يعبر الكثير من أولياء الأمور عن مخاوفهم من الأفكار التي قد تتسرب إلى أبنائهم التي يكون لها تأثير على إيمانهم وبالتالي حياتهم ومستقبلهم، خاصة مع التطور التكنولوجي الهائل الذي سهل التسلل إلى عقول الأطفال والشباب بطرق غير مباشرة، ليغرس فيهم أفكاراً علمانية وإلحادية دون التصريح بذلك.
ولذلك، بات الحديث عن حماية الشباب والأطفال من هذه الأفكار يحتل حيزاً كبيراً من النقاشات العامة، وازدادت التساؤلات حول دور الأسرة كحصن منيع في حماية أبنائها أمام هذه الأفكار والمخططات الهدامة.
وينطلق مروجو تلك الأفكار من فكرة النقد المطلق لكل شيء تحت مسمى الحرية الكاملة بلا قيود، وإثارة الشبهات وتسهيل المحرمات وإثارة الشهوات وتجميل المحرمات.
وبحسب خبراء تحدثوا إلى «المجتمع»، فإن الأسرة تمارس دوراً مركزياً في حماية أبنائها من الغزو الإلحادي، مشيرين إلى ضرورة أن يتجهز أولياء الأمور بالعلم والثقافة والاطلاع حتى يستطيعوا الرد على أسئلة أبنائهم، وألا يتعاملوا مع تساؤلات أطفالهم بعنف، وإنما باحتواء.
الإلحاد يتسلل من خلال وجود حالة خواء ديني ومعرفي لدى المتلقي
وتلفت دراسة عن الدور التربوي الوقائي في حياة الأسرة المسلمة لحماية الطفل من فكر الإلحاد، والمنشورة في مجلة كلية التربية جامعة الأزهر، عام 2016م، إلى أن ظاهرة الإلحاد ليست مشكلة دولة أو دين أو نظام، وهي كذلك ليست نتاج أجواء الانفتاح الفكري والثقافي، وإنما هي في حقيقة الأمر مشكلة نفسية تتعلق في الأصل بوجود حالة خواء ديني ومعرفي تتراكم آثاره عبر السنين حتى تنتهي بصاحبه إلى الإلحاد.
أزمة الهوية
يشير علماء الاجتماع والتربية إلى عدة أسباب وراء انتشار ظاهرة الإلحاد في المجتمعات الإسلامية، ومنها أزمة الهوية لدى الشباب خاصة مع عدم وجود محاضن تربوية مقنعة، وانتشار الكتب والمواقع الإلكترونية التي تشكك في الثوابت، وتدعو إلى الإلحاد بشكل غير مباشر وبألفاظ منمقة.
تقول د. هدى إبراهيم، أستاذة التربية الأسرية بجامعة الأزهر: إن من أخطر العوامل المؤدية لتفشي ظاهرة الإلحاد هو سلوكيات بعض من يدَّعون التدين، سواء أفراد أو مؤسسات، وتشمل هذه السلوكيات أعمالاً قاسية وسفك الدماء، وانتهاك الحقوق، وقمع الحريات، أو حتى تمييع الدين وتشويهه لتبرير ممارسات مُغرضة.
بينما تشير إنجي سعيد، الخبيرة الأسرية، في حديثها مع «المجتمع» إلى أسباب أخرى من بينها غياب إبراز النماذج الإيجابية المتميزة بالعلم والعمل في وسائل الإعلام الرسمية، مؤكدة أن هذه الظاهرة تتفاقم مع ضعف برامج التوعية المقدمة من قِبل المؤسسات التعليمية، من مدارس ومعاهد وجامعات، وكذلك بطء استجابتها للمستجدات العالمية والتغيرات الاجتماعية.
أسرة إيمانية وقدوة حسنة ومحاضن تربوية أمور كفيلة بتحصين الأبناء
وإلى جانب هذه الأسباب، يضع أ.د. عبداللطيف عبدالقوي مصلح، في كتابه «ظاهرة انحراف الأحداث في المجتمع وعلاقتها بمتغيرات الوسط الأسري»، على رأس الأسباب المسؤولة عن انتشار الإلحاد، النشأة في بيت لا يعرف آداب الإسلام ولا يهتدي بهداه، لا يسمع فيه الناشئ ما يدله على دينه ولا يتعلم حبه ولا يعظم ويوقر الله تعالى في قلبه، ولا يربَّى على خشية الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن.
حائط صد
ويؤكد د. حسن عبدالله، الأستاذ بكلية التربية بجامعة الأزهر، أن الأسرة حائط الصد الأول لمواجهة مثل هذه الأفكار، مضيفاً: الأسرة هي الحجر الأساس في بناء عقيدة الطفل وتوجيهه نحو القيم والمبادئ، فعليهما مسؤولية غرس الإيمان في نفوس أبنائهم منذ الصغر، وألا يخشى الآباء من الحديث مع أطفالهم عن هذه الأفكار، شرط أن يكون لدى الآباء اطلاع وثقافة حتى يتمكنوا من مواجهة هذه الأفكار، إضافة إلى إحاطة أطفالهم بجو إيماني يملؤه ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن الكريم، وتعويدهم على ممارسة الشعائر الدينية بانتظام، وتشجيعهم على القراءة والاطلاع على الكتب الإسلامية، وتزويدهم بالمعرفة الدينية الصحيحة من مصادر موثوقة.
ضرورة اتباع أساليب فعالة في احتواء الأطفال والإجابة عن تساؤلاتهم
فيما تؤكد الخبيرة الأسرية إنجي سعيد ضرورة أن يكون سلوك الآباء قدوة يُحتذى بها للأبناء، وأن يحرصوا على الالتزام بالأخلاق والقيم الإسلامية؛ وهو ما يشجع الأطفال على الاقتداء بهما، إضافة إلى ضرورة اتباع أساليب فعالة في التعامل مع الأطفال تتسم بالصبر والحكمة، وتجنب فرض الأفكار عليهم أو إجبارهم على شيء.
ومن جانبها، تشير د. هدى إبراهيم إلى ضرورة التركيز على القيم، من خلال ربط الإيمان بالقيم والأخلاق الحميدة، وترسيخ فكرة أن الدين يُساهم في بناء شخصية قوية وسوية، لافتة إلى أهمية أن يتم العمل على تعزيز الإيمان بالتجارب، من خلال سرد القصص والحكايات التي تُظهر عظمة الله تعالى وقوته، وتشجيع الأطفال على تجربة الشعور بالسكينة والراحة من خلال الصلاة والدعاء، وأن يساعد الآباء أطفالهم على المشاركة في الأنشطة الدينية، باصطحابهم إلى المساجد وحضور الدروس الدينية، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة التطوعية الخيرية.
ويجمع الخبراء الذين تحدثت إليهم «المجتمع» على أهمية دور المؤسسات التعليمية والإعلامية من خلال التعاون والتكاتف لبناء مجتمع متماسك يُحافظ على هويته الدينية والثقافية، وأن يتم إعداد وبث برامج تحرص على تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال والشباب، لتمكينهم من تحليل المعلومات وفهم الحقائق من المصادر الموثوقة، وأن تكون هناك خطة لدى المؤسسات التعليمية في المدارس والجامعات لمواجهة هذه الأفكار المنحرفة، على أن يتم مراعاة المرحلة العمرية أثناء إعداد البرامج التعليمية الموجهة ضد الإلحاد وغيره.