الأمة الإسلامية تحتاج لقراءة تاريخ انتصاراتها لتكتشف مصادر قوتها وتبني المستقبل، والعلماء يمكن أن يقودوا حركة جديدة لبناء القوة النفسية والمعنوية للإنسان، وهذا الدور يمكن أن يسهم في تغيير العالم.
و«طوفان الأقصى» ليست مجرد معركة عسكرية تجلت فيها بطولة الرجال الذين تمكنوا من كسر قوة جيش الاحتلال الغاشمة، ولكنها في الوقت نفسه معركة علمية وفكرية وثقافية وسياسية، فقد كانت هذه المعركة نتيجة لكفاح طويل تم خلاله إعداد أجمل وأنبل مقاتلين من أجل الحرية.
سوف يتوقف العالم طويلاً للبحث في كيفية تشكيل نفسية أولئك الأبطال الذين انطلقوا فجر السابع من أكتوبر ليقتحموا حصون العدو، فلقد كان إيمان هؤلاء الأبطال بالله أهم أسلحتهم، ومصدر قوتهم.
المقاومة الإسلامية قدمت الدرس وأثبتت أن القرآن أهم مصادر القوة فهو الذي يملأ القلوب شجاعة وشهامة
لقد أثبت هؤلاء الأبطال للعالم أن الإنسان هو الذي يقاتل، فالسلاح مجرد وسيلة، ومهما كان تقدم هذا السلاح فإنه لا يغني عن القوة النفسية للمقاتل، وإصراره على تحقيق هدفه، واقتناعه بقضيته، وأنه يقاتل من أجل الحق لينصر دين الله، لتكون كلمته هي العليا.
القرآن في الميدان!
أبطال فلسطين الذين انطلقوا يحررون الأرض قرؤوا القرآن في خنادقهم وحفظوه، فملأ قلوبهم شجاعة وقوة، وشحذ إرادتهم وعزيمتهم، وساعدهم على تحديد أهدافهم بوضوح، فقاتلوا عدوهم بعقولهم وقلوبهم.
وفي الميدان اكتشف الأبطال معاني القرآن؛ ففتحت أمام بصيرتهم الآفاق لبناء القوة، فطوروا أسلحتهم، واستخدموها بكفاءة، وحفظوا القرآن في قلوبهم قبل أن يرفعوا السلاح بسواعدهم في وجه المحتلين المغتصبين لأرضهم، وفتح الله لهم وعليهم، فألقى الله الرعب والهلع في قلوب أعدائهم.
دروس من التجربة التاريخية
عاد أبطال المقاومة الفلسطينية إلى التجربة التاريخية لأجدادهم الذين حرروا فلسطين من الاحتلال الروماني، وقرؤوا القرآن كما قرأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما علمهم أن يقرؤوه، وعلى أساس تلك التجربة بنوا أهدافهم، وخططوا، وأخذوا بالأسباب عبادة لله، لكنهم في الوقت نفسه آمنوا أن النصر بيد الله وحده، وأن عليهم أن يقاتلوا، وهم يثقون في نصر الله، ويعبدونه بانتظار نصره، فامتلأت قلوبهم ثقة، فهم الفائزون مهما كانت النتائج.
على الأمة قراءة تاريخ انتصاراتها لتكتشف مصادر قوتها وعلى العلماء قيادة حركة بناء القوة النفسية والمعنوية
كانت التجربة التاريخية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملهمة وفاعلة في إدارة الصراع، فقد قرؤوا القرآن ليبنوا به حضارة عظيمة، وليحرروا الإنسان من العبودية لغير الله، فلم يصمد أمامهم هرقل رغم كل الأساطير التي روجها الرومان عن قوته، واضطر أن يودع الشام؛ لأنه يعلم جيداً أنه سيتعرض لهزيمة ساحقة أمام رجال يقاتلون بقلوبهم التي تؤمن بالله، وتثق في نصره، ولا تنظر للأرض، ولا يهمها قوته المادية الصلبة.
هل تكرر الأمة الإسلامية التجربة؟
أهم الدروس التي قدمتها المقاومة الفلسطينية أن الأمة الإسلامية تستطيع أن تكرر تجاربها التاريخية وتحقق انتصارات عظيمة، وتغير العالم، وتبني المستقبل عندما تقرأ القرآن كما قرأه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الواضح أن الشيخ أحمد ياسين قد أدرك هذا المعنى بوضوح، فقام بتأليف الرجال، وإعداد الجيل الذي سيحرر فلسطين، ففي مساجد غزة وخنادقها عبد هذا الجيل الله بقراءة القرآن، وشحذوا عقولهم، وأطلقوا لخيالهم العنان، فصنعوا الصواريخ وطوروها، وأثبتوا أنهم يستطيعون أن يديروا مع العدو صراع عقول، وينتجوا أفكاراً جديدة لا يستطيع العدو المغرور بقوته الغاشمة أن يتوقعها.
هؤلاء الأبطال أثبتوا للعالم أن الإنسان هو الذي يقاتل فالسلاح مجرد وسيلة
الحلم يشحذ العقول
كيف تمكن هؤلاء المقاتلون من أجل الحرية أن ينتجوا تلك الأفكار؟! هناك حقيقة علمية أثبت هؤلاء الأبطال صحتها، وهي أن الإنسان يستطيع أن يبتكر ويبدع ويفكر وينتج وينتفض ويقاتل عندما يمتلك حلماً عظيماً يشحذ عقله وهمته وعزيمته، وما كان أعظم هذا الحلم! إنه تحرير فلسطين من عدو اغتصبها قهراً بقوته الغاشمة.
ولقد حرر القرآن تلك العقول من الخوف والوهن؛ فانطلقت تفكر كيف يمكن أن تبني القوة الصلبة لتستخدمها في تحقيق الحلم العظيم، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلمون بتحرير مكة، وكما كانوا يحلمون بتحرير الإنسان بالإسلام من العبودية لغير الله.
لذلك، فإن أهم نتائج عملية «طوفان الأقصى» أنها أعادت لكل شباب الأمة الحلم والأمل، والثقة في نصر الله والقدرة على الفعل.
ويمكن أن نلاحظ بوضوح أشواق الأمة لاستعادة الحلم والأمل، بعد أن أصاب الناس الاكتئاب بسبب الخوف من القوة الغاشمة.
على الحركات الإسلامية أن تخطط لإعداد الشباب لمرحلة جديدة بقراءة القرآن لتشحذ به العقول لتفكر وتبدع
إنجاز المقاومة الحضاري
أعادت عملية «طوفان الأقصى» للأمة الإسلامية الحلم والأمل، وبذلك حققت المقاومة الفلسطينية إنجازاً حضارياً سيكون له تأثيره في بناء المستقبل، لكن الحركات الإسلامية يجب أن تخطط وتعمل لإعداد الشباب لمرحلة جديدة بقراءة القرآن لتشحذ به العقول لتفكر وتبدع وتبتكر، ولتملأ به القلوب شجاعة وثقة في نصر الله، وكما أضاء القرآن الطريق لأبطال المقاومة، فإنه يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للأمة لتحرير الإنسان، وإعادة بناء الحضارة الإسلامية التي تشتد حاجة العالم لها.
والمقاومة الإسلامية في فلسطين قدمت الدرس والقوة والمثال، وأثبتت أن القرآن أهم مصادر القوة؛ فهو الذي يملأ قلوب الرجال شجاعة وشهامة وقدرة على المقاومة وتقديم التضحيات.
انظر، إن أولئك الأبطال الذين حفظوا القرآن في قلوبهم يجوسون في ديار الأعداء، ويكسبون المجد والعزة، ويتحدون القوة الغاشمة، ولا يخافون إلا من الله وحده، وكل الأحرار في العالم ينظرون لهم بإعجاب، ويتطلعون لتقليدهم في كفاحهم لتحقيق أهداف عظيمة، وهذا نصر عظيم يحققه الأبطال الذين يحفظون القرآن.