من الزوايا الواجب النظر إليها بتفحص في ضوء العدوان الصهيوني الأورو – أمريكي على غزة 2023 ما يتعلق برد الفعل العالمي والإنساني الذي يصفه البعض بأنه غير مسبوق، سواء في تاريخ الفعل الاحتجاجي في مساحته الجغرافية أو التاريخية، أو فيما يتعلق بالموقف العام من القضية الفلسطينية، ففي كل هذه الحالات وصف هذا الفعل الاحتجاجي بأنه غير مسبوق في ذاته وفي موقفه وموضوعه ومساحته وزمانه، الذي يمكن القول معه بدون مبالغة: إنه يمثل حالة من التطور النوعي في الاستجابة للقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطيني التاريخية والإنسانية.
إن الفعل الاحتجاجي المقصود يتمثل في إظهار المعارضة للعدوان على غزة منذ عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وظهر هذا السلوك في صور شتى، وهو ما يمكن أن نرمز له بخاصية التنوع، فالمواقف الجزئية التي سوف نرصد جانباً منها، تظهر أنه -الفعل الاحتجاجي- غطى مساحات متنوعة من رد الفعل على جرائم الاحتلال الصهيوني ضد المدنيين في غزة لا سيما الأطفال والنساء والشيوخ.
من صور الفعل الاحتجاجي ضد العدوان على غزة
1- الفعل الشعبي: من صور الفعل الاحتجاجي المناهض لجرائم جيش الاحتلال بين التظاهرات المليونية في القارة الأوروبية وفي أكثر البلاد تأييدًا ومشاركة في بريطانيا عبر تاريخها، حيث عرفت بمظاهرات السبت، فخرج الشعب البريطاني في تظاهرات ثابتة ومنظمة مسبقة ومعلن عنها في شوارع لندن منذ أول سبت للعدوان (14 أكتوبر 2023م)، بدأت التظاهرات بعدة مئات من الألوف البشرية ووصلت في ذروتها إلى ما يقارب المليون (28 أكتوبر) على الرغم من تحذيرات الشرطة وتهديداتها المستمرة، وقد أدى هذا الضغط الشعبي الكبير إلى إقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان؛ بسبب وصفها للمسيرات المؤيدة للفلسطينيين بأنها «مسيرات كراهية»؛ وهو ما اعتبره رئيس الوزراء البريطاني -المشارك في الحرب ضد الفلسطينيين- بأنه يعمق الخلاف بين الحكومة وغالبية الشعب المؤيد للفلسطينيين في هذه التظاهرات.
إن تظاهرات لندن مثلت أيقونة الرأي العام الأوروبي الذي بدأ عند ميدان «بج بن» وأمام رئاسة الوزراء والسفارة «الإسرائيلية»، وامتدت إلى باريس وبرلين وكوبنهاجن وغيرها من العواصم الأوروبية وما زالت مستمرة حتى اللحظة.
كذلك أيضًا تميز الفعل الاحتجاجي الشعبي في الولايات المتحدة الأمريكية بأنه جاء مناهضًا تمامًا لموقف الحكومة الأمريكية بقيادة جو بايدن الذي أعلن تأييده منذ اللحظة الأولى لـ«إسرائيل» في عدوانها على غزة، وأعلن المشاركة العسكرية بالتسليح والقيادات الاستخبارية الأمريكية في غرفة عمليات الحرب في «إسرائيل»، وتحريك البوارج إلى شرق البحر المتوسط، حيث واجه ذلك معارضات كبيرة من الشارع الأمريكي تمثلت في خروج تظاهرات منظمة في كثير من الولايات الأمريكية بدأت منذ الأسبوع الأول من العدوان في نيويورك ونيوجيرسي وبنسلفانيا وسان فرانسيسكو وشيكاغو، وطالبت هذه التظاهرات بوقف الدعم لـ«إسرائيل» ووقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية لسكان غزة، ورفعت لافتات مكتوب عليها هذه المطالبات رغم تحذير الشرطة الأمريكية للمتظاهرين بتوجيه تهمة معاداة السامية.
وقد اعتقل على إثر هذه التظاهرات ما لا يقل عن 300 شخص خلال مظاهرة ضد الصراع بين «إسرائيل» و«حماس» بالقرب من مبنى الكابيتول في واشنطن، وكان المتظاهرون، وهم من مجموعتين يهوديتين يساريتين، يطالبون الولايات المتحدة بوقف حملة القصف ضد غزة في أعقاب هجوم «حماس» الأخير في «إسرائيل».
وفي أمريكا اللاتينية شهدت دول فنزويلا والمكسيك وبيرو مظاهرات عديدة للتنديد بالعدوان «الإسرائيلي» على غزة ومساندة الفلسطينيين في حقوقهم المشروعة في تقرير المصير.
2- الفعل الدبلوماسي: ومن مواقف الفعل الدبلوماسي الاحتجاجي استقالة بعض موظفي الخارجية الأمريكية احتجاجاً على دعم بايدن لـ«إسرائيل»، حيث أعلن جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية، استقالته الأسبوع الماضي؛ بسبب «الخلاف حول السياسة المتعلقة بمساعدتنا الفتاكة المستمرة لإسرائيل»، وقول بعض موظفي الخارجية الأمريكية: إنهم يشعرون كما لو أن بلينكن وفريقه غير مهتمين بنصيحة خبرائهم، بينما يركزون على دعم العملية «الإسرائيلية» الموسعة في غزة، وقال أحد المسؤولين بالخارجية الأمريكية: هناك تمرد يختمر داخل «الخارجية» على عدة مستويات.
وفي حديث لموقع «سكاي نيوز عربية»، قال بول: إن أسباب قراره يأتي في نص رسالة استقالته، التي تتحدث عن نفسها، وعن ردود الفعل إزاء هذا القرار، أضاف: لقد غمرتني رسائل الدعم لموقفي، بما في ذلك من الأفراد على جميع مستويات الحكومة الأمريكية، هذا يعطيني الأمل في أننا نقترب من كتلة حرجة داخل الولايات المتحدة ستؤدي بمرور الوقت إلى تحول في نهجنا الحالي تجاه الصراع الراهن.
وتعليقًا على ذلك، بعث بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، برسالة إلى جميع موظفي وزارته، يعترف فيها بـ«الأثر العاطفي» الذي خلفته الحرب بين «إسرائيل» و«حماس» على الدبلوماسيين الأمريكيين، وذلك وسط تقارير تتناول انشقاقاً داخلياً حول تعامل واشنطن مع الصراع، وفقاً لتقارير أمريكية.
كما أعلن مدير المفوضية السامية لحقوق الإنسان (مكتب نيويورك) كريغ مخيبر استقالته اعتراضًا على تعامل الهيئات الأممية للعدوان على غزة، مشددًا على ضرورة تحمل المنظمة لمسؤولياتها تجاه الجرائم في غزة، واصفًا ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، وأن المنظمة الأممية استسلمت للولايات المتحدة الأمريكية واللوبي «الإسرائيلي».
وفي موقف دبلوماسي أوروبي فريد من نوعه، دعت نائبة رئيس الوزراء في بلجيكا بيترا دي سوتر، دعت إلى فرض عقوبات على «إسرائيل» بسبب تصرفاتها في قطاع غزة، وقالت: لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يقتل الأطفال كل يوم في غزة، ودعت المسؤولة البلجيكية إلى التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و«إسرائيل»، وشددت دي سوتر، على ضرورة فرض حظر على استيراد منتجات المستوطنات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأضافت أنه يجب التحقيق في قصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين في القطاع الفلسطيني.
وأكدت ضرورة منع المستوطنين «الإسرائيليين» العدوانيين والسياسيين والعسكريين المذنبين بارتكاب جرائم حرب من دخول بلجيكا.
أما في بريطانيا، تمت إقالة مساعد وزاري بريطاني من منصبه بسبب مطالبته بوقف القصف على غزة (31/ 10/ 2023م)، وقالت الحكومة البريطانية: إنها أقالت المساعد الوزاري بول بريستو من منصبه بسبب مطالبته رئيس الوزراء ريشي سوناك بالضغط الدولي من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة، وعمل بريستو، وهو نائب بالبرلمان البريطاني عن حزب المحافظين لمنطقة بيتربره، سكرتيرًا برلمانيًا خاصًا لميشيل دونيلان، وكان بريستو قد كتب خطابًا لسوناك الأسبوع الماضي، قال فيه: إن وقف دائم لإطلاق النار في غزة سينقذ الأرواح ويسمح بإدخال المساعدات لمن يحتاجونها داخل القطاع.
وفي 24 نوفمبر 2023م، تقطع بلدية برشلونة في إسبانيا علاقتها المؤسسية مع «إسرائيل»، وتبرر ذلك بضرورة وقف إطلاق النار وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
كما مثل الموقف اللافت لدولة جنوب أفريقيا منحى جديدًا في الدبلوماسية الأفريقية تجاه القضية الفلسطينية، حيث سحبت البعثة الدبلوماسية في «إسرائيل» اعتراضًا على العدوان على غزة والعمليات العسكرية، وفي 21 نوفمبر 2023م صوت برمان جنوب أفريقيا بالإجماع على غلق السفارة «الإسرائيلية» في البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية، احتجاجًا على تصعيد الأوضاع في غزة، ووصفت جنوب أفريقيا ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، ولم تكتف جنوب أفريقيا بذلك، بل قامت بتقديم شكوى في المحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها «إسرائيل» في قطاع غزة.
أبدت كذلك بعض دول أمريكا اللاتينية مواقف تتجاوز التعاطف اللفظي مع الفلسطينيين إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، فعلت ذلك كولومبيا وتشيلي حيث استدعاء السفراء للتشاور، وبوليفيا قطعت علاقات دبلوماسية، وقال نائب وزير الخارجية البوليفي، فريدي ماماني، في مؤتمر صحفي: قررت بوليفيا قطع العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل»، مضيفاً أنّ بوليفيا تدين الأعمال العدوانية «الإسرائيلية» في قطاع غزة، وتعتبرها تهديداً للسلام والاستقرار الدوليين، ودعت دول أخرى في أمريكا اللاتينية، من بينها البرازيل والمكسيك، إلى وقف إطلاق النار، وقال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: إنّ ما يحدث الآن هو جنون من رئيس وزراء «إسرائيل» الذي يريد محو قطاع غزة.