كاتب المدونة: أبو أحمد فريد
الحياة مليئة بالفرص، لكن كثيراً من الناس ينشغلون إما بالقلق من المستقبل أو بالندم على الماضي، متغافلين عن اللحظة الثمينة بينهما، وهي الحاضر، هذا الحاضر هو المفتاح لتصحيح أخطاء الماضي وتوجيه بوصلتنا نحو المستقبل الذي نطمح إليه جميعاً، كلما اجتهدنا في استغلال لحظات الحاضر، زادت فرص النجاح أمامنا، بينما يقل عدد هذه الفرص عندما نكتفي بالتوقف أو الانتظار؛ لهذا، لا ينبغي أن نهدر الحاضر بالقلق على المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله، ولا أن نثقله بأعباء الندم على الماضي الذي لا نملك إعادته؛ فالحاضر هو السبيل الحقيقي للتحرر من قيد انتظار الفرص وصناعة النجاح بالوعي والسعي.
أنواع الناس في استثمار الفرص
عند دراسة كيفية تعامل الناس مع الفرص بمختلف مجالاتهم واهتماماتهم، نجد أنهم ينقسمون إلى 4 أنواع، كما ذكرها المختصون في دراسات عديدة:
1- المسوّف: تأتيه الفرصة مرة ومرتين، لكنه يظل ينتظر الفرصة الأفضل، وعندما تأتيه لا يزال يترقب التالية، وهكذا يمضي الوقت دون أن يغتنم شيئًا.
2- المتواكل: ينتظر الفرصة أن تأتي إليه وتكون مثالية كالثوب المفصّل؛ يرفض السعي إليها أو التنازل في أي جانب، فلا يبذل جهداً في البحث أو التعديل.
3- المبادر: يرى الفرصة أمامه فيسارع إلى استغلالها، مدركاً قيمة اللحظة وأهمية المبادرة؛ يعرف أن التردد قد يفوته الكثير.
4- المبدع: لا ينتظر الفرص، بل يبادر بصناعتها بنفسه؛ ينتهز كل لحظة، ويستثمر الفرص بذكاء ووعي.
اغتنام الحاضر وصناعة النجاح
هذا السلوك الأخير (النوع الرابع) هو الطريق الأمثل للنجاح، وهو ما يعبر عنه حديث النبي ﷺ: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (رواه الحاكم، والطبراني والبيهقي)، فاستثمار الحاضر هو الذي يميز الناجحين، ويجعلهم قادرين على تحقيق الطموحات والأهداف، وهذا أيضاً يظهر في أقسام الزمن التي أقسم الله بها في القرآن الكريم، مثل «والعصر» و«والفجر» و«النهار»، و«الليل»، وفي العديد من الأحاديث والآثار.
الفرص الفائتة لا الضائعة
في الحقيقة، لا وجود لما يُسمى بـ«الفرص الضائعة»، بل هناك فرص فائتة لم تكن مقدرة لنا في الأصل، وما كان مقدراً لنا هو ما اغتنمناه، وهذا المعنى يؤكده النبي ﷺ بقوله: «وما أخطأك لم يكن ليصيبك» (رواه الترمذي)، ويعززه قول الله تعالى: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) (الحديد: 23)، صحيح أننا كبشر قد نشعر بالأسى على ما فات، لكن الوحي يضبط هذه المشاعر ويجعلها متزنة، بحيث لا تكون في إفراط أو تفريط.
تحويل الندم إلى دافع
الندم والأسى ليسا أمرين سلبيين بالضرورة؛ بل يمكن استثمارهما كحافز للحرص واليقظة في اغتنام الفرص القادمة، علينا أن نجعل الندم درساً للتفكر والتعلم والاستلهام من تجاربنا السابقة؛ ما يعزز قدرتنا على اتخاذ قرارات أفضل لمستقبل أفضل بحول الله وتوفيقه.
الحياة كفرصة وحيدة وأخيرة
في النهاية، تبقى حقيقة أساسية؛ الحياة نفسها هي الفرصة الوحيدة والأخيرة بعدد أيامها وساعاتها ولحظاتها، فهي منحة ربانية لمرة واحدة لا رجوع إليها بعد مغادرتها ولا يمكن أن تتكرر، هذه الحياة تتضمن اغتنام ما فيها من فرص، والاستفادة منها بالعيش من أجل الآخرين وبذل العطاء، الاستثمار في الذات هو الأساس لصناعة الفرص، حيث إن تطوير الذات يزيد من الخيارات المتاحة، ويجعل الإنسان قادراً على صناعة النجاح بوعيه وجهده لدنياه وآخرته ويترك أثراً طيباً لمن يأتي بعده بإذن الله.