قد يظن الوالدان أن المنظومة التعليمية كافية لتعليم أطفالهما ما يريدان، وأن قاعات الدرس ستلبي طموحاتهم في إكساب أبنائهم مهارات حياتية وشخصية، وسلوكيات صحيحة ترفع من شأنهم وأخلاقهم.
بمعنى آخر، لا تلق بالمسؤولية كاملة على مدرس الفصل، أو المعلم، أو تكتف بما تنفقه على التعليم والدروس الخصوصية لتعليم ابنك، بما ينهض بشخصيته، ويسمو بروحه.
يقول خبراء التربية: إن أنسب وقت لتعليم الأطفال المهارات الحياتية عمر ما قبل المدرسة، وحتى العام السابع من عمر الطفل، وأن هذه السن المناسبة لغرس العادات الإيجابية، والقيم النبيلة، ولو من منطلق تقليد الآباء والأمهات، فمثلاً الطفل يؤدي حركات الصلاة دون أن يعي المراد منها، سوى رغبة في نفسه لتقليد والديه.
والطفل في هذه المرحلة العمرية لا يحتاج إلى أدلة قرآنية أو نبوية لمعرفة قيمة ما يفعل، بقدر ما تكون القدوة الحسنة أمامه في المنزل معيناً له على التعلم والتأسي بالآخرين.
المهارة الأولى: تتعلق بأمور النظافة الشخصية، من خلال الوضوء والاستحمام وغسل اليدين قبل تناول الطعام وغسل الأسنان، وغير ذلك من سلوكيات تغرس في نفسه حب النظافة والجمال، على أن يكون ذلك سلوكاً يومياً في بيته، وفي الخارج، شريطة أن يعي أن النظافة تعني كذلك إماطة الأذى عن الطريق، ومنها إلقاء القمامة في السلة المخصصة لذلك، وقد أخبر النبي ﷺ أنه رأى لما عرضت عليه أجور أمته: القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وجاء عن النبي ﷺ: أن «من شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق»، وقال ﷺ: «إن الله جميل يحب الجمال» (رواه مسلم).
المهارة الثانية: إكساب طفلك فضيلة النظام، من خلال ترتيب سريره، ودولاب ملابسه، وحقيبته المدرسية، وكتبه، وكذلك ترتيب ألعابه، فينشأ محباً للنظام، مقبلاً عليه في عمله وحياته الاجتماعية.
من هنا، يمكن للوالدين تعليم طفلهما النظام في الصلاة، وعدد الصلوات وركعاتها ووقتها، ومقادير الزكاة وشروط أدائها، والصوم في شهر بعينه، والحج في توقيت محدد كل عام، وهكذا، يجري غرس تلك الصفة الحميدة فيه عملاً لا قولاً فقط، والأهم عندما يرى في والديه هذا الخلق حقيقة على أرض الواقع.
المهارة الثالثة: تعليمه كيفية إدارة الوقت، وتحديد مواعيد للنوم المبكر، والاستيقاظ المبكر أيضاً، وتحديد وقت للهو، ووقت للمذاكرة، ووقت للقراءة، ومستقبلاً وضع الجداول الزمنية لكل يوم، بل إن الطفل في مرحلة مبكرة، قد يتعلم أن له أهدافاً، ويدون ما يريد في مفكرة خاصة به، مع تشجيعه وإثابته على ذلك.
في هذا السياق، ينصح خبراء التربية، باستخدام البطاقات المطبوعة الأطفال، مثل بطاقات إتمام الوضوء، أو الصلاة، أو المذاكرة، حتى اللعب ومشاهدة التلفاز، أو ممارسة الرياضة، كلها أنشطة يمكن أن تكون في بطاقات يسجل فيها الطفل قيامه بها، ساعتها يشعر بالنظام والإنجاز والاستفادة من وقته.
المهارة الرابعة: إدارة المال، وكيفية الادخار من مصروفه اليومي أو الشهري، ووضع حصالة له تحوي ما يقتطعه من مصروفه، وإقناعه بادخار قدر ما لشراء ما يريد لاحقاً، أو تقديم تبرع ولو بسيط للشعب الفلسطيني، مع اختبار قدرته على إدارة ميزانية أسبوعية، أو مبلغ كبير نسبياً، لا يتجاوز بضع مئات، فيتعلم الجمع والطرح وقواعد الحساب، ويكتسب مهارة إدارة أمواله الخاصة، وأولويات الشراء، وعواقب الإنفاق غير الرشيد، إذا قام بتبديد مصروفه قبل نهاية الشهر.
المهارة الخامسة: رعاية حيوان أليف ما مثل القطط أو الطيور، فيشعر بالمسؤولية عنه، ويعتني بطعامه وشرابه، وتنظيف مكانه، ويشعر بالفرحة عندما يراه يكبر أمامه، ويلهو معه، فيتعلم خلق الرحمة والرفق بالحيوان، وتسمو لديه الإنسانية، فلا يؤذي بشراً أو حيواناً، وقد حذر النبي ﷺ من ذلك فقال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض» (رواه مسلم).
المهارة السادسة: تتعلق بتعزيز اللغة لديه، ومهارات التحدث، والنطق الصحيح، وتركيب الجمل بشكل سليم، وهي أمور تتوافر من خلال الإقبال على حفظ القرآن الكريم، وتعلم قصار السور، والأحاديث النبوية الشريفة، والأناشيد الهادفة؛ مما ينمي لديه الحس اللغوي، والجمالي، ويجعله مؤهلاً لبدء العملية التعليمية، فائزاً بجائزة النبي ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (رواه أبو داود، والترمذي).