تعتبر أمة الإسلام نفسها -وحدها دون سائر الأمم- امتداداً لأتباع جميع الأنبياء؛ حيث يجمعهم عقيدة واحدة هي الإسلام لله، ولذلك استلهمت كل ما جاء في القرآن بشأن قصص الأنبياء للاقتداء كما أمر الله تعالى: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90)، وقد قص الله عز وجل سلوكًا دائمًا لأتباع الأنبياء وهو جهادهم وصبرهم عليه، قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146)، ومعلوم أن أولى الجهاد دفع صائل العدو، وهو ما يسمى في الاصطلاح المعاصر النضال ضد المحتل، فتجذُّر ذلك في وجدان الأمة أصل عقدي قديم.
فرادة ذلك بين سائر الأمم
يستغرب كثير من الساسة والمفكرين والمؤرخين عدم ذوبان أمة الإسلام في غيرها من الأمم مع ما مرت به من محن طويلة، فقد غزتها حملات تجاوزت القطرية إلى العالمية كالحملة المغولية التي استولت -من بعض ما استولت- على كثير من بلاد المسلمين بدءًا من خوارزم في بلاد ما وراء النهر مرورًا بالعراق مركز الخلافة العباسية وحتى الشام والتي كُسرت في القرن السادس الهجري على مشارف مصر.
بل ذاب أهلها المغول في جسد الأمة بإسلام أكثرهم وحملهم راية الإسلام بعدها حتى فتحوا الهند وحكموها أكثر من 800 سنة.
وكالحملات الصليبية المتتالية التي حكمت بيت المقدس ومدنًا واسعة في الشام وكونت فيها إمارات تلو إمارات حتى كسرها أيضًا أبطال الإسلام نور الدين محمود ومن بعده تلميذه صلاح الدين الأيوبي، ثم انتقل المسلمون بعدها إلى عقر ديارهم ففتحوا قلب عاصمتهم الدينية القسطنطينية فصارت إسلامبول (إسطنبول)؛ أي مدينة الإسلام، وغير ذلك كثير في التاريخ الإسلامي الذي كان المسلمون فيه عصيون على أي ذوبان في جسد المحتل كتمثل لثمرة هذه العقيدة.
النضال صاحب الأمة في كل بقعة
وعلى مدار تاريخ الإسلام، لم تفتأ الأمة تناضل من أجل دينها وسيادتها؛ ومن ذلك ما كان في العصر الحديث الذي غزا فيه المستعمرون ديار الإسلام، ورغم اختلاف أجناس المستعمرين وأديانهم وأساليبهم، فإنهم اتفقوا جميعًا على غرض الاستعمار الأصيل، وهو السيطرة على البلاد لنهب ثرواتها، وفي مقابل ذلك لن تجد رابطًا بين المناضلين ضده في سائر بلاد الإسلام شرقًا وغربًا إلا الإسلام نفسه، فأنَّى تجد رابطًا بين من ثاروا على الإنجليز في الهند كأحمد عرفان البليروي، ومحمد إسماعيل الدهلوي، ومن ثاروا على الروس كالإمام شامل الداغستاني، ومن ثاروا ضد الإيطاليين كعمر المختار، ومن ثاروا على الإسبان في المغرب كمحمد عبدالكريم الخطابي، ومن ثاروا على الفرنسيين في غرب أفريقيا كساموري توري، وغيرهم ممن تعجز صفحات مقال أو كتاب أو حتى موسوعة عن إحصائه من أبطال في سائر بلاد الإسلام عاشوا مفهوم النضال وجددوه في الأمة.
فلسطين
تلك البقعة المباركة التي ما وجد المشتتون أهل الذلة غيرها لتجعل لوجودهم قيمة فاحتلوها ونسبوا أنفسهم -زورًا- إلى أنبياء بني إسرائيل المسلمين، ومارسوا ضد أهلها أبشع أنواع الاستخراب؛ لم يفتأ المسلمون النصال ضدهم، فتتابع عليها مجاهدون مصريون كأحمد عبدالعزيز، ومحمد فرغلي، وسوريون كعز الدين القسام، وزهير الشاويش، وعراقيون كعمر علي البيرقدار، وغيرهم الكثير من سائر بلدان المسلمين؛ كلهم يجمعهم ما سكن وجدان الأمة من النضال ضد أعدائها وتوحدهم على عقيدة الإسلام والدفاع عن أرضه وعرضه.
والناظر فيما يحدث الآن في مسرى رسول الله صلوات الله عليه وتوحد عامة الأمة حوله يجد مصداق ذلك، فرغم ما صُد به المسلمون عن نصرة «الأقصى» وما حوله وخذلان العالم لهم وتحشيد جميع القوى لكيلا يصل مددهم إلى أرضهم وحقهم الشرعي والتاريخي (فلسطين)، فإن إظهار عوام الأمة نصرة إخوانهم فيها وسعيهم للاحتشاد على الحدود وخروج المظاهرات في كثير من العواصم لنصرتهم وجمع المال لذلك؛ يُعد من أظهر ما يدل على حياة هذه القضية في نفوسهم.