يوصف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب بأنه من «أرباب السوابق»، فهو أول رئيس في تاريخ أمريكا مُدان جنائياً بـ34 تهمة جنائية، وليست جنحة، منها 4 قضايا محلية وفيدرالية، وقد يحكم البلاد من خلف القضبان إذا حُكم عليه نهائياً بالسجن!
ورغم هذه القائمة التي تطول، بجانب اتهامه من قبل 26 امرأة بالاعتداء الجنسي، سوف يتوج ترمب، في 20 يناير 2025م، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية! ليتحول بذلك من شخص مدان جنائياً، وملاحق قضائياً في قضايا مختلفة، وسبق أن داهمت المباحث الفيدرالية (إف بي آي) منزله، إلى رئيس أكبر دولة عظمى في العالم، فاز بأصوات تشير لاختيار الأمريكيين لمدان جنائياً ويميني متطرف دينياً.
الآن أصبح ترمب هو أول رئيس أمريكي سابق يدان في جريمة، وأول رئيس منتخب فائز مدان، يعاد انتخابه بعد إدانته جنائياً، ووفقاً لصحف وتقارير أمريكية، هناك معضلة كبيرة، وقد يضم ترمب إلى أجندة الغرائب الخاصة به، مفارقة جديدة هي أن يصبح أول رئيس مدان جنائياً وهو في الحكم، يمكنه من تمرير أي قانون يريده، ومنه العفو عن نفسه.
وكان من المقرر أن يحاكَم ترمب البالغ 78 عاماً في مارس الماضي، لكن القضية تم تجميدها بعدما حاجج محاموه بأن الرئيس السابق تشمله الحصانة من الملاحقة الجنائية.
والرئيس المنتخب ترمب متهم بالتآمر للاحتيال على الدولة وعرقلة إجراء رسمي؛ أي جلسة الكونغرس التي تعرضت لتخريب عنيف من قبل أنصار ترمب، في 6 يناير 2021م.
كما أنه متهم بالسعي إلى حرمان الناخبين الأمريكيين حقهم في التصويت من خلال مزاعمه الكاذبة بأنه فاز بانتخابات عام 2020م، وأدين ترمب بالفعل في نيويورك، في مايو الماضي، بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية للتغطية على دفع أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية، كما يواجه اتهامات في جورجيا تتعلق بمحاولة قلب نتيجة انتخابات عام 2020م التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن.
قضايا مؤجَّلة بلا موعد
ظل ترمب يؤجل 4 قضايا مرفوعة ضده، بعضها جنائية، مثل تحريض أنصاره عام 2020م على اقتحام الكونجرس، وسُجن بعضهم بالفعل، على أمل أن يقوم هو بالعفو عن نفسه، حين يصبح رئيساً عقب انتخابات نوفمبر الجاري، لكن صدر بحقه في مايو الماضي أول قضية بمحكمة نيويورك والخاصة بالممثلة الإباحية وتزوير سجلات تجارية والكذب، 34 إدانة، لكن وبعدما بات محتملاً أن يدخل السجن في حكم نهائي يوم 11 يونيو الماضي، أو تفرض عليه عقوبات حبس منزلي أو غرامه، تم تأجيل الحكم لما بعد الانتخابات.
ثم جاء قرار القاضي في محاكمة ترمب بتهمة المحاولات غير القانونية لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2020م، في 10 نوفمبر الجاري (بعد فوزه)، بتأجيل كل المواعيد النهائية في الجدول الزمني لهذه القضية بعد طلب تقدم به المحقق الخاص، ليؤشر إلى إمكان تعليق إجراءات محاكمته.
وبرر المدعي الخاص جاك سميث طلبه إلغاء المواعيد النهائية في الجدول الزمني إلى الحاجة لمنح الادعاء الوقت لدرس هذا الوضع غير المسبوق وتحديد المسار الواجب اتباعه وفقاً لسياسة وزارة العدل، وقال: إنه سيقدم نتيجة مداولاته بحلول 2 ديسمبر المقبل.
وبدأ المحقق الخاص ووزارة العدل مناقشات لوقف الملاحقات الفيدرالية بحق ترمب، حسبما ذكر عدد من وسائل الإعلام الأمريكية، ولأن وزارة العدل الأمريكية تبنت، منذ أكثر من 50 عاماً، سياسة تقضي بعدم مقاضاة رئيس حالي، يتوقع معظم المعلقين القانونيين في أمريكا أن تمتد هذه السياسة لتشمل حالة ترمب؛ ما سيتيح له الإفلات من الملاحقة القضائية الفيدرالية حتى نهاية ولايته الجديدة.
وقال: إنه ليس من المستبعد بمجرد عودته إلى البيت الأبيض، إما أن يعين وزير عدل جديداً يقيل المدعي الخاص الذي يحقق في قضاياه (سميث)، وإما أن يأمر ببساطة وزارة العدل بإسقاط التهم الموجهة إليه.
وفي أكتوبر 2023م، أظهر ملف قضية فيدرالية ضد ترمب أن سميث اتهم ترمب بالقيام «بجهد إجرامي خاص» لتقويض انتخابات عام 2020م، وينبغي عدم حمايته بالحصانة الرئاسية.
هل يعفو عن نفسه؟!
كان ترمب يأمل أن تعفيه المحكمة العليا من 3 محاكمات جنائية جديدة له، وهناك مخاوف أن يتلاعب بتشكيلة المحكمة ويعين قضاة موالين له، بعدما سيطر حزبه على مجلس الشيوخ؛ ما يعطيه حق تعيين القضاة وموافقة المجلس ومن ثم التحكم في تركيبة المحكمة العليا.
ووفق موقع «إنترسيبت» الأمريكي، في 30 مايو الماضي، سعى ترمب بالفعل لتأجيل القضايا حتى يصبح رئيساً ويصدر عفواً عن نفسه، لكن الإدانات الـ34 التي صدرت بحقه في أول قضية حُكم فيها بمحكمة نيويورك والخاصة بالممثلة الإباحية وتزوير سجلات تجارية والكذب عرقلت خطة ترمب للعفو عن نفسه.
وذكر الموقع أنه يواجه مشكلة أيضاً في القضايا الأربع الأخرى المنفصلة التي يواجه فيها محاكمة واتهامات من قبل الدولة الأمريكية، وهي اتهامات جنائية أخطرها شغب الكونجرس والتمرد، والأدلة في جميع القضايا ضده، وهو ومحاموه يعرفون ذلك.
لكن إستراتيجيته القانونية كانت تتلخص في تأخير القضايا حتى يتمكن من الفوز في الانتخابات الرئاسية، ثم يسيء استغلال سلطاته الرئاسية بسرعة من أجل إنهاء القضيتين الفيدراليتين المرفوعتين ضده، لكن قضايا الدولة تشكل تهديدًا أكبر له، لأنه لن يكون لديه أي قدرة على العفو عن نفسه في حالة فوزه، وفق «إنترسيبت».
لكن مساعد نائب وزير العدل الأمريكي السابق بروس فاين قال لقناة «الحرة» الأمريكية: إن وزارة العدل لا تتعامل على أن الرئيس الأمريكي لديه حصانة، في إشارة إلى أنها تعمل بغض النظر عن قرار المحكمة العليا أن حصانة الرؤساء ضمن مسؤوليات رئاستهم، وأكد أنه حتى الرئيس الأمريكي لا يمكنه العفو عن نفسه؛ لأن هناك مبدأً أساسياً في القانون يعود إلى 500 عام، أن الشخص لا يمكن أن يكون جزءاً بأي قضية بحقه، ولكن بعد تنصيب الرئيس المنتخب ترمب قد نرى تغييراً في بعض الأمور بحسب ما يطلب من وزارة العدل، حيث ستختفي الاتهامات ضده في واشنطن وفلوريدا!
ويوضح فاين أن وزارة العدل الأمريكية هي التي يمكن أن تقرر لائحة الاتهامات على المستوى الفيدرالي، ولكن على مستوى قضايا ولايات جورجيا ونيويورك ستبقى قائمة، ولا يوجد أي حق للرئيس أن يعفو عن نفسه على مستوى الولايات، ونوه بأن ولايات مثل جورجيا التي كانت فيها الأصوات لصالح ترمب قد نرى تحركاً على مستوى الولاية لإنهاء القضايا، وقد يحدث الأمر ذاته في نيويورك؛ قد يرى القاضي أنه من الصعوبة الحكم بالسجن على ترمب، ويقرر التخلي عن القضية، وهذه الأمور بجميعها أصبحت «سياسية» وليست «قضائية».
ويقول فاين: إن ترمب يمكنه العفو عن الأشخاص الآخرين الذين يتشاركون معه الاتهامات ذاتها في القضية في ولاية فلوريدا؛ وهو ما يدفع إلى طرح تساؤل: كيف يمكن للرئيس الذي وفق الدستور عليه تطبيق الدستور، يمكنه العفو عن أشخاص انتهكوا القوانين؟!
وأضاف أنه لو كانت الظروف مختلفة ولم تكن السيطرة للجمهوريين في الكونغرس وكان يسيطر عليه الديمقراطيون كنا سنرى عزلاً للرئيس إذا عفا عن أشخاص حتى لا يواجهوا العقاب.