وما أن التقطت الأنفاس بعد عاصفة الانتخابات البرلمانية لبريطانيا العظمى التي يعرف الجميع ثقلها في أوروبا خاصة والعالم عامة، إلا وبدأت الجولة الحقيقية لإثبات موجودية وفاعلية كل مرشح قد خاض حرباً أو شئت قل عرس الانتخابات الأخيرة لهذا العام (2024م).
وللأسف كما نحا البعض من الأحزاب منحى غير نزيه في محاولة ذر الرماد في العيون، فهو ما زال على نفس المنوال أو أسوأ في محاربة خصمه أو من فاز بعدد أصوات أعلى ومقعد تحت قبة البرلمان حتى بعد ظهور النتائج وما نظن أنه هدوء لتلك العاصفة.
ومن أهم النقاط التي أدت دوراً كبيراً في إنجاح أو هزيمة المرشحين بالذات في هذا العام ظلال حرب غزة التي لم يستطع أي مرشح مهما كان دينه أو انتماؤه أو مذهبه أن يتغافل عنها أو لا يعيرها اهتمامه، هذا بلا شك بالإضافة إلى سلسلة من الاهتمامات والإصلاحات التي كان لا بد من أخذها بعين الاعتبار لمصلحة بريطانيا ومحاولة النهوض باقتصادها الذي يشتكي الكثير منه خلال العقد الأخير.
مما جعل البعض يكرس برنامجه وجهده حول قضية غزة التي لا بد منها، ولكن في الوقت نفسه كان الناخب حتى من كان مسلماً عربياً يتطلع لأجندة حقيقية لإصلاح وسد الثغرات الكثيرة التي أصبحت في حياة أي مواطن بريطاني!
وهذا مما فات على البعض وربما قد أغفلوا التركيز عليه.
ومنذ عشرات السنين ونحن نعيش في بريطانيا، لم تحظَ الانتخابات البريطانية البرلمانية بهذا الكم من الوعي والمشاركة والتحضير المسبق لعرب بريطانيا ومسلميها.
والعمل المكثف من خلال لجان وتطبيقات إلكترونية ومنصات مجتمعية حاولت إفهام مسلمي بريطانيا عربهم وعجمهم بأهمية مشاركتهم في عملية الانتخابات، وأنهم معنيون بدرجة كبيرة بتقرير مصير بريطانيا التي ينظر إليها العالم بشكل عام بأهمية كبرى، كما لا نغفل دورها الكبير في استقرار فلسطين وغزة على وجه الخصوص أو عكس ذلك.
وحتى وإن لم تفز بعض الشخصيات التي دعمتهم الحملة المتميزة التي كانت في هذا العام التي أطلقت بمبادرة مفكرين وإعلاميين وساسة مسلمين سميت بحملة «الصوت المسلم»، ولكنها حققت وعياً كبيراً، وكذلك أجابت عن تساؤلات الكثيرين.
وهي مبادرة لأول مرة تحصل بهذا الزخم والعمل الدؤوب الذي أحدث نقلة نوعية في تحديات الفرد والأسرة العربية المسلمة المعاصرة المهاجرة في الغرب، ومعرفة الانتماء الإيجابي الحقيقي لدولة المهجر التي سوف ينبني عليها عمل حقيقي وتخطيط إستراتيجي للسنوات القادمة، التي من المؤكد سيستمر العمل على مواصلة هذا الجهد المبارك وعدم قطعه باعتبار أن الجميع أدرك حجم ثقل الجالية العربية والمسلمة في بريطانيا، ومدى تأثيرها على فوز أو خسارة الكثير من النواب الذين نطمح أن يوصلوا أصواتنا وآراءنا لمستقبل أفضل لبريطانيا بغض النظر عن كونهم مسلمين أو غير مسلمين.
وقد يستغرب البعض ذلك، وهذا ما حاولنا إيصاله للشارع العربي والمسلم على السواء، أننا نسعى لدعم كل من يشترك معنا في أيديولوجيتنا، وأن يكون في مستوى قوي يستحق الدعم ويستطيع المنافسة في ذات الوقت.
وحتى وإن فاز حزب العمال المتصهين في غالبيته إلا ببعض استثناءات، فإن دعم وفوز وجوه وأسماء دعمتها حملة الصوت العربي المسلم هو نِتاج مبارك نستحق شكر أنفسنا وجاليتنا عليه، ومنه سنأخذ بعين الاعتبار الترتيبات الواجبة اللازمة لحقبة مناسبة قادمة، والأمم تتعلم من تجاربها وخبرتها وتُعِد العُدة الصحيحة حتى وإن كان لأعوام عديدة.
ولا شك أن لعبة السياسة تفاجئ الجميع ولا يُعلم بالضبط ماذا يجري تحت الطاولة، ولكن ما نعلمه يقيناً أن العمل والاجتهاد ومحاولة قراءة ما بين السطور وصدق الضمير والاعتماد قبل ذلك كله على الله تعالى في مصداقية نفع المجتمع والشعب هو ما يجب التطلع له والعمل عليه.
ولا ننسى قوله تعالى هنا: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلىٰ عٰلِمِ الغَيبِ وَالشَّهٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ) (التوبة: 105).