التعليم الابتدائي ليس مجرد مرحلة عابرة في رحلة الطالب، بل هو البذرة الأولى التي تُزرع فيها القيم والمهارات الأساسية التي تشكل هوية الأجيال القادمة.
في الكويت، يُنظر إلى هذا القطاع باعتباره حجر الزاوية لبناء مجتمع متقدم ومتطور، ومع ذلك، ورغم الجهود المبذولة لتطويره، تظل التحديات قائمة، وكأنها عقبات صامتة تقف بين الحلم والواقع.
منذ تسلمه حقيبة وزارة التربية، أظهر معالي الوزير اهتمامًا كبيرًا بالتعليم الابتدائي، إدراكًا منه لأهمية هذه المرحلة في تشكيل مستقبل التعليم في الكويت، وكان أول لقاء رسمي له مع الميدان التربوي مخصصًا لمديري مدارس المرحلة الابتدائية، حيث استمع باهتمام إلى آرائهم، وتحدياتهم، واقتراحاتهم لتحسين العملية التعليمية، ولم يكتفِ بالاجتماعات، بل قام بزيارات ميدانية للمدارس للاطلاع على واقع التعليم عن قرب، متفقدًا الفصول والمرافق، ومتحدثًا مع المعلمين والطلاب، هذه الخطوات تعكس حرصه على تعزيز جودة التعليم من خلال رؤية شاملة تُبنى على تواصل مباشر مع القائمين على العملية التعليمية.
في خضم هذه الجهود، يبرز التقرير الختامي للجنة تقويم مشروع تطوير المرحلة الابتدائية، الصادر عام 2007م من المركز الوطني لتطوير التعليم، الذي سلط الضوء على التحديات التي تواجه التعليم الابتدائي والإنجازات التي حققها، التقرير أشاد بتحسن ملحوظ في مهارات الطلاب الأساسية كالقراءة، الكتابة، والرياضيات، لكنه لم يغفل عن ذكر القصور في تحقيق الأهداف بشكل كامل، فقد كشفت اللجنة عن ضعف تجهيزات المدارس، وعدم كفاية تدريب المعلمين على المناهج المطورة، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتعزيز دور الأسرة والمجتمع في دعم العملية التعليمية، هذه التحديات لا تمثل فقط عقبات، بل أيضاً فرصة لإعادة النظر وتطوير إستراتيجيات أكثر شمولية.
في ظل النقص الواضح في التجهيزات الحديثة للبنية التحتية المدرسية، تبرز أهمية تفعيل المشاريع الحيوية المؤجلة، مثل مشروع «رخصة المعلم»، الذي كان من المفترض أن يكون نقطة تحول جذرية في رفع كفاءة الكوادر التعليمية وضمان جودة التعليم، ومع ذلك، ما زال المشروع حبيس الأوراق والخطط، وتطوير المرافق المدرسية بما يتناسب مع تطورات العصر يتطلب ميزانيات ضخمة، لكنه استثمار في مستقبل الأجيال، وبناء بيئة تعليمية محدثة ومجهزة يعزز من قدرة الطلاب والمعلمين على تحقيق مخرجات تعليمية متميزة.
وفي هذا الإطار، أثار انتشار خبر عن توجه الوزارة لإضافة مادة الاجتماعيات إلى منهاج الصف الرابع الكثير من الجدل في الأوساط التربوية، هذه الخطوة، رغم أهميتها في مراحل دراسية لاحقة لتعزيز الهوية الوطنية والثقافية، تتعارض مع التوصيات الصادرة عن العديد من الدراسات التربوية، تلك الدراسات تؤكد أن المراحل الأولى من التعليم يجب أن تُخصص لبناء المهارات الأساسية لدى الطلاب، مثل القراءة والكتابة باللغة العربية، والرياضيات، حيث تُعتبر هذه المهارات الركائز الأساسية لأي تقدم أكاديمي مستقبلي.
إضافة مادة الاجتماعيات في هذه المرحلة المبكرة قد يشكل عبئًا إضافيًا على الطالب والمعلم على حد سواء، الطلاب في الصفوف الأولى غالبًا ما يواجهون تحديات في إتقان المهارات الأساسية، وزيادة المواد الدراسية قد تؤدي إلى تشتت تركيزهم وتقليل الوقت المخصص لتنمية تلك المهارات الأساسية، كذلك، فإن إدراج مواد جديدة يتطلب إعدادًا خاصًا للمناهج وتدريبًا إضافيًا للمعلمين، وهو أمر قد لا يكون متاحًا بالشكل الكافي في الوقت الحالي.
التوجهات التربوية الحديثة تركز على ضرورة تقليل العبء الدراسي في السنوات الأولى، لضمان ترسيخ المهارات الأساسية التي يحتاجها الطالب في مراحله التعليمية اللاحقة، لذا، فإن أي قرار لإضافة مواد جديدة في هذه المرحلة يجب أن يستند إلى دراسات دقيقة وشاملة، مع وضع مصلحة الطلاب في المقام الأول، والتركيز على تقوية القراءة والكتابة والرياضيات الآن هو استثمار في بناء جيل يمتلك قاعدة تعليمية قوية تؤهله لاستيعاب مواد أكثر تعقيدًا في المراحل المتقدمة.
اليوم، التعليم الابتدائي في الكويت بحاجة إلى رؤية جريئة تُبنى على أسس علمية ودراسات ميدانية، ورؤية تضع مصلحة الطالب في مقدمة الأولويات، ومع تصاعد الثقة في معالي الوزير، وإيمانه بأهمية التعليم كأداة لبناء الوطن، يبقى الأمل كبيرًا في أن تشهد المرحلة القادمة خطوات جادة نحو الإصلاح، التعليم الابتدائي ليس مجرد مرحلة، بل هو مستقبل وطن، واستثماره بشكل صحيح يعني بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات الغد بثقة وكفاءة.