جون ليونز (*)
تمكن جيش الثوار من الاستيلاء على مساحات شاسعة من البلاد، واقتحام دمشق وتمزيق صورة حافظ الأسد، الرجل الذي أسس نظاماً وحشياً مستبداً.
مهما كانت النتيجة النهائية لما يجري في سورية، فقد شهد الأسبوع الماضي تغييرات غير عادية.
ضربة قوية لروسيا وإيران
روسيا وإيران هما أبرز الخاسرين، فقد أدت كل منهما دورًا فعالًا في المساعدة في دعم النظام منذ بدء الثورات في عام 2011م.
فبالنسبة لروسيا، تعد سورية أقوى حليف لها في الشرق الأوسط، فهي تمنح موسكو نفوذاً في المنطقة، لقد سمح الأسد لروسيا بالحصول على قاعدة بحرية في طرطوس، وقاعدة جوية في اللاذقية، في مقابل دعم موسكو، وقد منح هذا روسيا وجودًا بحريًا إستراتيجيًا رئيساً في البحر الأبيض المتوسط وقدرة جوية في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة لإيران، فإن هذا يكسر الهلال الشيعي من إيران، عبر سورية إلى لبنان، كان نظام الأسد علويًا، وهو فرع من الشيعة، جعله قربه من إيران أعداء لـ«إسرائيل» والولايات المتحدة.
كيف سقط الأسد؟
قبل أسبوعين، بدا نظام الأسد في دمشق متماسكًا مثل أي نظام في الشرق الأوسط، فقد واجه تحديًا كبيرًا في عام 2011م عندما بدأت الانتفاضة في مدينة درعا الجنوبية، مع حدوث احتجاجات مماثلة في جميع أنحاء البلاد، قمع الأسد تلك الاحتجاجات بوحشية؛ ما أدى إلى إشعال حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد.
وقد ساعدت إيران وروسيا الأسد على التشبث بالسلطة، وتطوعت إيران بمقاتلين تابعين لها، و«حزب الله»، وقد أثبت مقاتلو «حزب الله» فعاليتهم في قتال السوريين، حيث سحقوا العديد من أولئك الذين حاولوا إسقاط الأسد.
وهزم «حزب الله»، بصفته جماعة شيعية مسلمة، عددًا من الجماعات السُّنية المسلمة، ولكن إحدى هذه الجماعات السُّنية «هيئة تحرير الشام»، وجهت ضربة يبدو أنها كانت مميتة للنظام.
كانت الجماعة متمركزة في إدلب، في شمال سورية، ويبدو أن النظام اعتبرها مجرد مصدر إزعاج أكثر من كونها تهديدًا وجوديًا له.
روسيا مشتتة
مهما كانت قدرة المجموعة القتالية، يبدو أنها اتخذت قرارًا صائباً فيما يتعلق بالتوقيت، فالقوى الخارجية التي كان من الممكن أن تصد أي هجوم على النظام -روسيا وإيران و«حزب الله»، كلها تشتت انتباهها بشكل خطير.
فروسيا تركز بشكل شبه كامل على حربها في أوكرانيا، فقد قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب: إنه سيسعى إلى إيجاد حل للحرب بين أوكرانيا وروسيا «في غضون 24 ساعة» من توليه منصبه، ومن المؤكد تقريبًا أنه سيجبر المتقاتلين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومن المرجح أن يستخدم النفوذ المالي الذي يتمتع به على أوكرانيا -من خلال التمويل الأمريكي لأوكرانيا- لإخبار الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه يجب عليه قبول الواقع العسكري الحالي أو المخاطرة بفقدان التمويل؛ وهذا يعني أن أوكرانيا ستضطر إلى التخلي عن 20% من أراضيها التي استولت عليها روسيا منذ غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022م.
عامل ترمب
مع «عامل ترامب» الذي يلوح في الأفق بشأن تلك الحرب، شنت أوكرانيا هجومًا جريئًا على روسيا واستولت على جزء كبير من كورسك، ويبدو أن موسكو تحاول استعادة كورسك حتى لا تتمكن أوكرانيا من استخدامها في أي مفاوضات، بعبارة أخرى، لا تستطيع أوكرانيا أن تقول: إذا أعدتم لنا شبه جزيرة القرم (التي استولت عليها روسيا من أوكرانيا في عام 2014م) فإننا سنعيد كورسك إليكم.
كان هذا هو التفكير وراء ترتيب الزعيم الروسي فلاديمير بوتين لوصول ما يقدر بنحو 10 آلاف جندي من كوريا الشمالية إلى روسيا مؤخرًا كجزء من الدفع الروسي المتوقع لاستعادة كورسك.
إيران متورطة مع «إسرائيل»
ليست روسيا فقط هي التي لديها قدرة ضئيلة على مساعدة الأسد، إن إيران الآن تركز على «إسرائيل» وليس سورية.
وعندما أعلن بنيامين نتنياهو أن «إسرائيل» وافقت على وقف إطلاق النار في لبنان، قال: إن «إسرائيل» ستركز على إيران؛ لذلك، فإن إيران في حالة تأهب لهجوم محتمل آخر من قبل «إسرائيل»، وعلاوة على ذلك، أصيب وكيل إيران الرئيس «حزب الله» بإصابات خطيرة على يد «إسرائيل» في الحرب في لبنان، فقد قتلت «إسرائيل» زعيمه القوي حسن نصر الله، والعديد من كبار قادته العسكريين والعديد من مقاتليه.
ضربة غيَّرت الشرق الأوسط
بينما كانت روسيا وإيران منشغلتين و«حزب الله» ضعيفًا، وجهت «هيئة تحرير الشام» ضربتها، وكم كانت ضربة موفقة، فنادرًا ما غيّرت أي جماعة ثائرة، بضربة واحدة، الشرق الأوسط بشكل شامل كما فعلت هذه «هيئة تحرير الشام».
ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم بما ستأتي به الأيام وسط كل هذه التيارات المتصاعدة من القوى الأصلية والقوى المضادة والقوى المدعومة بالوكالة والسياسات المتصارعة.
________________
(*) محرر الشؤون العالمية في «أي بي سي نيوز».