أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً حول العالم بمعدل شخص كل 40 ثانية
ذكر تقرير جديد لمنظمة الصحة العالمية صدر في سبتمبر 2014م، أن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً حول العالم بمعدل شخص كل 40 ثانية.
ما أسباب الانتحار؟
لماذا ينهي هذا العدد الكبير من الناس حياتهم كل عام؟
هل هو بسبب الفقر، البطالة، انهيار العلاقات وتفكك الأسر، أم بسبب الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية الخطيرة الأخرى؟ هل الانتحار نتيجة لفعل متهور، أم نتيجة لتأثيرات مفسدة للخمر والمخدرات؟ هناك العديد من هذه الأسئلة، ولعل السؤال المنسي هو عن دور الفراغ الروحي في ذلك؟
قد لا توجد إجابات بسيطة لهذه الأسئلة، وقد لا يوجد عامل واحد يكفي لتفسير سبب وفاة شخص منتحراً، فالسلوك الانتحاري هو ظاهرة معقدة تتأثر بعدة عوامل تتفاعل مع بعضها بعضاً، عوامل شخصية واجتماعية ونفسية وثقافية وبيولوجية وبيئية، ولكن المتتبع للمنطقة العربية الإسلامية يجدها أقل المناطق نسبة في الانتحار، حيث نور الإيمان يبدد ظلمات اليأس والقنوط؛ { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ “87”} (يوسف)، { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ “56”} (الحجر)، وكذا الإسلام يثمن الحياة الإنسانية، ويعظم حق الحياة، ويرهب من القتل عموماً ومن قتل النفس خصوصاً، وإذا تمت العناية بتربية الأولاد إسلامياً وكان لهم غاية وهدف وجنة في الانتظار؛ فسيجدون الإيمان بالقضاء والقدر حرزاً، وذكر الله حصناً؛ { أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”28″} (الرعد).
عوامل الخطر
يخلف الانتحار أرقاماً مرتفعة من الضحايا؛ إذ يلقى ما يزيد على 804 آلاف شخص حتفهم كل عام جراء الانتحار الذي يعد يحتل المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب على مستوى العالم(1)، وهناك مؤشرات على أنه مقابل كل شخص بالغ مات منتحراً كانت هناك أكثر ما يزيد على 20 شخصاً آخرين حاولوا الانتحار، ومع ذلك، نظراً لأن الانتحار قضية حساسة، وغير مشروع قانوناً في بعض البلدان، فإنه من المرجح جداً أن يقل الإبلاغ عن محاولات الانتحار، وفي البلدان التي يكون فيها تسجيل الأحوال المدنية جيداً، غالباً ما يصنف الانتحار في أغلب الأحيان على أنه حادث أو ناجم عن سبب آخر للوفاة، ويعد تسجيل حوادث الانتحار عملية معقدة يتدخل فيها العديد من السلطات، أما في البلدان التي لا يوجد بها تسجيل موثوق للوفيات، فإن المنتحرين ببساطة يموتون دون أن يُحصى عددهم.
يقول تقرير المنظمة: إن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية مثبتة جيداً، ويقع العديد من حالات الانتحار بشكل متهور في لحظات الأزمة، وفي هذه الظروف، يكون عامل الخطر هو سهولة الحصول على وسائل الانتحار، وتشمل عوامل الخطر الأخرى التي قد تؤدي إلى الانتحار انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة الحادة أو المزمنة، مثل المشكلات المالية، بالإضافة إلى ذلك، ترتبط حالات العنف القائم على نوع الجنس وانتهاك الأطفال ارتباطاً قوياً بالسلوك الانتحاري، تختلف معدلات الانتحار أيضاً داخل البلدان، وتكون أعلى المعدلات بين من ينتمون إلى الأقليات أو الذين يعانون من التمييز.
كما انتقدت منظمة الصحة العالمية تناول وسائل الإعلام حوادث الانتحار، مثل التفاصيل التي كُشف عنها بشأن انتحار نجم هوليوود «روبن وليامز».
وتختلف نسبة جميع الوفيات الناجمة عن الانتحار ومرتبة الانتحار كسبب للوفاة اختلافاً كبيراً حسب العمر، فعلى الصعيد العالمي، بين الشباب البالغين في عمر 15 – 29 عاماً، يمثل الانتحار 8.5% من جميع الوفيات، ويأتي في المرتبة الثانية كسبب رئيس للوفاة (بعد حوادث المرور)، ولكن في جنوب شرق آسيا يمثل الانتحار 17% من جميع الوفيات بين البالغين الشباب، ويمثل السبب الرئيس للوفاة لكلا الجنسين، وعالمياً بين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 – 49 عاماً، يمثل الانتحار 4.1% من جميع الوفيات ويأتي في المرتبة الخامسة كسبب رئيس للوفاة.
الأزمة المالية
أدت الأزمة المالية التي عصفت بأوروبا وأمريكا الشمالية إلى ازدياد حالات الانتحار لتصل إلى أكثر من 10 آلاف حالة، وذلك تبعاً لباحثين بريطانيين، وأظهرت دراسة نشرت في دورية علم النفس البريطانية أن بعض حالات الانتحار كان من الممكن تفاديها لو حصلت على الدعم النفسي اللازم لتخطي هذه المرحلة؛ لأن بعض الدول لم تشهد ازدياداً في حالات الانتحار، وأكد فريق البحث أن نتائج هذه الدراسة تبين مدى أهمية وجود خدمات جيدة تُعنى بالصحة النفسية، وأجريت الدراسة جامعة أوكسفورد وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي، وحللت بيانات من 24 بلداً في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، وكشفت الدراسة أن خسارة المرء لعمله أو لمنزله أو تراكم الديون عليه من أبرز العوامل التي تدفع المرء للانتحار.
وأوضحت الدراسة أن السويد وفنلندا والنمسا لم تشهد ازدياداً في حالات الانتحار خلال موجة الركود الاقتصادي التي عمّت أوروبا.
إن هذا يكشف أهمية وجود مراكز علاجية نفسية التي تساعد المرء على التغلب على مشكلاته النفسية، وعلى ضرورة أن تعمل الدول الأخرى على الاستثمار في هذا المجال، وتؤمّن التدريب الكافي، وتسدي النصائح للمتضررين من هذه الأزمة الاقتصادية والأكثر عرضة للمعاناة جراء هذه الأزمة المالية(2).
الفقراء أكثر عرضة
الانتحار ظاهرة عالمية ويتأثر به جميع البلدان، وعلى الرغم من التصورات المسبقة بأن الانتحار أكثر انتشاراً في البلدان مرتفعة الدخل، ففي الواقع تقع 75% من حالات الانتحار في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، كما أنه يمثل أحد الأسباب الرئيسة للوفاة في جميع مراحل العمر، وإضافة إلى تأثير ذلك على الأفراد الذين يحاولون الانتحار والذين يلقون حتفهم بسبب الانتحار، فإن الأثر المضاعف القوي للانتحار على الأسر والأصدقاء والمجتمعات والبلدان يكون بعيد المدى.
وفي البلدان الأغنى، يبلغ عدد الرجال الذين يموتون منتحرين ثلاثة أضعاف عدد النساء المنتحرات، لكن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تكون نسبة الذكور إلى الإناث أقل من ذلك بكثير، إذ تبلغ 1.5 رجل لكل امرأة واحدة، وعلى الصعيد العالمي، تمثل حالات الانتحار 50% من جميع الوفيات الناجمة عن العنف بين الرجال و71% بين النساء، ويأتي ابتلاع المبيدات الحشرية والشنق والأسلحة النارية من بين الوسائل الأكثر شيوعاً للانتحار على مستوى العالم، إلا أن هناك طرقاً أخرى يلجأ إليها المقدمون على الانتحار، وتتفاوت غالباً وفقاً للفئة السكانية التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص.
حلول
وترغب منظمة الصحة العالمية في تقليل معدلات الانتحار بواقع 10% بحلول عام 2020م، لكنها حذرت من أن 28 دولة فقط تطبق إستراتيجية خاصة لمنع الانتحار، وقالت «مارجريت تشان»، مدير عام منظمة الصحة العالمية: «هذا التقرير دعوة للتحرك من أجل معالجة مشكلة كبيرة للصحة العامة اعتبرت من المحرمات لفترة أطول مما ينبغي»، وتم توجيه نداء للدول من أجل إتاحة المزيد من الدعم لمن حاولوا سابقاً الإقدام على الانتحار، لكونهم الفئة الأكثر عرضة للخطر.
وقال «جوني بنيامين»، ناشط في مجال مكافحة الانتحار في بريطانيا، لـ«بي بي سي»: «أعتقد أنه يلزم رفع الوعي العام بشأن الانتحار، وكيفية الاتصال بأولئك الذين ربما تراودهم أفكار ورغبة في الانتحار، فالقليل منا فقط يعرف كيف يتعامل مع شخص ما ربما يواجه خطر الانتحار أو يعاني من أفكار ورغبة فيه»، وأضاف: «أعتقد أنه يلزم تعزيز الوعي العام والتعليم في المدارس أيضاً؛ لأن الإحصاءات اليوم تشير إلى أن فئة الشباب هي الأكثر عرضة لخطر الانتحار على وجه الخصوص»(3).
وقالت «أليكسندرا فليشمان»، عالمة في قسم الصحة النفسية وسوء استعمال مواد الإدمان بالمنظمة: «مهما كان وضع الدول حالياً بشأن إجراءات منع الانتحار، يمكن اتخاذ تدابير فعالة، حتى وإن كانت البداية على المستوى المحلي وعلى نطاق صغير».
تحتاج الجهود المبذولة للوقاية من الانتحار إلى التنسيق والتعاون بين قطاعات متعددة في المجتمع؛ القطاعين العام والخاص على حد سواء، بما في ذلك القطاعات الصحية وغير الصحية مثل التعليم، والعمل، والزراعة، والأعمال التجارية، والعدل، والقانون، والدفاع، والسياسة والإعلام، ويجب أن تكون هذه الجهود شاملة ومتكاملة ومتآزرة.
إن مشكلة معقدة مثل الانتحار تحتاج إلى تضافر الجهود، ولكن نقطة البداية – في نظري – هي الاستجابة لأشواق الروح الحَيْرَى الممزقة بألوان الحياة المادية، وهدايتها للإيمان وصراط الله المستقيم، فتسكن وتنجو من كل كرب.
الهوامش
1. First WHO report on suicide prevention. 4 September 2014.
http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2014/suicide-prevention-report/en
2. Recession >led to 10,000 suicides<
BBC- 12 June 2014.
3. A death by suicide every 40 seconds, says WHO
BBC- 4 September 2014.