الشباب العربي يشكل جمهوراً كبيراً للدراما والسينما؛ ذلك أن صناع الفن يعلمون يقيناً أن توجيه الأعمال الفنية ناحية الشباب استثمار حقيقي مدر للمال؛ فالشباب هم الأكثر تفاعلاً مع الأعمال السينمائية؛ ما يجعلهم هدفاً رئيساً لصناع الأفلام.
ومن جانب آخر، فالسينما والدراما صناعة وأداة قوية، اعتمد عليها أعداء الدين، ومحاربو القيم النبيلة؛ للترويج لأفكارهم المسمومة، وجعلوها منبراً لنشر الفاحشة وتغريب المجتمع عبر تعزيز القيم المحرفة وتأصيلها في نفوس الشباب.
رغم كثرة الأعمال الدرامية والسينمائية التي يؤكد صانعوها بأنها تهتم بقضايا الشباب وهمومهم، فإن جلها على أرض الواقع يؤسس لمنظومة قيم محرفة لا تعكس واقع الشباب الحقيقي، حيث تعمدت تشويه صورة الشاب العربي وخلق صورة ذهنية سلبية من خلال إظهاره تافهاً، بلطجياً، فهلوياً، مهووسا بالجنس، متشدداً، يمتلك الحرية الكاملة للقيام بأي فعل مهما كان مخالفاً ومعانداً للفطرة السوية فضلاً عن أحكام الدين، في تجاهل كبير للشباب المتدين والمكافح والعصامي والنابغ علمياً.
والأصل أن الفن بمفهومه الواسع انعكاس للأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن ما نراه في دولنا العربية من المحيط إلى الخليج لا يعكس ولو بقدر ضئيل هموم الشباب وطموحاته وآماله، ذلك أن القائمين على العمل في الغالب غير مؤهلين لاستخدام الوسيلة الدرامية والسينمائية فضلاً عن ضبطها وتوجيهها في الوجهة الصحيحة.
صور مسيئة بالدراما والسينما وإظهار الشاب في شكل البلطجي والمتطرف!
من الذين أحسنوا استخدام هذه الآلة، على سبيل المثال لا الحصر، المخرجان السوريان مصطفى العقاد، وحاتم علي، ففي بداية الثمانينيات خرج للنور فيلم «عمر المختار» من إخراج العقاد، وكان له تأثير كبير في غرس روح المقاومة والتحدي في نفوس الشباب، فضلاً عما أحدثه الفيلم من إسهام في تعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب العربي وجعلهم فخورين بتاريخ أجدادهم وتراثهم، وكذا الحال مع كثير من أعمال المخرج حاتم علي، لا سيما التي وضع يده فيها مع وليد سيف كمسلسل «صقر قريش» الذي يعكس صورة الشاب الملهم المسدد عبدالرحمن الداخل، ومسلسل «عمر» الذي حاز على أعلى نسب مشاهدة بين العرب فضلاً عن المسلمين.
فقر إبداعي
المتتبع لتاريخ وواقع السينما العربية سيجد الفقر الإبداعي في أزهى صورة، وسيجد انبهاراً بالغرب حتى في أبسط الأمور، وتقليداً عجيباً في جل الأعمال السينمائية، والواقع يثبت أن الأعمال الفنية العربية أخفقت في القيام بدور توعوي تنويري، بل على العكس تماماً؛ فالشباب كعنصر فاعل في حياة المجتمعات لا يبدو على الشاشة إلا بلطجياً، في غياب كبير للمراجعة القانونية في تناول السينما لشخصية البلطجي، وإقبال هائل من المنتجين وصناع العمل الفني على الإكثار من أفلام البلطجة لأن مكسبها مضمون، والنتيجة تقمص بعض الشباب والمراهقين شخصية الممثل البلطجي.
والأخطر من الاتباع الظاهري تسرب القيم الخبيثة خلسة لأذهان الشباب، ففي فيلم «سلام يا صاحبي»، على سبيل المثال، الذي تم إنتاجه في منتصف الثمانينيات وحظي بمشاهدات واسعة النطاق، رأينا كيف استطاع صناع العمل أن يجعلوا الجمهور متعاطفاً مع بطل الفيلم، ومحباً لشخصيته؛ رغم أنه كان زير نساء، نصاباً، لصاً يقتات على أكل الحرام!
وبنظرة تأملية على أفلام محمد رمضان التي تناقش ظاهرة البلطجة، لا يبدو البطل فيها إلا حاملاً سلاحه الأبيض، عارياً، يتكلم بألفاظ قبيحة، لكن الحبكة الدرامية تصر على إظهار البلطجي مظلوماً، شهماً، بطلاً؛ وبالتالي يتعاطف الناس معه ومن ثم يسعون إلى تقليده، وبتكرار مثل هذه الأعمال ازدهرت هذه الشخصية، وارتبطت بمستوى سلوكيات الشباب والجرائم العنيفة.
تجاهل فني كبير للشباب المتدين والمكافح والعصامي والنابغ علمياً
يزعم كثير من صناع الأعمال الفنية أن أعمالهم تحمل قيماً إيجابية تفيد الشباب، فالعنوان الظاهري مثلاً لفيلم «أيامنا الحلوة» مناقشة مشكلات الشباب الجامعي وعجزه عن توفير نفقات التعليم بسبب الفقر، غير أنه مغلف بمشاهد لا تعكس إلا انحطاطاً قيمياً وأخلاقياً.
وفي فيلم «ليلى» تدور الأحداث حول تعزيز التمرد على الأعراف والتقاليد والقيود التي فرضتها الأسرة في رحلة البحث عن الذات، ولما طال أمد حرب الاستنزاف وأصيب كثير من الشباب بإحباط وخيبة أمل، قرر صناع فيلم «أغنية على الممر» أن يبثوا الأمل في نفوس الشباب، لكن كان بث الأمل وترسيخ الإصرار على الانتصار ممزوجاً بمشاهد العري والرقص في غياب للربط بين مقومات النصر الحقيقية بعيداً عن تهييج المشاعر.
ولما أراد صناع فيلم «الإرهابي» مناقشة ظاهرة التطرف الديني بين الشباب ظهر العمل مشوهاً لعموم الإسلاميين، مقرباً نفوس المشاهدين من النموذج الليبرالي المنفتح حتى وإن كان نمط حياته مخالفاً لأسس الدين وقيم وأعراف المجتمع، ولما سعى صناع فيلم «فيلم ثقافي» لتسليط الضوء على تأخر سن الزواج بين الشباب، وبدلاً من بحث الأسباب الحقيقية طرحوا سردية فكاهية عززت من إقبال الشباب على مشاهدة الأفلام الإباحية.
الدراما الخليجية
لكن من الإنصاف القول: إن الأعمال الفنية العربية والخليجية لم تشهد جرأة وتمرداً على القيم والأعراف، كما هي الحال في الأعمال المصرية؛ إلا أن المتتبع لحالة الدراما في الكويت، مثلاً، يدرك أنها لم تشهد تدهوراً كما تشهده اليوم، فمنذ إنتاج المسلسل الإذاعي «مذكرات بو عليوي» الذي تحول إلى مسلسل عرض على «التلفزيون الكويتي» في منتصف الستينيات بإطار كوميدي سطحي لا يفت في عضد القيم الأصيلة، وأداء الدراما الكويتية في هبوط، باستثناء بعض الأعمال الدرامية في مطلع الثمانينيات كمسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» الذي عالج قضايا الأسرة من زاوية تربوية.
ولو قارنا ما اشتمل عليه هذا المسلسل من قيم مع واحد من آخر الأعمال الدرامية الخليجية وهو مسلسل «زوجة واحدة لا تكفي» لوقفنا على جملة من القيم المحرفة التي هي في خصام مع رسالة الفن التوعوية والأخلاقية، حيث ناقش هذا العمل قضية الحمل دون زواج، والمثلية الجنسية، وغيرها.
الإنتاج السينمائي لا يعكس هموم الشباب العربي وطموحاتهم وآمالهم
وإذا ذهبنا إلى منطقة المغرب العربي فمن الملاحظ أنها تعاني هي الأخرى من سيطرة العلمانيين سواء كانوا منتجين أو مخرجين أو مؤلفين، ومن ثم جعلوا جل الأعمال متمركزة بشكل كبير حول قضايا الحب والجنس بكثير من الجرأة والتمرد على العادات والأعراف المغاربية الأصيلة، ظهر ذلك جلياً في معالجة فيلم «حجاب الحب» للمخرج عزيز السالمي، ومعالجة فيلم «ماروك» الذي ينفر الشباب من شعيرة الصلاة من خلال الاستهزاء بها، ومعالجة فيلم «موشومة» الذي يدعي صناعه أنه يحمل رسالة عميقة حول الذاكرة، والهوية، والبحث عن الذات، غير أنه فيلم إباحي بامتياز يعزز الهوس الجنسي لدى الشباب.
في المقابل، يتجاهل صناع الدراما والسينما الشباب المتدين والمكافح والنابغ علمياً، واكتفوا بشكل كبير بالتركيز على قصص الحب وما يثير الغرائز إلى جانب تقديم صورة نمطية سلبية عن الشباب المتدين، وربما يعود ذلك إلى جملة من الأسباب، أهمها: الخوف من إغضاب السلطة السياسية التي لا تحبذ وجود أعمال فنية تؤصل لقيم دينية رشيدة، وكذلك الخوف من الجدل، حيث يخشى صناع الدراما من طرح القضايا التي تتعلق بالدين والمعتقدات.
كذلك يهتم صناع الدراما بالتركيز على الربح المادي، وما يحقق ذلك أعمال البلطجة والعنف والجريمة وإثارة الغرائز، التي يتوفر فيها مؤثرات بصرية جذابة، هذا بالإضافة إلى قلة الكتَّاب المتخصصين في تناول الأعمال التي تتناول قضايا الشباب المكافح الملتزم، وضعف الخلفية الدينية لدى كثير من هؤلاء الكتَّاب.
في الواقع، ما زال الفن العربي كقيمة بعيداً عن أيدي أصحاب المبادئ والقيم، فتوظيفه ضعيف، على الرغم من نجاعته كوسيلة مضمونة، وسريعة لإبراز الهدف، فضلاً عن أنه يمثل قيمة اقتصادية كبيرة، والدراما حل ناجع لتخليد الرموز وتجسيد البطولات وتعزيز القضايا في نفوس الشباب.