السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذي الفاضل، أكتب إليكم بعد أن سخر مني الجميع، حيث لا يعتبرون ما أشتكي منه ذا قيمة، وإنني لا أحمد الله –أعوذ بالله أن أكون كذلك، فلله الحمد دائماً وأبداً– وأن شكواي مجرد «دلع».
بداية، نشأت بين أربعة إخوة، وكنت بينهم الصغرى، حيث كان بيني وبين أصغر إخوتي حوالي عشر سنوات، كانت لي غرفتي الخاصة من طفولتي، وكان من نهج والديَّ رحمهما الله احترام وتقدير خصوصيتنا بصفة عامة، وكنت أنا أتمتع بخصوصية، خاصة لكوني بنتاً بين الذكور، غرف إخوتي كانت مشاعاً بينهم إلا غرفتي، حتى أمي عودتني على أن تطرق باب حجرتي قبل الدخول عليّ، كذلك لم يكن من بين أقاربنا بنات في سني ولا حتى بين جيراننا، فتعودت على أن ألاعب نفسي وآنس بذاتي، دخلت المدرسة وكان لي صديقات، ورغم سعادتي بهن فإنني في عطلة نهاية الأسبوع كنت أسعد باللعب بمفردي في غرفتي، حتى بعدما كبرت كانت القراءة في غرفتي الخاصة متعتي المفضلة.
بعد تخرجي تقدم لي صديق أخي، وكان يتمتع بميزات جيدة فحاز القبول، في خلال فترة الخطبة بهرني بشخصيته المنفتحة المرحة وكم أصدقائه وعائلته الخلوقة، كان لوالده منزل كبير كلهم يعيشون به، ولكل منهم شقته المستقلة، رغم كمية الحب والتقدير التي كنت ألقاها من أهل زوجي خلال فترة الخطبة، فإنني عبرت له عن رغبتي في أن يكون لنا بيتنا المستقل، فقال: ستكون لنا شقتنا الخاصة، لم أصر على طلبي؛ لأنه استطرد قائلاً: رغم أنني متأكد أنك ستحبين أهلي ولن تجدي ما يؤذيك منهم، فإنه إذا حدثت خلافات فأوعدك أننا سنستقل.
تزوجنا، وأود أن أوضح أنه، ولله الحمد، رغم مرور ما يقرب من سنة على زواجي، فإن أهل زوجي، جزاهم الله خيراً، قمة الخلق، ولم يحدث تقريباً خلافات من التي للأسف تدمي القلب للزوجات اللائي يعشن مع أهل أزواجهن، المشكلة في نمط حياتهم، فتقريباً كلنا نعيش معاً في شقة والديهم، ولا نذهب لشقتنا عادة إلا للنوم، والد زوجي في العقد الثامن من عمره مثقف وحديثه شيق ما بين العظة الدينية وحِكَم الحياة، أما والدته فهي طيبة جداً وبسيطة ونوادرها لا تنتهي، لا نتناول معاً إلا وجبة الإفطار فقط -إذا كان لدينا وقت- وبعد عودتنا من العمل نعود على شقة العائلة لتناول الغداء جميعاً، ونظل حتى الليل ونذهب لشقتنا للنوم.
عبرت لزوجي عن رغبتي في الاستقلال في شقتي، سألني: هل أحد أساء إليك؟ أجبته بالنفي، إذن لماذا تريدين عمل مشكلات؟!
في النهاية، اتفقنا على أن نستشيركم، وها أنا أكتب إليكم بصحبة زوجي، نتمنى أن نجد لديكم حلاً لمشكلتي، حيث لا يرى زوجي أن هناك مشكلة على الإطلاق.
أستاذي الكريم، هل من حقي أن يكون لي بيت أشعر فيه بكامل حريتي، حيث إن زوجي لا يراني بدون حجاب إلا طبعاً في شقتنا، معذرة أقصد في الشقة الفندقية التي نستخدمها للنوم فقط، أم أنني في نِعَم وما أطلبه بطر؟
التحليل
بداية، تحية تقدير لك على صدق إشادتك بأهل زوجك الكرام، وتحية إجلال لهم على حسن أخلاقهم وتعاملهم معك، كم سعدت حقاً بعودة المشاعر الطيبة بين الزوج وأهل زوجه؛ لأن ديننا دين خلق وتعامل، فمن واجب الزوج أن يجلّ أهل زوجه كما أيضاً على أهل الزوج الترحاب بضيف العائلة الجديد.
إن للزواج مقاصد شرعية جمة، وحتى يستطيع الزوجان القيام بواجبات الزيجة، فلا بد من أن يشعرا بالسكينة، يقول المولى عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، فالسكينة من أهم متطلبات المودة والرحمة، ورغم أن السكينة حالة نفسية يشعر فيها الزوج بالأنس والاطمئنان لزوجه ومعيته، فإنها ببيئة مكانية توفر للزوجين الستر والخصوصية، بحيث يشعر كل زوج بانفراده بزوجه واهتمامه به، فتأنس النفس وتسكن في معية زوجها، كما أن للتبادل العاطفي الأثر الجم في التوفيق بين الزوجين والتأليف بين قلبيهما، ولكنه يحتاج إلى محفزات، ولعل أهمها خلوة الزوجين ببعضهما.
إن النمو العاطفي للزوجين يحتاج وقتاً ورعاية مستمرة، وإن لم يحرص كل زوج على رعاية زوجه عاطفياً وبث مشاعره من خلال النظرة والكلمة واللمسة والقبلة؛ فسيؤثر ذلك حتماً عليهما، وإن العلاقة الحميمية ليست بالأساس علاقة جسدية، بل إنها تطور تلقائي للتفاعل العاطفي -وهي إحدى أدوات التواصل العاطفي بين الزوجين- فإن لم تتوفر الخصوصية اللازمة للتفاعل العاطفي نتيجة الحرج للمعيشة مع الأهل، فإن بالتبعية تتأثر العلاقة الحميمية، وإن الحياة مع الأهل بصورة كاملة ومستديمة تحرم الزوجين من كثير من التواصل العاطفي بينهما؛ وبالتالي فإنها تؤثر سلباً على مدى التوافق بينهما وقدرتهما على بناء بيت تسوده المودة والرحمة.
كما أنه مع الأخذ في الاعتبار بالضوابط الشرعية لتواجد الإخوة والأخوات مع زوجاتهم وأزواجهن، إلا أنه يفتح أبواباً للشيطان سواء للمقارنة، أو نعوذ بالله للضعف البشري، بالإضافة إلى عبء الالتزام الشرعي في الحديث أو السلوك، ناهيك عن الزي الشرعي للسيدات.
هناك احتياج نفسي للزوجة عادة لا يستشعره الزوج، وهو أن الزوجة تعتبر بيتها هو مملكتها، وتحلم منذ نعومة أظفارها ببيتها، ولعل كثيراً من الفتيات يكون الحلم بالبيت هو الدافع الرئيس للزواج.
الحل المقترح
ابنتي، عليك أن تسجدي لله حمداً على هذه الزيجة الموفقة بفضل الله، وأهل زوجك الكرام، جزاهم الله خيراً.
الدنيا دار ابتلاء واختبار، والجزاء الطيب من الله تعالى في الجنة -جمعنا الله وإياكم والمسلمين مع الحبيب صلى الله عليه وسلم– لذا فليس هناك نعمة خالصة، بل علينا أن نحمد على كل عطاياه، ونصبر صبراً جميلاً.
أنت دخلت على أسرة طيبة مترابطة، ودون الإخلال بأهمية الخصوصية يجب المحافظة على التقليد الطيب في اجتماع أفراد العائلة الكبيرة على الغداء والتواد الطيب المبارك بين أفرادها، لذا أقترح ما يلي:
أن تعتذرا عن عطلة الأسبوع بأي سبب وجيه من الوالدين.
أما خلال الأسبوع، فيمكن لكما الاستئذان بالتدرج بحيث تتناولان الغداء مع العائلة نصف أيام الأسبوع تقريباً، مع قضاء حوالي من ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً مع العائلة.
المهم أن يتم ذلك بصورة مرضية، ودون أن يشعر أحد أن هناك تغييراً في نمط حياة العائلة.
كما أنه عليك أن تستغلي الوقت المتاح لكما معاً بأفضل طريقة ممكنة لتعبري لزوجك عن قيمة الخلوة بينكما، سواء من حيث ما ترتدينه من ثياب أو ما تعبرين به من ألفاظ..
واحرصي كل الحرص على أن تعوضي قلة وجودك مع العائلة بحسن التواصل معهم، خاصة والديَّ زوجك الكريمين، وامحي أي شك عن رغبتك في الاستقلال.