– نتنياهو أعلن عن الممر الاقتصادي برعاية أمريكية ضد مبادرة الحزام والطريق الصينية
– الغرب وضع كل إمكاناته منذ اتفاقية «سايكس بيكو» في خدمة المشروع الصهيوني
– عملية «طوفان الأقصى» كشفت عن الغرب أقنعة النفاق والكيل بمكيالين
– الهوية العربية والإسلامية تمنع الغرب والكيان الصهيوني من التطويع الكامل للمنطقة
قال د. سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول: إن «إعادة تشكيل الشرق الأوسط» يُقصد بها تسليم مفاتيح المنطقة ومستقبلها لتحالف تديره الولايات المتحدة الأمريكية ويتسيَّده الكيان الصهيوني محذراً من أن هذا من أخطر المسائل؛ لأن وجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة يعني أن تبقى ممزقة مجزأة ضعيفة منهكة تابعة، غير قادرة على صناعة نموذج حضاري ولا على التقدم العلمي أو الازدهار الاقتصادي.
وبيَّن د. العريان، في حوار لـ«المجتمع»، أن «طوفان الأقصى» جاءت لتؤكد أن الغرب وبكل ما أوتي من قوة يريد أن يُطوِّع هذه المنطقة، وأن يُبقي على المشروع الصهيوني ليتسيّد في المنطقة؛ وبالتالي، فإن الرد الذي لا بد منه يجب أن يكون المقاومة، ونعني بها المقاومة الشاملة والمستمرة، وعليه فسيكون الجميع له دور وعليه مسؤولية، من الشعوب والحكومات والأنظمة إلى الأحزاب والتيارات والعلماء والأفراد.
ما المقصود بـ«إعادة تشكيل الشرق الأوسط»؟
– قبل «طوفان الأقصى» بأسبوعين تقريباً، وتحديداً في 22 سبتمبر 2023م، وقف نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يمسك بيده خريطة ورسم عليها خطّاً بدءاً من الهند ومروراً بالمحيط الهندي والخليج العربي، ثم إلى ميناء حيفا، ومنها عبر المتوسط إلى أوروبا، هذا «الممر الاقتصادي» ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية ليقف أمام مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، والهدف منه كما وقف نتنياهو بغطرسته وأعلن عنه، هو أن يجعل «إسرائيل» هي الحامية لمصالح الإمبراطورية الأمريكية والمهيمنة على المنطقة والمتحكمة فيها، فخطاب نتنياهو كان إعلاناً أن هذه ستكون البنية الجديدة والنظام الإقليمي الجديد للشرق الأوسط، الذي سوف تشرف عليه ويتسيَّده الكيان «الإسرائيلي».
وما خطورة محاولات «إعادة تشكيل الشرق الأوسط»؟
– كما أوضحنا، يُقصد بـ«إعادة تشكيل الشرق الأوسط» تسليم مفاتيح المنطقة ومستقبلها لهذا التحالف الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية ويتسيَّده ويهيمن عليه الكيان الصهيوني، وهذا من أخطر المسائل؛ لأن وجود الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية يعني أن تبقى هذه الأمة ممزقة ومجزأة وضعيفة ومنهكة وتابعة ومسلوبة الإرادة وفاقدة لقوتها وهويتها، كما يجعلها غير قادرة على صناعة نموذج حضاري أو حتى تحرر وطني أو تطوير تجارب ديمقراطية أو تحقيق تقدم علمي أو ازدهار اقتصادي، أو استكمال مقومات مشروع نهضوي من خلال وحدة سياسية أو صياغة نموذج تحرري عالمي، فالكيان الصهيوني لا يمكن له أن يبقى ولا أن يتوسع إلا من خلال إبقاء الدول المحيطة به على هذا النحو من الضعف والاستكانة والتبعية والاستبداد.
ولعل من المهم هنا، أن نوضح أن ما يميز القضية الفلسطينية ويجعلها قضية مركزية تختلف عن بقية القضايا الأخرى للأمة هي طبيعة العدو؛ وبالتالي يجب أن تكون فلسطين القضية المركزية، باعتبار أنها القضية التي ستجيب عن السؤال الأخطر والأهم: هل يمكن أن يكون هناك مستقبل لمشروع أو لنموذج حضاري إسلامي أو عربي يقدم لشعوب المنطقة بل وللبشرية ويكون نابعًا من هذه المنطقة بدون الاشتباك مع المشروع الصهيوني ومواجهته والقضاء على بنيته العنصرية الاستعلائية العدوانية؟
إن المشروع الصهيوني ببنيته وفلسفته وأدواته ما دام موجوداً في المنطقة، فلن تقوم لأي مشروع نهضوي نطمح إليه قائمة، لأنهما مشروعان متناقضان، المشروع الصهيوني لا يريد أن يكون هناك مشروع منافس له؛ لأنه لا يستطيع أن يحيا ويبقى ويستمر وينمو مع وجود مشروع آخر مناقض له في الفكرة والرؤية والفلسفة؛ وبالتالي، هو اعتبر أن ما حدث في «طوفان الأقصى» يعد خطراً وجوديّاً عليه.
وبالنسبة للعلاقة مع الغرب، هل تهدف هذه الإعادة إلى مزيد من التطويع والتبعية؟
– نعم، فلا شك أن الغرب قد وضع كل إمكاناته، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل منذ «إعلان بلفور»، واتفاقية «سايكس بيكو»، في خدمة هذا المشروع، 3 عقود كان الانتداب البريطاني يجوس في أرض فلسطين، حيث كان الهم الأول له تمكين المشروع الصهيوني والتأكد من أنه يمكن أن يستمر وينمو، فلقد ارتفع عدد المستوطنين والغزاة من الصهاينة في فلسطين، من حوالي 25 ألفاً قبل الانتداب إلى 650 ألفاً عشية نشأة هذه الدولة التي جاءت بالحديد والنار، وأقيمت بالمجازر والإبادات ونفي الآخر.
إن هذا الغرب هو الذي مكّن للكيان الصهيوني منذ أن بدأ وحتى الآن، كانت الدول الكبرى هي التي ترعاه، ابتداءً ببريطانيا وانتهاءً بالولايات المتحدة الأمريكية التي تحميه سياسيّاً وتموله اقتصادياً وتسلّحه عسكرياً وبكافة الوسائل، ففي الأمم المتحدة مثلا قدّمت أمريكا للكيان الصهيوني 48 «فيتو» في مجلس الأمن من أصل 87 «فيتو» استخدمتها أمريكا منذ نشأة الأمم المتحدة؛ يعني أكثر من النصف، بالإضافة إلى تقديم كل أنواع الأسلحة والتدمير والخدمات الاستخباراتية واللوجستية والتدريب وكل أنواع الدعم المالي والاقتصادي، بأكثر من 400 مليار دولار، منذ عام 1973م.
نحن نتحدث عن رعاية غربية كاملة لهذا الكيان؛ ولذا جاءت عملية «طوفان الأقصى» لتكشف عن الغرب أقنعة النفاق والكيل بمكيالين.
إثارة الحديث عن إعادة التشكيل، وعلى فترات متباعدة، ألا تعكس أن المنطقة العربية ما زالت عصية على محاولات التطويع بالصورة التي يريدونها؟
– هذا صحيح، والسبب الرئيس لعدم استطاعة الغرب والكيان الصهيوني التطويع الكامل لهذه المنطقة عدة أمور؛ لعل من أهمها أن هذه المنطقة لها هوية، وهي الهوية العربية والإسلامية، يصعب التحكم بها وتطويعها؛ نظراً للتاريخ الممتد لأكثر من 14 قرناً، الذي شكّل هذه المنطقة، ومن الصعب إنهاء هذه الهوية أو طمسها أو تغييرها.
منذ قرن ونحن نعيش ما بين أفول العالمية الإسلامية الأولى التي انتهت مع سقوط الدولة العثمانية، وصعود العالمية الإسلامية الثانية التي ستبدأ من تحرير القدس، بعد تفكيك المشروع الصهيوني، نحن نعيش الآن هذه الفترة أي ما بين العالميتين؛ وبالتالي، من الصعب على الغرب والمشروع الصهيوني في وجود مقاومة وفي وجود وعي بهذه المرحلة، أن يسيطروا على المنطقة أو يُطوِّعوها تطويعاً كاملاً.
ما السبيل لمواجهة محاولات إعادة التشكيل والسيطرة؟
– لا بد أن يكون هناك مشروع حقيقي يقف حائطاً مانعاً وممانعاً لإيقاف هذا النوع من فرض الهيمنة الصهيونية والغربية على المنطقة، كما يجب أن يكون في القلب من هذا المشروع إزالة النفوذ الأجنبي، لا سيما النفوذ الغربي والهيمنة الصهيونية، في كل المجالات؛ سياسيّاً ودبلوماسيّاً واقتصاديّاً وتجاريّاً وثقافيّاً وأكاديميّاً وعلمياً وإعلاميّاً وقانونيّاً وحقوقيّاً واجتماعيّاً ورياضيّاً وفنيّاً، أي على كل المستويات، لا بد من نزع وإزالة هذا النفوذ الأجنبي والصهيوني في كل المجتمعات وكافة الجغرافيات.
وهذا يعني أنه لا بد لكل الأحزاب والحركات والقوى الحية في المجتمعات ومنظمات المجتمع المدني أن يكون هذا مشروعها، وأن تكون كل القضايا الأخرى في مرتبة ثانية، أي أن الأصل في هذه المسألة هو التصدي لهذه الهيمنة الصهيونية والاستكبار الغربي في المنطقة، وهذا يستدعي إعادة قراءة للمشهد في أنه لا يمكن لأي مشاريع حضارية أن تنجح أو تتقدم، بدون مواجهة هذا التحدي، لا بد أن تحقق هذه الشعوب استقلالها الحقيقي وتقيم سيادتها، قبل أن تستطيع أن تشكِّل مستقبلها من خلال مشروع حضاري.
وكيف ترى «طوفان الأقصى» في هذا السياق؟
– «طوفان الأقصى» جاءت لتؤكد هذه القضية؛ وهي أن الغرب وبكل ما أوتي من قوة يريد أن يُطوِّع هذه المنطقة، وأن يُبقي على المشروع الصهيوني ليتسيّد في المنطقة، وليبقي عليها في حالة الضعف هذه؛ وبالتالي، الرد الوحيد هو في المقاومة، والمقاومة الكاملة والشاملة والمستمرة، ليست فقط على المستوى الميداني، وإنما على كل المستويات، وهنا، فإننا نرى أن الجميع له دور وعليه مسؤولية في هذا الإطار؛ من الشعوب والحكومات والأنظمة والأحزاب والتيارات والعلماء والأفراد، فالكل له دوره.
باختصار، هذا المشروع الصهيوني قائم على محددات قوة ومحددات ضعف، ولا بد أن نتعرف على هذه المحددات، لقد كشفت «طوفان الأقصى» أن هذا العدو عنده ثغرات كبيرة، وعنده نقاط ضعف كثيرة جدًّا؛ على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والسردية، أمور كثيرة لدى العدو، كشفتها «طوفان الأقصى» التي جاءت لتعزز فكرة أن هذا المشروع الصهيوني يمكن هزيمته وتقويضه وتفكيكه، ولا بد أن نستفيد مما حدث طيلة العام الماضي، فرغم المعاناة والمآسي والمجازر والتدمير، فإن هذا المشروع يمكن تفكيكه وتحرير كافة فلسطين من قبضته.
وهنا، فإننا أيضاً نقدم الحل الحضاري الذي ينقذ اليهودية من براثن الصهيونية، إن المشكلة أساساً كانت في عنصرية الغرب وعنصرية أوروبا ضد جالياتها اليهودية عبر العصور؛ حيث لم تُرِدْ أن تتخلص من عنصريتها تجاه هذه الجاليات في أوروبا، فأرادت أن تحل مشكلة فائض اليهود عندهم، بأن تجعلها في قلب العالم الإسلامي وتتعامل مع «المسألة الشرقية» وهي القضية التي كانت تؤرقهم دائماً؛ لأنهم كلما استطاعوا أن يسيطروا على هذه المنطقة ويطوّعوها، فإنه سرعان ما تنتفض هذه الأمة وتقوم من جديد وتنتصر عليهم وتطردهم؛ فأرادوا أن يشغلوها بتصدير المشكلة اليهودية لديهم وتقوية المشروع الصهيوني لتبقي على هذه المنطقة ضعيفةً ومفككة ومجزأة وعاجزة عن التصدي لهذا المشروع الصهيوني العدواني الغربي.
نحن نقول: إننا لن نقبل ذلك، ولن نقبل هذا التسيُّد وهذا التحكُّم، إذا لم يريدوا أو يستطيعوا أن يستوعبوا هذا، فليعودوا من حيث جاؤوا، أو ليعيشوا في بلادنا من طنجة إلى جاكرتا كمهاجرين وليس كمعتدين، ولكن ليس على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولا على حساب قيام سيادة لهم أو كيان عدواني أو تحكُّم في هذه المنطقة، هذا مرفوض من شعوب المنطقة؛ التي لن تقبل لنفسها إلا أن تكون صاحبة استقلال وحرية وسيادة ومشروع حضاري عالمي.