الحسابات الزمنية في زمن السلام تختلف عنها في زمن الحرب، وهي في مرحلة الاستقرار تختلف عن مراحل التهجير، وفي حقبة البناء تختلف عن حقبة التخريب، وفي ساعة التضحيات تختلف عن ساعة الهزيمة.
والتاريخ يكتب المواقف النبيلة والرذيلة، ولهذا سيكتب التاريخ قصة شعب فلسطين الذي صمد وصبر وضحى بالنفس والمال والأملاك لنصرة قضيته وحماية دينه والوقوف بوجه آلة الحرب الهمجية الصهيونية.
وكانت غزة عنوان الصمود الفلسطيني النادر.
غزة تلك المدينة الساحلية لم تكن مدينة للخلاعة والميوعة والضياع الهمجي على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بل كانت مدينة للصلابة والرجولة والثبات النادر على المواقف النقية.
غزة قاومت لأنها مؤمنة بوضوح قضيتها، وعدالة مطالبها، وهي التي يفصلها عن مدينة القدس أقل من 70 كيلومتراً، ولهذا فهي تؤمن بثقل المسؤولية على عاتقها، وبأنها مدينة ستُعَبد الطريق لتحرير القدس من الغرباء المحتلين الأشرار.
غزة الكبيرة بصمود أهلها، الذين يقدر عددهم بما يزيد على مليوني نسمة، وهي مدينة مكتظة بالسكان ولكنها رمز للتعايش والتلاحم والمحبة.
إن إصرار العدو على احتلال غزة لم يأت من فراغ، فهو يعرف مكانتها وموقعها التاريخي النادر، والواقع على تقاطع حيوي بين قارتي أفريقيا وآسيا، وكأنها تريد أن تقول للدنيا: إنها ليست مجرد مدينة، بل هي بوابة للسلام والمحبة والوفاء والثبات.
غزة مدينة لم تعرف الهزيمة، وهي رغم الخراب المحيط بالأرجاء هي مدينة الأصلاء الذين لا يهمهم حجم التضحيات والخسائر، وكل ما يشغلهم أنهم مؤمنون بالنصر ومتيقنون بصدق ونقاء الطريق الذي يسيرون عليه.
ولا خلاف بأن مَن يدقق في كتب المقاومة سيجد العديد من الشعوب الحرة التي وقفت ببطولة نادرة أمام القوى الحاقدة المحتلة.
سيجد التجربة الجزائرية والفيتنامية والفلسطينية والعراقية وغيرها، ولكن اليوم، يمكن تمييز وإضافة التجربة الغزّية لأنها تميزت على التجربة الفلسطينية، ويمكن عدّها مدرسة قائمة بذاتها لأنها فعلًا تختلف عن بقية المدارس لمتانتها وصبرها النادر الوجود.
ولقد نقشت غزة اسمها في دواوين المقاومة العالمية، وكأنها صارت أكاديمية لتعليم الشعوب فنّ الحفاظ على الحقوق والأرض والكرامة الإنسانية والمبادئ الأصيلة.
غزة، مدينة تعاني الحصار من الجوّ والبر والبحر، ولا يدخلها الوقود والغذاء والماء إلا بموافقة الاحتلال، ومع ذلك أذهلت الجميع في السابع من أكتوبر 2023م بعملية عسكرية نادرة ألحقت جملة من الخسائر الفادحة بقوات العدو المحيطة بقطاع غزة.
وبعد أن استفاق من هول «طوفان الأقصى»، دخل العدو مرحلة «الجنون العسكري»، وصار يضرب غزة بأطنان المتفجرات التي لا تفرق بين المدنيين والمقاومين.
ورغم قساوة العدو، صبرت غزة، وانتصرت بصبرها وقاومت لعام كامل همجية الجيش «الذي لا يقهر»، كما يدعون!
اليوم، وبعد عام من الهمجية الصهيونية، وصل عدد شهداء غزة إلى 41870 شهيدًا و97166 مصابًا!
ولكن بالمقابل، قُتل 1800 «إسرائيلي» وتلقى أكثر من 70 ألفاً العلاج!
عام من البطولة والرجولة النادرة.
عام من الحرب ترك حكومة نتنياهو في حيرة.
عام من الحرب وضع الاقتصاد «الإسرائيلي» على حافة الانهيار.
عام من الحرب كلف «إسرائيل» بعملياتها العسكرية ما لا يقل عن 427 مليون دولار يوميًا، وحتى اليوم، ربما، أكثر من 100 مليار دولار.
عام من الحرب كانت فاتورة الخسائر الاقتصادية «الإسرائيلية» أكثر من 60 مليار دولار، ورفعت قروضها لأكثر من 50 مليار دولار.
عام أسقط هيبة الجيش الذي «لا يُقهر».
شكرًا للأحرار، ولعشاق الإنسانية في أرجاء المعمورة الذين رفضوا وحشية الصهاينة، وناصروا عدالة القضية الفلسطينية.
والعار لكل من حاول خذلان غزة ولو بالكلمة.
________________________
@dr_jasemj67