المتابع لملف العلاقات العربية الصهيونية يدرك، تمامًا، أن «تل أبيب» عازمة على تغيير الوضع الأمني والإستراتيجي في الجنوب اللبناني، من أجل تأمين منطقة الشمال «الإسرائيلية» ووقف ما يزعمه الكيان بتهديدات «حزب الله» المستمرة على الأمن القومي الصهيوني.
ومع الضربات الأولى لـ«حزب الله» على الشمال في الثامن من أكتوبر 2023م، من أجل مساندة فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هددت بل دعت «إسرائيل» إلى توجيه ضربة قاصمة للحزب اللبناني، من أجل تمهيد الأرض للهدف الذي وُضِع من قبل، والممثل في إزاحة قوات «الرضوان» وإبعاد أي مدنيين لبنانيين إلى شمال نهر الليطاني، بزعم تأمين مستوطني الشمال «الإسرائيلي».
كتابة التاريخ
وهو ما ذكرته «القناة 13» العبرية، من التشديد على أن الدخول البري للجيش الصهيوني في الجنوب اللبناني يأتي لتطهير هذه المنطقة من البنية التحتية لـ«حزب الله» وإزالة أي تهديد لقوات «الرضوان»، داعية إلى الحفاظ على المكتسبات الحالية وتغيير الوضع الجيوستراتيجي في شمال «إسرائيل»، وكتابة التاريخ.
في الأول من الشهر الجاري، قال الجنرال جاي ليفي، قائد «الفرقة 98» الصهيونية، التي بدأت الدخول البري للجنوب اللبناني: لدينا شرف عظيم أن نكتب التاريخ في الشمال كما فعلنا في غزة، أيضًا، وهو ما استندت إليه الكاتبة «الإسرائيلية»، نيتالي شيم طوف، في تقريرها المطول بـ«القناة 13» العبرية، من كتابة الكيان الصهيوني للتاريخ في الجنوب اللبناني كما سبق وفعله في غزة، من محو للجغرافيا وإبادة للأخضر واليابس!
تغيير العقيدة العسكرية لحروب طويلة
الرؤية الصهيونية نفسها توافقت مع ما ذكره مركز «بيجين – السادات للأبحاث»، في دراسته من أن الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط يستدعي القضاء الكامل على أعداء الكيان حتى لا يشكل تهديدًا، فالحرب الصهيونية الدائرة في غزة والجنوب اللبناني ترمي إلى القضاء التام على تهديد «حزب الله»، كما سبق ويحاول جيش الاحتلال القضاء على «حماس».
لم تكتف دراسة المركز «الإسرائيلي» التي جاءت تحت عنوان «مفهوم أمني جديد بعد السابع من أكتوبر»، بذلك، بل طالبت بتغيير العقيدة العسكرية للجيش الصهيوني، التي اعتاد على الحروب الخاطفة والعمليات العسكرية الصغيرة، داعية إلى تبديل المفهوم الأمني والعسكري إلى الاعتياد على حروب طويلة، وربما حروب استنزاف مستمرة أمام مَن وصفتهم بـأعداء «إسرائيل».
«7 أكتوبر» جديد
الغريب أن الدراسة السابقة تستند إلى مقولات بن غوريون بشأن الحروب الخاطفة والقصيرة لاستمرار بقاء دولة الاحتلال وسط محيط كبير من الأعداء، لكنها حذرت من استمرار هذه المقولة، مطالبة بتغييرها، في الوقت الراهن، بدعوى أن بإمكان حركات وفصائل المقاومة القيام بـ«7 أكتوبر» جديد، وهو الهاجس الأمني الذي يدفع الكيان الصهيوني لمحاولة تغيير الواقع على الأرض، سواء في غزة أو لبنان، وربما يبقى القوس مفتوحًا (…
اتفق مركز «دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» مع ما نصح به مركز «بيجين السادات» من ضرورة إنشاء شريط أمني شمالي الحدود «الإسرائيلية»؛ أي داخل الأراضي اللبنانية، وتدمير البنية التحتية لـ«حزب الله» وعناصره، وهي مطالب تتجدد، ساعة تلو الأخرى، بدعوى إتاحة الفرصة كاملة لعودة مستوطني الشمال إلى مستعمراتهم.
الجيش الصهيوني أهمل قواته البرية لسنوات
الثابت أن جُل وسائل الإعلام العبرية ترى أن «طوفان الأقصى» رسمت تطوراً غير مسبوق في منطقة الشمال «الإسرائيلية»، نتيجة لإجلاء مئات الآلاف من المستوطنين الصهاينة إلى الفنادق في مدينة إيلات ومحيطها، وسجلت حالة من الفشل الإستراتيجي، وهو ما رصدته دراسة تأثير الحرب البرية في الجنوب اللبناني على مستقبل «إسرائيل لمركز» الدراسات التابع لجامعة تل أبيب.
رغم ذلك، أشارت الدراسة المهمة إلى أن العقيدة العسكرية الصهيونية خلال السنوات الماضية قد أهملت القوات البرية، مؤكدة أن «إسرائيل» تدفع ثمن تقليص وإهمال جيشها البري منذ سنوات، وهو ما تجلى واضحاً خلال الفترة الماضية داخل قطاع غزة، من تكبد الجيش الصهيوني لخسائر فادحة بين صفوفه.
لم يفت الدراسة الإشارة إلى ضرورة السعي في إجراء تسوية سياسية من شأنها أن تؤدي إلى حل لمشكلة الشمال «الإسرائيلي» على أن يكون داخل الجنوب اللبناني، بناء على قرار مجلس الأمن رقم (1701)، حيال إزاحة قوات «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وذلك بالتوازي مع العملية العسكرية داخل الأراضي اللبنانية نفسها.
جنون الجيش الصهيوني أمام إيران ولبنان
في السياق نفسه، خرج بن درور يميني، الكاتب الصهيوني المتطرف، في مقاله له بصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، للدعوة باستهداف المقاتلات الصهيونية للمنشآت النووية الإيرانية، بعدما وصف إيران بـ«رأس الأفعى» التي تثير الصراعات في منطقة الشرق، مطالبًا بعدم الاكتفاء باستهداف لبنان بعد قطاع غزة، وإنما القيام بعملية جنونية تستهدف إيران نفسها.
الدعوة نفسها وجهها سموتريتش، وزير المالية الصهيوني، حينما ادعى أن الحرب الحالية في لبنان ومن قبلها غزة لا يمكن أن تنتهي إلا بعد إسقاط النظام الإيراني وتدمير مشروعه النووي.
نخاف الذهاب للحمام خشية من تفعيل الإنذار
وفي الوقت الذي يطالب مسؤولون وكُتَّاب ومحللون صهاينة بضرب إيران، قبل «حزب الله» وقطاع غزة، فإن الموقع العبري «واللا» قد فضح الدفاع الجوي الصهيوني الذي يتخلى عن جنوده في هضبة الجولان المحتلة أمام الطائرات المُسيرة القادمة من العراق، بعدما نقل الموقع على لسان الجنود الصهاينة تخوفهم من الذهاب للحمام خشية من تفعيل الإنذار! ولا شيء يحمينا من طائرات العراق المسيرة؛ ولم يكتف بذلك، بل طالب الجنود الصهاينة في الجولان، حكومة نتنياهو، نريد أن ننام مثل بقية البشر.
سيكتب التاريخ بأحرف سوداء المجازر الصهيونية في قطاع غزة والجنوب اللبناني وغيرها، في وقت سيسجل التاريخ، أيضاً، بأحرف من ذهب، في الوقت نفسه، كيف يتخوف جنود جيش الاحتلال من الذهاب للحمام؟ خلال دوران عجلة الحرب على البلدين، وإلى أي مدى يرغبون في النوم مثل بقية البشر!