يعاني الغرب الأوروبي الأمريكي من أزمة فراغ روحي حادة، وإفلاس فكري واضح، فالمبادئ التي طالما نادى بها الغرب فقد الإيمان بها، في 1789م انتصرت الثورة الفرنسية ضد حكم الملك لويس السادس عشر، وأصدرت ما عرف باسم ميثاق حقوق الإنسان والمواطن، متضمناً جملة من المفاهيم أهمها حرية الاعتقاد والضمير وحرية الرأي وحرية التملك والحق في التقاضي والفصل بين السلطات، وكانت هذه المبادئ المزعومة النموذج الحضاري الذي حاول الغرب تصديره للشعوب غير الأوروبية، لكن الغرب بات شغله الشاغل تصدير قيم الفاحشة ومحاربة الفطرة.
كتب المفكر المغربي حسن أوريد، في كتابه الرائع «أفول الغرب» الذي صدر منذ سنوات نقلاً عن عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود: إن الغرب يعاني أزمة دينية بدأت في عام 1965 وحتى عام 2007م، أدت إلى تحطيم وانهيار معاقل العقيدة؛ ما أدى إلى تحللها بشكل كامل، فهناك صعوبة أن يعيش المجتمع من دون معتقد ديني، لقد انتصر الإلحاد وتحرر الإنسان من الخرافة، لكن عالماً من دون وجود الله لا يمكن أن يعيش في طمأنينة.
لقد أصبحت الرأسمالية دين الحضارة الغربية الجديد، وبسطت سيطرتها على كل شيء، وأصبح لهذا الدين شريعة وصلوات وكهنوت وحواريون مهمتهم تضليل الجماهير، وأما اليسار الشيوعي القديم فقد أصبح في الدول الغربية من المؤلفة قلوبهم بعد أن تورطوا في حياة البذخ وأصبح الاحتجاج تحت السيطرة عبر أدوات السعادة الفردية المبتذلة التي خلفتها ما يعرف باسم الثورة الجنسية.
آمن الغربيون وخاصة الأمريكيين بتفوق حضارتهم على الحضارات الأخرى، وأن هذا التفوق يمنحهم الحق في فرض قيمهم على الحضارات الأخرى، فأمريكا هي هبة الله وأرض الأحلام والدولة الوحيدة التي تقوم بحراسة الخير وتقوم بمحاربة الشر، وهي الدولة الوحيدة التي لها حكومة مسؤولة عن أمن العالم؛ وبالتالي فإن من واجبها نشر النظام الأفضل والأحسن في وجهة نظرها وهو النظام الليبرالي الرأسمالي، ومحاربة جميع الأنظمة التي لا تتبنى هذا النظام!
أوباما الشاب الأسمر الهجين من أم بيضاء وأب أفريقي أسود لم يعتبر أن تحقيق المساواة بين البيض والسود أولوية لإدارته كما ظن الأمريكيون السود الذين انتخبوه بحماس في عام 2008م، فالرجل الأبنوسي الذي رفع شعار التغيير والمساواة لم يحقق التغيير، ولم يطبق المساواة التي انتظرها الأمريكيون من أصول أفريقية.
ولما عجز أوباما عن تحقيق المساواة بين البيض والسود انطلق ليشعل معركة المساواة بين الطبيعيين والشاذين، وليشعل ثورة ما يسمى بـ«مجتمع الميم» التي نعيشها منذ عام 2011م، حيث يتم تجنيد كل وسائل الإعلام لتمجيد هذا السلوك المنافي للفطرة ويضاف على ذلك تأييد عمليات التحول الجنسي.
لقد كانت إدارة أوباما منعطفاً تاريخياً في قضية حقوق المثليين، فهذه الإدارة التي توصف بالتقدمية جندت كل إمكاناتها للتبشير بمجتمع «LGBT+».
وبالرجوع إلى ما قدمته هذه الإدارة لقضية المثليين نجد الآتي:
– في 25 فبراير 2011م، أعلنت إدارة أوباما وقف دفاع الحكومة الأمريكية عن قانون منع زواج المثليين.
– في يوليو 2011م، وقع أوباما على قانون حظر دخول المثليين للجيش الأمريكي الذي طرد 14500 مِثْلي في الفترة من عام 1993 وحتى عام 2011م بحجة أن وجودهم داخل الجيش يخل بالانضباط العسكري.
– في أكتوبر 2011م، أعلن أوباما أن قائد الجيش الأمريكي الذي سيعينه يجب أن يكون مؤيداً للمثليين.
– في ديسمبر 2011م، وجه المؤسسات الأمريكية العاملة في الخارج (وزارة الخارجية وهيئة المعونة الأمريكية) لاستخدام جزء من الأموال التي بحوزتها لدعم المثليين جنسياً، وتوفير اللجوء الإنساني والحماية لهم وإعلان أن الدفاع عن المثليين التزام مركزي للولايات المتحدة الأمريكية ضمن إستراتيجيتها لحقوق الإنسان.
وتتشارك مع الولايات المتحدة بريطانيا، حيث إن رئيس الوزراء البريطاني (المحافظ) الأسبق ديفيد كاميرون قال في عام 2014م أن المساعدات البريطانية لن تقدم إلى أي دولة تضطهد الناس بسبب دينهم (مسيحيتهم) أو عرقهم أو حياتهم الجنسية
– في عام 2011م، صدر القرار رقم (17/ 19) من مجلس حقوق الإنسان بجنيف الذي يؤيد حقوق المثليين وهو القرار الذي أطرب الولايات المتحدة الأمريكية لترسله بعد ذلك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمرير القرار، وهناك تفاجأت بوجود 79 دولة من أصل 193 صوتت ضد دعم قضية المثليين؛ ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يخرج ليهاجم مواقف الدول المعادية لحقوق المثليين، زاعماً أن قضية المثليين أكبر تحديات حقوق الإنسان في عصرنا.
بعد حوالي 20 عاماً من سقوط الأيدولوجية الشيوعية في روسيا خلق الغرب أيدولوجية جديدة تتمثل في المثليين، وإسقاط القيم الأسرية التقليدية كهدف، فخلال الفترة من عام 2011م وحتى يومنا تحرك الغرب لدعم هذه القضية باعتبارها أولوية إستراتيجية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبتمويل منظمات حقوق إنسان على مستوى العالم متخصصة في مراقبة أوضاع المثليين، وبإصدار بيانات داعمة للمثليين من وزارات خارجية دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
قال الأسقف النيجيري إيمانويل باجو: إن الولايات المتحدة بلغت حكومة بلاده أنها لن تقدم أي مساعدات عسكرية أمريكية لنيجيريا لمحاربة «بوكو حرام» حتى تقوم نيجيريا بتغيير قوانينها للسماح بالمثلية الجنسية والإجهاض، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون: إن المساعدات التنموية البريطانية لن تقدم لمن يضطهد شعبه بسبب دينهم أو عرقهم أو ميولهم الجنسية.
لقد حذر رئيس البنك الدولي الأسبق جيم كيم يونغ من أن تقييد الحقوق الجنسية يمكن أن يضر بالقدرة التنافسية للدولة في التقدم بطلب للحصول على المساعدات الاقتصادية.