يوماً بعد يوم تزداد قناعاتي بأننا لا نقاوم الانقلاب، أو أن مصر بلدي الحبيب لا تستبسل في الدفاع عن نفسها ضد بعض الخونة
يوماً بعد يوم تزداد قناعاتي بأننا لا نقاوم الانقلاب، أو أن مصر بلدي الحبيب لا تستبسل في الدفاع عن نفسها ضد بعض الخونة، ممن تسموا بأسماء في سجلات المدني عليها شعار النسر، وأكلوا وشربوا وتمرغوا في خيراتها، ثم بعد أن نمت أطرافهم، واستطالت أظافر الإجرام بداخلهم أخذوا يدمرون الأخضر واليابس في جميع ربوع مصر، والشرفاء في العالم يخيل إليهم.. من خطأ أن مصر تقاوم..
استيقظ أحدهم من النوم.. فوجد الناس يريدون الذهاب إلى أعمالهم.. فأصر على أن موعد النوم قد جاء، وأن الشمس المشرقة في كبد السماء إنما هي قمر يتجسس على سماء الوطن، وقمر تائه في الأساس.. لم يكن المدفع في يده، وخلف ردائه العسكري قد ظهر بعد، فراح الناس يحاولون الفهم، مدمنو المنام بالنهار، والاستيقاظ بالليل انضموا إليه على الفور، كانت بضاعتهم أكثر من رائجة على مدار ستين عاماً، فقط أوجعتهم مقولته وحز في نفوسهم أن الكثير سيكذبونه، ولما سألوه أخبرهم بالسر فتهللت أساريرهم، وراحوا معه يعدون لمظلة هائلة يخفون ضوء الشمس بها..
التأم مع الخائن العميل شلة من المماثلين من أدعياء من مختلف الاتجاهات، واستطاع استقطاب الخائنين مثله من ممتلكي السلاح، والإعلام، والقانون، والشرطة، وما يسمى الفن إلى جواره، وبدأ في محاولة التمادي فوق تراب الوطن شرقاً وغرباً، ملأ الأفق كذباً.. فانبرى الشرفاء للوقوف أمامه، فسبق حكم الله فيه وفيهم، إذ جاء الموت إلى البعض على يد رجاله، والإصابة إلى آخرين، والطرد من العمل، والاضطرار إلى الخروج من تحت سماء الوطن كان مآل مئات الألوف الآخرين.
ووقف الخائن يقول: إن الويل والثبور وعظائم الأمور تنتظر المعاندين.
التلامذة الصغار في المدارس الابتدائية.. تم القبض على رؤوس المعارضين منهم، وهم لم يحسنوا نطق الحروف بعد، من كانت معه مسطرة عليها شعار رابعة تم اعتقاله، ومن بكى أباه وأمه في طابور المدرسة تم طرده منها، فعانى الحرمان منهما ومن الدراسة أيضاً.
أسرة مصرية نقية “صعب عليها” اعتقال أسرة صديق لها، فاصطحب الأب أبناءه الصغار لزيارة أبناء معتقل من أنزه أهل مصر، لكن ضابط الداخلية الخائن لم يعجبه الأمر فقبض على الأسرة الزائرة كلها أثناء نزولها، البنات الصغيرات، الأبناء الذين لا يعقلون “العهر الإنساني”، والجميع تم تقديمهم إلى وكيل النيابة بتهمة إنسانية بحتة، زيارة أسرة محرومة من عائلها.
طلبة المراحل الإعدادية والثانوية من المضارين اجتماعياً وإنسانياً انفجروا بتظاهرات صغرى، فأرهق صدورهم النقية، ونفوسهم البريئة من الحسابات والتدليس.. أرهقتهم قنابل الغاز والاعتقالات، وإيداع مؤسسات الأحداث.
طلاب الجامعة كانوا فجر مصر الحقيقي القادم وطوق أمانهم، وزهرة بستانها، وطوق تحررها، وقمة مجدها، أرهقوا الظالم، وأتعبوا خاصته، فأشعلوها ناراً ضده وما يزالون، أثمرت فيهم فاكهة مصر، وأينع من دمهم نداها وبقلها وقثائها وعدسها بل بصلها ومنّها وسلوها.. البنات لقنوا الخائنين أروع الدروس في الفداء، والاحتماء بأقسام الشرطة من الذئاب، والشباب صالوا وجالوا، وكانت وما تزال رسائلهم واضحة الموت ولا الاستسلام.
في الشوارع.. ما تزال رائحة الورود.. غض دماء الشهداء المدخر لهذا الأوان.. منذ كف الحكام عن حرب “إسرائيل”.
في البيوت كانت الزهور تتفتح خلف الأكمام.. عبر التربية التي أينعت لرجال ونساء مصر كما لم يكونوا من قبل، إن اختفت لقمة الخبز لدى البعض لم تختف المقاومة، برغم خائني الفجر، المسمين بالزوار.
في المستشفيات حار الأطباء مع المصابين ولافظي الأنفاس الأخيرة من مناهضي الانقلاب.
في أقسام الشرطة شهدت الجدران أن أبطال مصر لا يهنون بل لا يحزنون.
في مقار العمل الحكومي.. ما تزال الشفاه تهتف يسقط حكم العسكر.. برغم نار الإبعاد.
في القرى، والشوارع، والحواري، والنجوع، والمساجد، وأحياناً الكنائس، بل في الملاعب ما تزال مصر بخير.
أنكر الطغاة ضوء الشمس لأنها تحدد مكان العدو الأصيل عند الشمالية الشرقية، وهم يريدونها ليلاً ليوهموا الناس بأن العدو أشرف من وطئ الثرى بمصر الإخوان.. ومن دار دورهم، وسار على مسارهم من شرفاء التيار الإسلامي،
أما أن مصر تقاوم فهي أكذوبة كبرى..
إنما مصر تفرض حدودها وقوانينها.. وشمسها المشرقة برغم الجميع..
وحتى تشرق شمس حريتها من جديد.. لا يقولن متوهم: إن مصر تقاوم.
بل إن الانقلاب يقاوم قانون الشرف والثبات في عموم بر مصر وبحرها وسمائها ومآذنها وكنائسها.