الخلافات جزء من التركيبة البشرية، وهي مستمرة على الأرض منذ عهد قابيل هابيل، وقد ورث الإنسان معضلة الخلافات ولا يمكن الانفكاك عنها بسهولة.
والخلافات قد تكون نفسية، أو فكرية، أو اجتماعية، أو عقائدية، أو سياسية أو حتى اقتصادية أو رياضية، وقد تكون فردية، أو جماعية.
ونلاحظ اليوم كماً هائلاً من الخلافات بين الدول وخصوصاً بين الدول العربية والإسلامية، رغم أن أبسط مفاهيم الدبلوماسية تدعو للحوار، وتجنب الخلافات والصراعات والحروب.
والذي يعنينا هنا ليس الخلافات السياسية الكبرى بين الدول، لكن الخلافات الصغرى بين قيادات الأحزاب والمؤسسات والأعضاء والموظفين، وحتى ما بين القيادات أنفسهم!
والخلاف قد يعكس حالة صحية ويقود لنتائج إيجابية مثمرة وناضجة، وذلك حينما تكون القلوب صافية والعقول واضحة وتسعى لخدمة العمل بعيداً عن أمراض المناصب والتنافس السقيم.
ولكن قد يكون الخلاف حالة مرضية وتقود لنتائج سلبية تالفة وسقيمة، وذلك حينما تكون القلوب مريضة والعقول مسمومة وتسعى لتحقيق غايات شخصية بعيداً عن السعي لخدمة العمل والمؤسسة في إطار التنافس المشروع.
ونحاول التركيز على الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر القائمة على اختلاف زوايا النظر للقضية المعروضة للدراسة والمناقشة، وهذه حالة صحية، بل ومطلوبة ومميزة في العمل السياسي الصحيح، فضلاً عن كافة الظروف الإنسانية المحيطة بالأفراد والجماعات.
والخلافات قد تقع نتيجة للمستوى الثقافي والتعليمي والفكري للمختلفين، ولهذا كلما كانت تلك المستويات متقاربة والقلوب صافية قلّت الخلافات على كافة المستويات، وخصوصاً في العمل السياسي والمؤسساتي.
وهنا يفترض أن نتفهم الخلاف بداية بأنه قائم على طروحات بريئة وصافية، ولا نحاول شيطنتها، أو الطعن بأصحابها، لأن هذه النقطة تجعلنا نتقبل الخلاف ونتعلم ونتدرب على التعايش مع الآخرين بوضوح وشفافية.
ومن الآفات الواجب الحذر منها هو التعالي على الآخر، وعدم قبول الرأي المخالف، وهذا نهج دكتاتوري سيكبر بمرور الزمن، وقد يصل إلى مرحلة الانفجار الذي سيهدم العمل السياسي والمؤسساتي من قواعده، وحينها لا يمكن تدارك النتائج الساحقة لآفة عدم قبول الآخر وتجاهله وعدم محاولة الاستفادة من طاقاته الإيجابية وتهذيب الجوانب السلبية في طروحاته وأفكاره.
وأحياناً قد تصل القيادة إلى مرحلة المواجهة الحقيقية مع بعض المشكلات والمعضلات السياسية والمالية والفكرية وحتى الأخلاقية، وهنا ينبغي على القيادة الحكيمة أن تسارع لتطبيق سياسة تسوية الخلافات وحلّ النزاعات بين كافة الأطراف، حتى وإن كانت تلك الأطراف من الشخصيات المهمة والفاعلة؛ لأن أهمية الحفاظ على العمل العام والمؤسساتي أكبر وأعلى وأغلى من أي شخصية.
وهذه المعالجات قد تكون سريعة، وقد تحتاج إلى علاجات متنوعة، وربما، لخطة علاجية توصل بالنتيجة إلى مرحلة التعافي.
وأفضل طرق العلاج هي النصيحة السرية ومحاولة لملمة الخلافات إن كانت شخصية، أما إن كانت عامة فيفترض مواجهتها بكل شجاعة والعمل على تصحيح نقاط الخلل وتقوية نقاط الضعف.
ومن طرق العلاج الناجحة في حال تعقدت المشكلة الاستعانة بالمقربين من المؤثرين والناصحين والحكماء حتى لا تتفاقم الخلافات وتخرج عن السيطرة، وإن فشلوا يفترض، حينها، معالجة الأزمة بـ«الكَيّ» وهو آخر الدواء!
إن احترام الآخر، كائناً مَن يكون، من الأخلاق التي يفترض أن تتحلى بها القيادة فضلاً عن الأدنى منها، لأن المنتسب والموظف الذي يرى القيادة المالكة لقلب كبير وفكر متفتح سيُجبر على أن يتخلق بخلقها، وبالمحصلة سينعكس ذلك على مجريات العمل العام في الكيان السياسي والمؤسساتي.
لنتعلم من الخلافات بأنها رياضة عملية للتربية السلوكية والأخلاقية، ورياضة للأذهان، ولتبادل الآراء وتلاقح الأفكار السياسية والتربوية والإنسانية.
______________________
dr_jasemj67@