يرتكب بعض الآباء أخطاء جسيمة في التربية يغدو إصلاح آثارها صعبًا وربما مستحيلًا مستقبلًا، وتلك الأخطاء لا تقتصر فحسب على الضرب والإهانة، بل تتخطاها لتشمل أمورًا أخرى من شأنها ترك أسوأ وأعمق الأثر على نفسية وسلوك وتفكير الأبناء مدى الحياة، وربما أثرت بالسلب على علاقاتهم بآبائهم وإخوانهم.
وحتى لا يستمر الآباء في الوقوع فيها أو في شبيهاتها وتدمير علاقتهم بأبنائهم، سنستكمل ذكر أخطاء أخرى مع أثرها السيئ على الأبناء:
1- التهاون في التعامل مع مشكلات الطفل حتى يستعصي حلها:
من المعروف أن الأطفال يمرون بتحديات ومشكلات في مراحل عمرهم المختلفة، ونلاحظ أحيانًا استهانة بعض الآباء بالمشكلات التي يواجهها أبناؤهم وربما تجاهلها بالكامل، فما يكون إلا أن تتفاقم المشكلة على مدار السنوات وتكون جزءًا من شخصية الطفل وطبيعة سلوكه.
من أشهر تلك التصرفات سوء الخلق والدلال الزائد والعناد والجدل والشتم والتعدي بالضرب على غيره من الأطفال، ومن الأخطاء البارزة التي تكون أكثر من جانب الأمهات حماية الطفل والدفاع عنه، وعدم جعله يتحمل مسؤولية قراراته وعواقب تصرفاته، فحين يخطئ الطفل في تصرف ما، تجدها قد تصدرت الموقف كونها المذنب وتحملت مسؤولية خطأ الطفل والاعتذار عنه، وهذا بدل أن توضح له خطأه وتطلب منه الاعتذار وعدم تكراره.
وينشأ الطفل وقد تعلم أن هناك من يدافع وينافح عنه ويعتذر عن أخطائه، ولاحقًا قد يتطور الأمر ليتعلم إلقاء اللوم على غيره عوضًا عن مواجهة أخطائه والاعتراف بها؛ لذا وجب التفات الأبوين لأي سلوك غير سوي عند الطفل ومراقبته دوريًا، وعليه؛ لهما اتخاذ القرار المناسب في كيفية التعامل مع هذا التصرف وتقويمه في الطفل وهو صغير، قبل أن يكبر ويترسخ ذلك التصرف عنده، بل ويصير طبعًا فيه من الصعب تقويمه.
2- التمييز في المعاملة بين الأبناء:
يعتبر من أشنع الأخطاء التي يرتكبها الكثير من الآباء في حق أبنائهم، فحتى إذا كان التمييز يقتصر على معاملة رائعة لأحد الأبناء دون إيذاء الآخر والاكتفاء بتجاهله وكأنه غير موجود، فهذا التصرف في حد ذاته ظلم عظيم لكلا الابنين، ذلك أن الابن الذي يعامل معاملة سيئة أو يتم تجاهله بالكلية لا تتولد في داخله مشاعر الكراهية للأب المميِّز في المعاملة فحسب، بل كذلك للابن الذي يتم تمييزه في المعاملة!
ولهذا، فإن تمييز الآباء في حق أبنائهم لا يلحق الضرر بعلاقاتهم بهم فحسب، بل يؤثر على علاقة الإخوة ببعضهم، فتنشأ مشاعر الضغينة والحقد والحسد، وكثيرًا ما لا تزول تلك المشاعر حتى بعد موت الآباء وذهاب كل أخ لحال سبيله.
من الضروري أن يدرك الآباء أخطاءهم في التربية ويعترفوا بها، والأهم أن يحرصوا على الاعتذار عنها وتصحيحها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
3- القسوة والحزم المبالغ فيهما:
كثيرًا ما يخلط الأب بين ضرورة أن يكون حازمًا في بعض الأمور والمواقف مع أبنائه، وأن يكون هذا ديدنه وطبعه في تعامله مع أبنائه، فينقلب الحزم قسوة ويؤدي هذا إلى بناء حواجز في التعامل بينه وبين أبنائه، وبدلًا من أن يصير الأب الملجأ الذي يلوذ إليه الأبناء حين يقعون في مشكلة، يكون هو المشكلة ذاتها التي يحرصون على الابتعاد عنها، ثم يتطور الأمر حين يكبرون ليخفوا عنه أمورًا تحدث في حياتهم، ويتوقفوا عن استشارته في أي أمر أو إشراكه في أي قرار.
على الآباء الانتباه أن الحزم مهم في مراحل عمرية معينة وفي مواقف محدودة، ولكن الرحمة والحنان والتفهم والاحترام والنقاش الراقي يجب أن تكون أساس العلاقة التي تستمر مدى الحياة، حيث يقول أحد الأبناء بعد مرور سنوات على ضرب والده له في أحد المواقف: إنه ما عاد يتذكر سبب الضرب، ولكنه لم ينسَ أبدًا أن والده ضربه! والأمر نفسه بالنسبة لمواقف القسوة والشدة، فولدك قد ينسى السبب الذي قسوت عليه لأجله، ولكنه لن ينسى أبدًا قسوتك عليه.
أما أبرز عواقب وأضرار القسوة فهي سوء العلاقة بين الابن وأبيه والفجوة الذي تنشأ بينهما، كما تؤدي لشعور الأبناء بالوحدة في كثير من الأحيان رغم وجود آبائهم على قيد الحياة، لعدم وجود علاقة طيبة وودودة تدفع الولد لطلب النصح أو العون من والده وهو الأصل في العلاقات السوية بين الآباء والأبناء.
4- التوقعات غير الواقعية والتدخلات الفجة:
يخلط بعض الآباء بين رغبته في أن يتفوق أبناؤه وينجحوا في الحياة، وطلب الكمال منهم، فتجد بعض الآباء يبالغ في مسألة الدراسة والدرجات، ويصير الأمر قضية إن لم يتفوق الابن أو يحصل على درجات معينة، وينطبق الأمر كذلك على اختيار التخصص الدراسي والجامعات ومجال العمل، فيتدخل بعض الآباء تدخلًا فجًا في اختيارات أبنائهم حتى يختاروا تخصصات ومجالات عمل معينة حتى وإن لم تكن هذه رغبة الأبناء، وإن حصل واختار الأبناء غير ذلك، يسخط الآباء ويرون أنه حاد عن طريق النجاح؛ لذا، على الآباء التمييز بين واجبهم في تقديم النصيحة للأبناء وإبداء رأيهم، وفرض رأيهم على أبنائهم، والحكم عليهم بأحكام ظالمة بناء على قرار يخص حياتهم وحدهم، مع العلم أنه ليس فيه ما يعيب أو يغضب الله تعالى.
أما أخطر نتائج هذا الأمر فهي مشاعر الضغينة التي قد تتولد في قلب الابن إذا ما أجبر على دراسة مجال معين لا يحبه، ويظل دائمًا قيد أحلامه وطموحاته التي حرمها منه تدخل أبيه في حياته، وبالنسبة للطلب التفوق المستمر من الابن فلا ريب سيسبب الكثير من العقد النفسية وبغض الذات وعدم الشعور بالرضا بسبب النقد المستمر من الأب وعدم رضاه عنه وتقييمه المستمر لولده بدرجاته! فيصير حب الأب مشروطًا بعمل يقوم به الابن أو نجاح يحرزه، وهذا يعد من أسوأ العقوبات التي قد يفرضها أب على ولده ألا وهو الحب المشروط.
هي أخطاء جسيمة يقع فيها الآباء في التربية، ويكونون هم أولى ضحاياها، فعليهم والحال كذلك الحرص على دراسة ومعرفة أصول التربية الصحيحة، وحين يواجههم أي تصرف خاطئ أو غير سوي من الطفل أن يعرفوا أسبابه وكيفية مساعدته على التخلص منه، ولا ريب أن المشكلات والتحديات تختلف باختلاف جنس الطفل ومرحلته العمرية، فعليهم وضع هذا في الاعتبار، والأهم أولًا وأخيرًا هو الاستعانة بالله سبحانه ودعاؤه والتوكل عليه في كل أمر.