كاتبة المدونة: د. صفية الزايد
أثناء نزولي من الطّائرة أجول بنظري يمنة ويسرى بين المقاعد، فألاحظ بقايا طعام ملقيّة على الكراسي أو أرضيّة الطّائرة، أو لربّما أغطية منزوعة هنا وهناك بطريقة غير لائقة، أو علب مشروبات فارغة أحتاج لإبعادها بقدمي لأتمكّن من المرور؛ ممّا يجعلني أتساءل: كيف للإنسان أن يسافر من بلد إلى بلد محلّقاً في السّماء باستخدام الوسيلة الأرقى والأغلى ثمناً ويفتقد إلى قواعد الأدب والذّوق؟
إنّ الأدب والذّوق هما سمة من السّمات الإنسانيّة النّبيلة التي لا تُباع ولا تُشترى، بل تتشكّل من خلال التّربية والقيم التي يتربّى عليها الفرد منذ نعومة أظفاره.
الأدب هو ذلك السّلوك الرّفيع الذي يُظهره الشخص في التّعامل مع الآخرين، وهو يعكس مدى احترامه لذاته أولًا وللبيئة والمجتمع من حوله ثانيًا، أمّا الذّوق، فهو اللّمسة اللّطيفة في التّصرّفات والكلمات التي تُضفي جمالًا على المعاملة الإنسانيّة، وتجعل الشّخص محبوبًا ومقدّراً.
إنّ الأدب والذّوق ليسا من الأشياء التي يمكن الحصول عليها بالمال أو المظاهر الخارجيّة، بل هما من قيم الإنسان التي تتجذّر فيه بفعل التّربية الصّالحة والتّجارب الحياتيّة.
يمكن لأيّ شخص أن يكون ثريّاً بالمال والمكانة الاجتماعيّة، لكنّه إذا افتقد الأدب والذّوق، فإنّ ثروته لا تُكسبه احترام الآخرين أو محبّتهم.. على الجانب الآخر، قد يكون الفرد بسيطًا في ماديّاته، لكنّه بفضل أخلاقه الرّاقية يحظى بتقدير الجميع.
في الحياة، الأدب والذّوق هما ما يُبقيان العلاقات الإنسانيّة متماسكة وسليمة، هما ما يجعلان الشّخص قادرًا على التّفاعل مع مختلف الطّبقات والأعمار بفهم واحترام.
وفي زمن أصبحت فيه القيم الماديّة مسيطرة، يبقى الأدب والذّوق الكنز الحقيقي الذي يُكسب الإنسان سعادة دائمة ومكانة محترمة في قلوب الآخرين. لذلك، فإنّ الأدب والذّوق لا ينبعان من المكانة الماديّة أو الاجتماعيّة، بل هما انعكاس لأخلاق الإنسان وقيمه التي تظهر في كلّ تعاملاته.