعبق الشهادة في النفوس، فأهلاً بأجيال جديدة ستحيا على حب «الأقصى» والقدس، وستؤمن بحقها في فلسطين كاملة من النهر إلى البحر.
أجيال ستتربى على حب الجهاد، وكراهية التطبيع، تعلم من هو عدوها، وتتجهز لمعركة التاريخ التي حدثنا عنها رسولنا الكريم، في الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: تعال يا مسلم هذا يهوديّ ورائي فاقتله»، وفي لفظ مسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود».
فيا كل مسلم، هلم وشمر عن ساعديك لتنهل من طوفان الإيجابية والصمود، والبسالة والإقدام.