لا أذكر أنني فكرت يوماً في سبب ما أنا فيه أو لماذا اخترت هذا الطريق، لم أسلك يوماً العمل الخيري الإنساني والحقوقي بدافع تخطيط مسبق، ولم أكن أتساءل إن كان هذا المجال يناسبني كوني امرأة، لم يخطر في بالي هذا الأمر قط، كل ما كنت أراه أنه واجب، وحق أرسله الله تعالى لي وأنا في كامل قدرتي على أدائه، ويجب عليَّ أن أعمله بكل ما أستطيع كوني «أَمَة لله»، فالعبد المؤمن، إذا آمن وسلم بالأمر لله، ليس له اختيار.
هذا جانب، أما من جهة الحياة والعمل الخيري، فأرى بعد مضي 37 عاماً من عمري في هذا المجال أن كل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، شاباً أو شابة، كبيراً في السن أو صغيراً، إذا لم يركب أجمل قطار لأجمل رحلة في الحياة، فوالله لم يذق السعادة الحقيقية، ولا الأنس، ولا طيب العيش والهناء، فالعمل الخيري بالذات، نحن كنساء نحتاجه قبل أن يحتاجنا، حاجتنا له تتمثل في كونه يُلون حياتنا ويُغير محطاتها بسرعة، سواء على مستوى الأسرة أو الأولاد، وإذا بهذا القطار الجميل يتجاوز بك كل منحنى صعب.
أما على مستوى العمل، فلا شك أننا ندرك جميعاً أن الألم والأنين يأتيان من الكف المحروم والاحتياج، وما رأيت أصدق من المرأة في هذا الميدان، لقدرتها على تحمل وهضم ما تمر به النساء من احتياجات، فالمرأة هي التي تمسح على الرأس وتربت على الكتف، وكم من الشعوب المتضررة نجد فيها النساء هن من يحملن مسؤولية البيت بكل ما له وما عليه، بعد فقْد المعيل بأي صورة كانت، إذا كنا نحن قريبين منهن، فإن الرحمة والعطف اللذين نقدمهما يعدّان راحة نفسية لهذه الأسر.
أذكر يوماً، حين كنا في إحدى الدول التي تضم عدداً كبيراً من النازحين، قررنا نحن مجموعة من النساء أن يكون لنا دور في تغيير الواقع المادي والمعنوي، أذكر أننا نجحنا في إخراج نحو 53 أسرة من المخيم، وأسكنّاهم في عمارات، لكل أسرة شقة من 3 غرف ومرافقها، حين جاءت الحافلات لنقل العائلات، قال طفل لأمه: «راح نسكن هون؟»، نعم، من بعد الخيمة إلى بيت، ومن بعد التشريد إلى إيواء، ومن بعد الإيواء إلى رعاية وعناية نفسية وجسدية، وبعد مضي أكثر من 10 أعوام على هذه الحكاية، كانت النتائج مذهلة، الأطفال الذين عاشوا تلك اللحظة أصبحوا اليوم رجالاً، والأمهات وجدن أعمالاً يقمن بها، والمكان الذي كان يشكو من الألم بات يشع فرحاً وسروراً بعد أن كان صوته «أغيثونا».
أوصي كل إنسان أن يقوم بدور العبودية لله، فقد امتحنهم الله بالبلاء، وامتحننا بالنصرة، اللهم ثبتنا حتى نلقاك، واختم لنا بالإخلاص في العبودية لك وحدك.