يحظى د. محمد الشَّعَّار، أستاذ اللغويات وعلوم الإسلام في العديد من الجامعات العربية والأوروبية، بمكانة كبيرة في أوروبا، كونه يشغل موقع مدير المعهد الفنلندي للغة العربية وعلوم الإسلام، وإمام الرابطة الإسلامية في فنلندا، وعضواً مؤسساً للمجلس الأوروبي للأئمة، وهو ما يضيف للحوار معه أهمية، عند طرح العديد من القضايا التي تشغل الشباب المسلم في الغرب، والتحديات التي يواجهها الشباب العربي في بلاد المهجر.
«المجتمع» طرحت عليه العديد من التساؤلات في هذا الحوار.
من المعلوم أن أوروبا ملاذ آمن اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، فهل هي ملاذ آمن دينيًّا؟
– ما زالت حرية الأديان وممارسة الشعائر الدينية مكفولة في أوروبا حتى يومنا هذا.
وما قد يبدو أنها من المضايقات، مثل: مسألة الذبح الحلال والختان ما هي إلا أوضاع قائمة، وقوانين سابقة لمجيئنا، وعلى المجتمع المسلم أن يسعى لتغيير تلك الأوضاع بالضغط المجتمعي والمشاركة السياسية، التي من خلالها يمكن سن قوانين تتوافق أو تكاد تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
البيئة الغربية من روافد ثقافتها الأساسية الدين المسيحي، فإلى أي مدى يتماهى الشباب المسلم مع تلك الثقافة؟
– صحيح أن الحضارة الأوروبية مؤسسة على الدين المسيحي بدرجة كبيرة؛ لكنه اليوم بات ثقافة أكثر منه دينًا.
وتاريخيًّا وفي إطار النزاع بين الدولة والكنيسة أو الدنيا والدين خسرت الكنيسة تأثيرها الروحي على شرائح المجتمع، وأصبح الدين أمرًا ثانويًّا في حياة الأوروبي، ويتمظهر ذلك في موقف اللامبالاة تجاه الدين، فالأوروبي ليس على استعداد لنقاشٍ يتناول أمر الدين، أيَّ دين، وقد يصل لحد الإنكار التام للدين؛ ومظهره الإلحاد بمعناه المعروف.
والخطورة هنا تكمن في أن الشاب المسلم الذي نشأ في تلك البيئة ودرس في مدارسها وتشرَّب من أسلوب حياتها يتبنى لاشعوريًّا ذلك الموقف من الدين؛ أي: موقف اللامبالاة، وهذا ليس إلحادًا بمعنى إنكار وجود الإله، لكنه قد يؤدي إلى الإلحاد، إذا طالت الجفوة بينه وبين ربه، وزادت عليه التكاليف الشرعية.
فنحن إذًا في أوروبا لا نعاني من إلحاد الشباب المسلم، لكن نعاني من لامبالاته بالدين.
هذه اللامبالاة من الشباب من أبناء المسلمين على درجات وشرائح، وتظهر أكثر ما تظهر في الأسر غير الملتزمة.
يلاحظ الآن وجود هجرة معاكسة من أوروبا للبلدان المسلمة، ما أسباب ذلك؟
– نعم، هذا صحيح، فلأول مرة في تاريخ الهجرة لأوروبا من البلاد المسلمة تحدث هجرة عكسية بأعداد معتبرة، حيث يعود المسلمون إلى بلادهم أو يهاجرون إلى بلد مسلم آخر؛ ومرجع ذلك إلى محاولة فرض منظومة القيم الأوروبية -إن صح القول- على المجتمع المسلم، ومن هذه القيم ما هو مخالف للإسلام كل المخالفة، مثل: الشذوذ الجنسي وتغيير جنس الذكر والأنثى؛ لذا آثر بعض المسلمين الفرار بدينهم وأولادهم إلى حيث يحفظون على أولادهم دينهم، وإن كانت ظروف المعيشة ثمَّ أقل رغدًا وأضيق عيشًا.
هل هناك رموز إسلامية غربية يمكن أن تمثِّل قدوة للشباب في الغرب؟
– يقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) (يوسف: 7)، والآية لغير السائل ليست آية، بل يمر عليها ولا يراها.
وللأسف، فإن سؤال القدوة غير مطروح بين الشباب من الأساس؛ ذلك لأنهم قد اكتسبوا عادات المجتمع الأوروبي وطريقة حياته، الذي لا يتطلع إلى أكثر من أن يتكسب من وظيفة أو مهنة، ففيم القدوة؟
فإذا توفرت أسباب الحياة العادية -وهي متوفرة- فلا حاجة للتطلع والطموح، اللهم إلا إن كان لاعب كرة -مثلاً- فيكون قدوة للشباب، لا لدينه، بل للكسب المادي والشهرة.
وللمفارقة، فإن أغلب الشاغلين لوظائف مرموقة في أوروبا من المسلمين، وهم من تلقوا تعليمهم في بلدانهم، بينما الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين في أوروبا فيحتلون الوظائف الاعتيادية.
أيهما يمثِّل مشكلة تواجه الشباب في الغرب؛ التطرف الديني أم الإلحاد؟
– قلنا: إن الإلحاد لا يمثل مشكلة في المجتمع؛ بل اللامبالاة، وهذه قد تُحَلُّ بتكثيف برامج التوعية للشباب وخلق بيئة جاذبة لهم.
أما مشكلة التطرف الديني فهي أعمق؛ لأنها تعبير عن نزاع هويات وغلبة نزعات، فلا هو أوروبي ولا هو عربي؛ مثلاً، يعيش بجسده في أوروبا وبعقله في بلد يتأثر بعلمائها وفتاواهم.
والشعور بالتهميش والاضطهاد يلجئه إلى وسائل التواصل الاجتماعي يبحث فيها عن ذاته، فيجد فيها من يغريه بأنه إن انتمى إليه ودعا بدعوته والتزم بمنهجه فهو صاحب عقيدة سليمة تجعله فوق سائر المسلمين.
فلك أن تتصور أن شابًّا وُلد في أوروبا يرى أن الذهاب لسورية للقتال -مثلاً- أيسر عليه من الذهاب إلى ندوة في المسجد القريب منه، كما يرى أن الانعزال عن المسلمين مع من يرون رأيه ويذهبون مذهبه صيانة للدين.
آفة الشرق التعصب المذهبي والطائفي، فهل تنتقل هذه الآفة مع المهاجرين، أم أن الواقع الغربي تجاوزها؟
– في أوروبا عمومًا يسود القانون، ومن هنا فإن التعصب، وإن وُجِد، لا ينمو، وإن نما فلن يخرج عن التعبير السلمي، وهذا مكفول حتى لا يلجأ الناس إلى أبواب خلفية.
هل هناك بطالة تواجه الشباب المسلم بالغرب، كما هي حالهم بالمشرق، أم أن الآفاق هناك أرحب وأوسع؟
– البطالة موجودة بين الشباب المسلم كغيرهم من الشباب، إلا أن معظم الدول تقدِّم ما يسمى بـ«إعانة البطالة» لمن لا يجد عملاً، فالدولة تكفل الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية، فتوفر المسكن والمأكل والمشرب والدواء.
ما مدى اهتمام الشباب العربي المهاجر بالعمل السياسي بالغرب؟ وهل المجال مفتوح أمامهم للمشاركة؟
– مجال المشاركة في العمل السياسي مفتوح على مصراعيه، بل ومرغَّب فيه ومرحَّب به، وتشجع عليه الدول الأوروبية؛ فهي تراه علامة صحية في المجتمع.
لكن الشباب المسلم ينزع إلى عدم المشاركة لعدة أسباب، منها: اللامبالاة، وكذلك النفور من كل ما يتعلق بالسياسة مما ورثه من بيئته الأم، إلى جانب بعض الفتاوى الآتية من بلاد لا سياسة فيها ولا انتخابات تفتي بحرمة الانتخابات؛ لأن فيها تشريعًا بغير ما أنزل الله.
الأسرة أساس المجتمع، فهل من السهل على الشباب تكوين أسرة مسلمة في الغرب؟
– نعم ولا، فالزواج من فتيات مسلمات تحفه التعقيدات، في حين أن الزواج بالأوروبية الأصل فيه أنه يخلو من التعقيدات، لا سيما المادية، غير أن اختلاف الخلفية الثقافية ينشأ عنه عادة خلافات ونزاعات.
ويلاحظ أنه في ظل التغيرات التي طرأت على القيم الأوروبية ومحاولات فرضها على المواطنين بمن فيهم المسلمون، صرنا نلاحظ عزوف الشباب عن الزواج، ومنهم من يحبذ عدم الإنجاب إذا تزوج خشية ألا يستطيع أن يحافظ على أولاده أمام سلطان الدولة الطاغي؛ فالدولة حين تقدم الرعاية الشاملة للطفل ترى في نفسها أنها الأحق بتوجيهه وتربيته، والوالدان ليس عليهما سوى الاعتناء به.
من هنا كثر الجدل والحديث مؤخرًا في السويد حول سحب الأولاد من قبل مؤسسة الرعاية إذا ظهر لها سوء معاملة الطفل.
كلمة أخيرة توجهها للشباب المسلم في الغرب؟
– أيها الشاب المسلم، أنت من حيث أنت تحمل راية الإسلام، وتسعى بذمة المسلمين، فاحرص على صيانتهما، وصيانتهما بأن تكون الطبيب الذي يعالج، والمهندس الذي يبني، والعالم الذي يكتشف ويخترع، ساعتها ينظر الناس إليك بإعجاب لا احتقار، وبإجلال لا استصغار.