شكلت القيود التي تفرضها قوات الاحتلال أمام أبواب المسجد الأقصى وفي أزقة البلدة القديمة، التي تصاعدت منذ بداية العدوان على قطاع غزة، وانعكاسات هذه القيود على أعداد المصلين في المسجد الأقصى، وخاصة أيام الجمع وفي صلاة عيدي الفطر والأضحى.
ويُعدّ العدوان على المسجد خلال «الفصح» العبري، ويوم «توحيد القدس» أبرز تطورات النصف الأول من عام 2024م، بالتوازي مع استمرار عدوان قوات الاحتلال على مكونات «الأقصى» البشرية، من مصلين ومرابطين، وقد تصاعدت محاولات المنظمات المتطرفة فرض الوجود اليهودي داخل «الأقصى»، من خلال اقتحامات المسجد الحاشدة، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية، وإدخال أدوات هذه الطقوس في إعلانٍ صريح عن نيات المنظمات المتطرفة في تعزيز حضور هذه الطقوس داخل المسجد.
أعداد كبيرة من المقتحمين تُنذر بأخطار متصاعدة
بلغ عدد مقتحمي المسجد الأقصى في النصف الأول من عام 2024م نحو 24806 من المستوطنين والطلاب اليهود وعناصر الاحتلال الأمنية، وذلك اعتمادًا على المصادر الفلسطينيّة، وفي النقاط الآتية نورد اقتحامات «الأقصى» شهريًا، وما تزامن معها من مناسباتٍ وأعيادٍ يهوديّة:
– في يناير 2024م اقتحم «الأقصى» 3296 مستوطنًا، من بينهم عددٌ من الطلاب.
– في فبراير 2024م اقتحم «الأقصى» 3112 مستوطنًا، من بينهم عناصر أمنية.
– في مارس 2024م اقتحم «الأقصى» 3262 مستوطنًا، من بينهم 330 مستوطنًا اقتحموا في عيد «المساخر».
– في أبريل 2024م اقتحم «الأقصى» 5670 مستوطنًا، من بينهم 4340 مستوطنًا اقتحموا في «الفصح» العبري.
– في مايو 2024م اقتحم «الأقصى» 4276 من بينهم 526 مستوطناً بالتزامن مع ما يسمى «عيد الاستقلال».
– في يونيو 2024م اقتحم «الأقصى» 5190 مستوطنًا، من بينهم نحو 1600 مستوطن في اقتحموا «يوم توحيد القدس».
عدوان الفصح يتصاعد عامًا بعد آخر
شهد النصف الأول من العام 2024م جملةً من مواسم اقتحامات «الأقصى»، وشكل عيد «الفصح» العبري أبرز مواسم الاعتداء على «الأقصى» في الأشهر الماضية، ففي العام الثالث على التوالي أعلنت منظمات الاحتلال المتطرفة عن برنامج للمكافآت، لمن يستطيع إدخال قرابين «الفصح» إلى «الأقصى»، ففي 19/ 4/ 2024 أعلنت منظمة «عائدون إلى جبل المعبد» عن برنامج مكافآت لمن يستطيع إدخال قرابين «الفصح» إلى «الأقصى»، وصلت إلى 50 ألف شيكل (نحو 13 ألف دولار أمريكي)، إضافةً إلى مكافآت أخرى لمن يستطيع التقاط صورة «القربان» أو يشارك فيه، تراوحت ما بين 200 شيكل (نحو 30 دولاراً)، و2500 شيكل (نحو 660 دولاراً).
وقد اقتحم المسجد الأقصى في أيام الفصح ما بين 23 – 29/ 4/ 2024م نحو 4340 مستوطنًا، وسجل هذا العام زيادة بنسبة 26%، مقارنة مع عدد مقتحمي «الأقصى» خلال أيام «الفصح» العبري في عام 2023م، الذي شهد اقتحام 3430 مقتحمًا.
وتابعت أذرع الاحتلال الاستفادة من أي أعيادٍ لتدنيس «الأقصى»، ففي 22/ 5/ 2024م اقتحم المسجد 431 مستوطنًا، من بينهم عددٌ من الطلاب اليهود، بالتزامن مع ما يُسمى بـ«عيد الفصح الصغير»، وشارك في هذا الاقتحام وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، وخلال الاقتحام سجل بن غفير رسالة مصورة قال فيها: «علينا السيطرة على هذا المكان الأكثر أهمية على الإطلاق»، وبحسب مصادر مقدسية فهو الاقتحام الرابع لبن غفير، منذ توليه منصبه في حكومة الاحتلال، والأول منذ بداية معركة «طوفان الأقصى».
اقتحامات حاشدة في مناسبات الاحتلال «الوطنية»
رسخت أذرع الاحتلال هذه المناسبات مواسم لتدنيس «الأقصى»، ورفع أعداد المقتحمين، ففي 14/ 5/ 2024م وتزامنًا مع ما يُسمى «عيد الاستقلال»، اقتحم «الأقصى» 526 مستوطنًا، وارتدى عددٌ منهم علم الاحتلال، وبحسب مصادر فلسطينية فقد رُفع علم الاحتلال 4 مرات خلال فترتي الاقتحام، وأدى المقتحمون طقوسًا يهوديّة علنية في الجهة الشرقية من «الأقصى»، إضافًة إلى أداء نشيد «الهاتيكفاه» أثناء خروجهم من باب السلسلة، وفرضت قوات الاحتلال تضييقات على الفلسطينيين في هذا اليوم، فقد أغلقت قوات الاحتلال عددًا من أبواب البلدة القديمة، واعتدت بالضرب على عدد من الشبان في محيط البلدة القديمة وأمام أبوابها.
وتُعدّ ذكرى «توحيد القدس» بالتقويم العبريّ من أبرز المناسبات التي تستخدمها أذرع الاحتلال لتنفيذ جملة من الاعتداءات بحق القدس و«الأقصى»، وتلبية لدعوات المنظمات المتطرفة، ففي 5/ 6/ 2024م اقتحم «الأقصى» نحو 1601 مستوطن، ورفع المقتحمون أعلام الاحتلال في المسجد، وأدوا صلوات توراتية جماعية في ساحات الأقصى الشرقية، من بينها «السجود الملحمي» الكامل، وفي إطار محاولات نقل الطقوس التوراتية إلى «الأقصى»، وشهد هذا الاقتحام مشاركة الحاخام المتطرف ميخائيل فواه، الذي اقتحم «الأقصى» مرتديًا تميمة «التيفلين» وملابس الصلاة الدينية، ومن ثمّ أدى صلاة «شما»، وقدّم درسًا وجولة إرشادية في المسجد رافقه خلالها عضو «الكنيست» السابق موشيه فيجلين.
وشهد هذا اليوم تنظيم المستوطنين «مسيرة الأعلام» الاستيطانية السنوية، التي شارك فيها آلاف المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، ووصل المستوطنون من الشطر الغربي إلى ساحة باب العمود، ومن ثمّ توجهوا إلى البلدة القديمة من باب الساهرة، رافعين أعلام الاحتلال، مطلقين شتائم بحق المقدسات والمقدسيين والعربي، واعتدوا على الأهالي وعلى الصحفيين، وظهر عدد منهم يحملون السلاح.
تصاعد في العدوان وتدرّج في التخطيط
كشفت اعتداءات الاحتلال في الأشهر الستة الأولى من عام 2024م، عن محاولات مكثفة من قبل الاحتلال لرفع حجم حضورها في «الأقصى» من جهة، وتعزيز سيطرتها على المسجد من جهة أخرى، ففي 17/ 4/ 2024م كشفت وسائل إعلام عبرية بأن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير أدرج في خطط وزارته قضية «تغيير الوضع القائم في الأقصى»، وبحسب مخطط الوزارة ستعمل على إدخال المزيد من الأدوات التكنولوجية في محيط «الأقصى»، ووضعها تحت تصرف شرطة الاحتلال، ومن أبرز أهداف وزارة الأمن القومي في عام 2024م، أبرزها: «تعزيز الحكم الإسرائيلي في المسجد الأقصى، وتوفير الحقوق الأساسية ومنع التمييز والعنصرية في المسجد».
ولم يكن مخطط بن غفير الوحيد، فمع نهاية مايو الماضي كشفت مصادر مقدسية بأن سلطات الاحتلال مددت أوقات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى نحو 15 دقيقة يوميًا، ما يعني أنها أضافت 6 ساعات خلال الأسبوع، وتأتي هذه الخطوة على أثر مطالبات منظمات الاحتلال المتطرفة بفتح أبواب «الأقصى» أمام الاقتحامات طيلة اليوم، بديلًا عن أوقات الاقتحام الحالية.
أما من جهة الاعتداءات المباشرة التي تؤشر إلى تصاعد تنفيذ إستراتيجيّة الإحلال الديني في «الأقصى»، فقد شهدت اقتحامات «الأقصى» المركزية تصاعدًا في أداء الطقوس اليهوديّة العلنية، التي أديت بشكلٍ جماعي وبحماية عناصر الاحتلال الأمنة، وشهدت الأشهر الماضية تطورات خطيرة، من حيث إدخال المزيد من الأدوات التي تستخدم في هذه الطقوس، ومن أبرز تلك التطورات:
– خلال اقتحامات المستوطنين في الذكرى العبرية لاحتلال الشطر الشرقي للقدس، أدخل أحد المقتحمين لفائف الصلاة «التيفلين» إلى «الأقصى»، والذي أدخلها هو الحاخام ميخائيل فواه، العضو في منظمة «عائدون إلى جبل المعبد»، خلال اقتحامه لـ«الأقصى»، وشهد هذا الاقتحام أكبر أداء جماعي لطقس «السجود الملحمي».
– في 12/ 6/ 2024م اقتحم «الأقصى» 668 مستوطنًا، استجابة لدعوات المنظمات المتطرفة اقتحام «الأقصى» فيما يسمى عيد «نزول التوراة»، وأدى المقتحمون طقوسًا تلموديّة علنية في ساحات «الأقصى»، وارتدى أحد المقتحمين شال «طاليت»؛ وهو رداء قماشي يرتديه اليهود أثناء الصلاة، ويعدّ من أدوات الصلاة التوراتية.
وبحسب متابعين لشؤون القدس، فإن تصاعد إدخال الأدوات والألبسة إلى «الأقصى» يشير إلى التحضير لموجة جديدة من الطقوس التي ستؤدى في «الأقصى»، وإن لم تتغير في نوع هذه الطقوس، إلا أنها ستتجه إلى أدائها بشكلها التام، باستخدام الأدوات التلموديّة كافة؛ وهو ما يعني أن محاولات أذرع الاحتلال فرض الطقوس اليهوديّة العلنية في «الأقصى»، ستتصاعد في الأشهر القادمة.
خنق الأعياد الإسلامية في «الأقصى»
شكلت القيود أمام أبواب المسجد بالتزامن مع الأعياد الإسلامية أنموذجًا لمحاولات الاحتلال التضييق على الوجود الإسلامي عامة، ففي 15/ 6/ 2024م وتزامنًا مع توافد المصلين إلى «الأقصى» لإعماره في يوم عرفة، شددت قوات الاحتلال إجراءاتها أمام أبواب «الأقصى»، ومنعت الشبان من الدخول، وشهد هذا اليوم تجول مركبة شرطة الاحتلال الكهربائية في ساحات المسجد، وهي ترفع علمًا كبيرًا للاحتلال.
وفي 16/ 6/ 2024م بالتزامن مع اليوم الأول من عيد الأضحى فرضت قوات الاحتلال إجراءات مشددة أمام أبواب المسجد، وفي أزقة البلدة القديمة، وبحسب مصادر مقدسية بدأت هذه الإجراءات قبيل الفجر، ومنعت شرطة الاحتلال الشبان من الدخول إلى المسجد، ولم تسمح إلا لأعداد قليلة من المصلين بالوصول إلى المسجد، وأدى صلاة العيد في الأقصى نحو 40 ألف مصلٍّ، وأدت إجراءات الاحتلال إلى تراجع أعداد المصلين بشكلٍ كبير، فقد كان عدد المصلين يتجاوز في الأعياد الماضية 200 ألف مصلٍّ.