يعاني النظام التعليمي في اليمن من تحديات كبيرة نتيجة للنزاع المسلح والظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها البلد، وتؤثر هذه التحديات بشكل كبير على القدرة التعليمية في اليمن، وتعوق الجهود المبذولة لتحسين جودة التعليم وتوجيه الطلاب نحو القيم الدينية، والتقاليد الأخلاقية.
في هذا الحوار، سنناقش مع الخبير التربوي اليمني عارف ناجي علي، الذي يشغل منصب مستشار وزارة التربية والتعليم في اليمن، كافة التفاصيل التي تحيط بالعملية التعليمة في البلاد.
بداية، ما أبرز التحديات التي تواجه المدرسة اليمنية في أداء دورها؟
ـ أخطر تحدٍّ يواجه العملية التعليمية هو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح ظاهرة؛ هو تسرب المعلمين من المدرسة، فقد أنتجت الحرب هذه الظاهرة الفريدة من نوعها التي تحدث ربما للمرة الأولى في تاريخ المنطقة، حيث لجأ الكثير من المعلمين إلى التجنيد بالجيش والمليشيات للحصول على عوائد أكبر، كما لجأ عدد منهم للهروب خارج البلاد، والأسوأ أن عدداً كبيراً من المعلمين امتهن حرفاً أخرى ويعملون في مجالات السباكة والنجارة وأعمال البناء، وفي جنوب اليمن في مهنة الصيد.
وتعاني العملية التعليمية في اليمن بوجه عام من مجموعة من التحديات أبرزها نقص الكتب المدرسية، بسبب نقص التمويل، وأيضاً تأثيرات النزاع المستمر في البلاد، حتى تطور الأمر إلى تبادل الطلاب كتبًا متهالكة من السنوات السابقة.
نقص الكتب المدرسية والبنى التحتية أبرز التحديات
وتتأثر العملية التعليمية أيضاً بتراجع الكادر التعليمي، حيث توقفت عمليات التوظيف الرسمي للمعلمين منذ عقد من الزمن، وتسرب العديد من المعلمين نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وأصبحت الإضرابات والوقفات الاحتجاجية أحد المظاهر الشائعة للمطالبة بزيادات الرواتب، بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
والنقص في المباني المدرسية هو تحدٍّ آخر يؤثر على العملية التعليمية، فلم يشهد اليمن تطورات في تشييد المدارس الجديدة منذ اندلاع الحرب، بسبب قلة الموازنة المخصصة للتعليم، وهو ما يجعل البنية التحتية للمدارس غير كافية لاستيعاب احتياجات الطلاب، إضافة إلى انقطاع خدمات الإنترنت والكهرباء.
ما مدى تأثير النزاع المسلح على العملية التعليمية؟
– النزاع المسلح وتحديدًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، قد أحدث تأثيرًا كبيرًا على النظام التعليمي؛ فبسبب هذا النزاع، يجد العديد من الطلاب أنفسهم مضطرين للنزوح بحثًا عن أماكن آمنة؛ مما يؤدي إلى انقطاع دروسهم وتأثير سلبي على تعليمهم، كما تعمدت جماعة الحوثي تغيير المناهج بما يخدم توجهاتهم مخالفة للأهداف التربوية والتعليمية.
ونتيجة للنزاع المسلح والتصعيد في بعض المناطق، تعرضت العديد من المدارس للدمار، ونزح العديد من الطلاب عن مدارسهم، بالإضافة إلى ذلك، تعرضت العديد من المدارس للتدمير بسبب التحركات العسكرية؛ مما زاد الضغط على بعض المحافظات بشكل كبير، خاصة العاصمة عدن.
هل يتم ربط العملية التعليمية باحتياجات المجتمع وسوق العمل؟
– تحاول المدارس والمؤسسات التعليمية في اليمن تقديم تعليم يلبي احتياجات الطلاب والمجتمع، ولكن تأثر الأوضاع التعليمية المتدهورة ومعاناة المعلمين من تحقيق حقوقهم المالية ودرجاتهم الوظيفية أثر سلبًا على تطلع الطلاب نحو مستقبل في مجال التعليم.
النزاع المسلح في اليمن تهديد خطير لمستقبل التعليم
ونشهد في وقتنا الحالي انخفاضًا كبيرًا في عدد الطلاب الذين يتقدمون للالتحاق بكليات التربية بعد الثانوية العامة، وهذا يُعتبر مؤشرًا خطيرًا، ففي السنوات الأخيرة، يظهر أن عدد الطلاب الذين انضموا إلى هذه الكليات قليل للغاية، حيث لا يتجاوز العدد الإجمالي عشرة طلاب لكل تخصص.
هل هناك مبادرات أو برامج تربوية خاصة يتم تنفيذها لتعزيز قيم التعليم والمواطنة الصالحة؟
– نعم، تعمل بعض المبادرات والبرامج التربوية في اليمن على تعزيز قيم التعليم والمواطنة الصالحة من خلال برامج تدريب المعلمين لتحسين مهاراتهم في غرس القيم والأخلاق في الطلاب، ومن خلال مبادرات المجتمع المحلي التي تسهم في تعزيز الوعي بأهمية هذه القيم، كما تنظم أنشطة توعوية في المدارس ودروس تعليم ديني بهدف تعزيز القيم والتقاليد الدينية، ولكن على الرغم من وجود هذه المبادرات، فإنها تواجه صعوبات بسبب الوضع الصعب في البلاد وتحتاج إلى دعم مستدام لتحقيق أهدافها بنجاح.
ما مدى إمكانية إيجاد بدائل للمدارس التي هدمت أو التي توقف نشاطها بسبب الحرب؟
– يعمل العديد من الأفراد والمنظمات على تقديم التعليم من خلال مدارس خاصة أو برامج تعليمية بديلة، وهناك تحديات كبيرة تواجه هذه المدارس، حيث يتجه بعضها نحو الأهداف التجارية بدلاً من التركيز على تقديم تعليم عالي الجودة، ومعظم هذه المدارس بعيدة عن تلبية الشروط الأساسية للتعليم وتفتقر إلى المرافق والمختبرات وبرامج تدريس اللغات.
ما نسبة المتسربين من التعليم بسبب الحرب؟ وما خطط الوزارة في إعادتهم؟
– في السنوات الثلاث الأخيرة، شهد القطاع التعليمي في اليمن تدهورًا كبيرًا حيث ارتفعت نسبة الأمية في الأرياف لتتخطى 70%، وتم تسجيل أكثر من مليوني طالب كمتسربين من المدارس في مختلف مراحل التعليم، وأدى هذا الوضع إلى بلوغ العدد الإجمالي للطلاب المتسربين والمتضررين من الحرب إلى أكثر من 6 ملايين طالب.
تحول بوصلة المدارس الخاصة نحو الأهداف التجارية
وتسعى الوزارة من خلال الجهود المشتركة بين الحكومة والمنظمات الدولية والمحلية إلى تحسين الوصول إلى التعليم وتقليل نسبة التسرب في المستقبل، حيث تعمل جاهدة على تطوير خطط وبرامج لإعادة هؤلاء الأطفال إلى المدارس؛ بإعادة بناء المدارس المتضررة، وتوفير دورات تعليمية خاصة للطلاب المتسربين، وتقديم دعم نفسي واجتماعي لمساعدتهم على التأقلم مع الصعوبات التي واجهوها خلال النزاع.
كيف ترى مستقبل التعليم في اليمن في ظل الظروف الحالية؟
– مستقبل التعليم في اليمن يبدو مأساويًا ومعقدًا في ظل الظروف الحالية التي تتسم بالحروب والنزاعات المستمرة، ولضمان مستقبل أفضل يجب اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة، منها:
1- التركيز على إعادة بناء البنية التحتية للمدارس المتضررة وتوفير المواد الدراسية والأدوات التعليمية الأساسية.
2- توفير التدريب والتأهيل المستمر للمعلمين وزيادة الحوافز لجذب المزيد من المعلمين إلى المدارس.
3- تشجيع التعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية لتقديم دعم مالي وتقني للقطاع التعليمي.
4- تنفيذ برامج تعليمية تركز على تنمية المهارات والقيم الدينية والتقاليد الأخلاقية للطلاب.
5- تعزيز دور أولياء الأمور ومجالس الآباء في دعم العملية التعليمية.
6- تحسين الوعي بأهمية التعليم والمواطنة الصالحة في المجتمع اليمني.
7- توقف الحرب الأهلية في اليمن يعد السبيل الأمثل لتحسين الوضع التعليمي، فالحروب والنزاعات تلحق أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية وتشتت الموارد التي يمكن توجيهها نحو التعليم.
8- تواجد المنظمات المانحة بصورة دائمة في العاصمة المؤقتة عدن، وتعزيز الشراكة والتعاون بين الحكومة والمنظمات المانحة وتأهيل الكادر التربوي، وأيضًا المزيد من التعاون مع شركاء اليمن من الدول والمنظمات المانحة لتعزيز وتطوير التعليم بجوانبه المختلفة، فنأمل في مساهمة الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لدعم طباعة الكتاب المدرسي، وغيرها من الأعمال المساندة لجهود الحكومة في الجانب التعليمي.