مع اقتراب شهر محرم، يتحول بعض الباكستانيين إلى عبادة خاصة، ويتحول كل شيء إلى حزن وسواد، وتمنع حفلات الزواج
مع اقتراب شهر محرم، يتحول بعض الباكستانيين إلى عبادة خاصة، ويتحول كل شيء إلى حزن وسواد، وتمنع حفلات الزواج، وتلغى الأنشطة الثقافية والشبابية، وتتوقف عجلة الحياة الفنية، وتزداد المخاوف لدى السلطات المحلية من أخطار انفجار المواجهات الطائفية فيه، ودخول البلاد في صدام يأخذ طابع العنف الطائفي.
وبسبب سيطرة الشيعة على وسائل الإعلام الباكستانية وأشهر المراكز التجارية وحتى مؤسسات أمنية، فإن الأسبوع الأول من شهر محرم يتحول إلى جحيم لا يطاق بالنسبة إلى الباكستانيين.
ويستغل الشيعة هذا الشهر لإظهار تواجدهم وإبراز قوتهم رغم أن عددهم بين سكان باكستان لا يزيد على 10%، وتعيش باكستان سنوياً في الأيام العشر الأولى من محرم في ظل رعب وخوف وقلق، إذ إن الشيعة يخرجون إلى الشوارع بعشرات الآلاف، متحدين السلطات المحلية، ويتجمعون أمام مساجد أهل السُّنة ومراكزهم الدينية، ويستهدفون صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلقون كلمات نابية في زوجاته عليه السلام، وهي طريقة لاستفزاز أهل السُّنة، وحملهم على الرد ثم إدخال المنطقة في المواجهات الطائفية.
وكانت الجماعات الشيعية قد استفزت أهل السُّنة في محرم الماضي بعد أن تجمعوا أمام إحدى مدارسهم الدينية في مدينة روابندي رغم دعوات أهل السُّنة بمنع حدوث هذا الأمر، لكن التواطؤ من قبل رجال الأمن الشيعية معهم سمح بتجمعهم وإطلاقهم العبارات المخلة بالحياء ضد أهل السُّنة والصحابة والنساء المطهرات؛ لتنفجر مواجهة بينهم، ويقوم بعدها مسلحو الشيعة بالسكاكين والسيوف وغيرها باقتحام مدرسة لأهل السُّنة وإحراقها بالكامل، ثم القيام بقتل طلابها والمسؤولين عنها والتمثيل بجثثهم وإحراقها؛ وهو الأمر الذي كاد أن يفجر حرباً أهلية في باكستان لولا تدخل الجيش وإعلانه حظر التجول في مدينة روابندي.
ومع اقتراب شهر محرم، يشعر الباكستانيون بمزيد من القلق والخوف على مستقبلهم، خاصة بعد رفض زعماء الشيعة الباكستانيين دعوات الحكومة والشخصيات الشهيرة وعلماء دين سُنة وقف اجتماعاتهم أمام مقرات أهل السُّنة والابتعاد عنها وعدم استفزازهم، ويصر الشيعة على أنه لا أحد له الحق في منعهم من تحويل الأيام العشرة الأولى من محرم إلى أيام لتحية الحسين، وإلى إطلاق شتائمهم على معاوية وإلى سب أصحاب الرسول وأزواجه المطهرات.
وكان أهل السُّنة قد رفضوا حضور اجتماعات دعت إليها الحكومة قبل حلول شهر محرم يشارك فيها علماء شيعة والصوفيون وغيرهم، لكن أهل السُّنة رأوا أن حضورهم سيعتبر إضفاء على ما يصنعه الشيعة الذين لم يبالوا بالحكومة، وقرروا مواصلة تحديهم لأهل السُّنة سنوياً.
مؤامرة أجنبية لتفجير فتنة طائفية
وقد كشفت تقارير استخبارية ووسائل الإعلام المقربة من الحكم إلى أن هناك مخططاً أجنبياً لاستهداف وحدة باكستان واستقرارها بتفجير مواجهة طائفية في باكستان.
وتشير التقارير إلى أن الاستخبارات الأجنبية بعد نجاحها في جر العراق إلى هذه الفتنة وإدخاله ليشهد مواجهات بين أهل السُّنة والشيعة، وسقوط عشرات الآلاف من القتلى، قررت في عام 2004م نقل هذه الفتنة إلى باكستان، وجندت لها أشخاصاً من أهل السُّنة وأهل التشيع للمشاركة فيها.
وذكرت التقارير أن الخطة جرى تطويرها وتغييرها وأطلق عليها في عام 2010م اسم اللعبة المزدوجة شاركت فيها الاستخبارات الأمريكية والهندية و”الإسرائيلية”، ثم انضمت إليها إيران في مطلع عام 2013م بعد التقارب الحاصل بينها وبين أمريكا.
وتهدف الخطة المسماة لدى أجهزة المخابرات بـ”اللعبة المزدوجة” إلى إغراق باكستان في الحرب الطائفية، وذلك من خلال تحريض الجماعات المنشقة عن “طالبان” وغيرها اللجوء إلى العنف الطائفي وتوفير الدعم المالي لهم.
وتكمن الخطة في رفع حجم الهجمات على مراجع سُنية وشيعية على السواء، وتحريض الطرفين إلى رفع عدد هجماتهما التي تأخذ الطابع الطائفي.
وكانت باكستان قد شهدت مند حلول عام 2010م تدهوراً كبيراً، وخاصة في شقه الطائفي، ولوحظ أن مدينة كراتشي تحولت إلى معقل لهذه الجماعات التي راحت تستهدف بعضها بعضاً بشكل يومي.
وانتقل هذا العنف إلى مدينة كويتا، لكنه كان بشكل أسوأ؛ حيث أسفر عن مقتل المئات من أهل التشيع بسبب أقليتهم في المنطقة.
واستمر العنف الطائفي يتنقل من منطقة إلى منطقة، وباتت اليوم العاصمة إسلام آباد ومدينة روابندي المجاورة لها أكثر المناطق مستهدفة به، حيث لوحظ أنه منذ مطلع عام 2014م والهجمات تشن على العلماء والمراجع السُّنية، حتى وصل عدد المستهدفين جراء هذه الهجمات إلى 18 شخصاً، بينهم علماء دين وخطباء مساجد وقادة في جماعة أهل السُّنة والجماعة.
ويظهر من خلال محاولة تفجير العنف الطائفي في عاصمة البلاد إلى إعطائه زخماً إعلامياً، وجعله يظهر بشكل أكبر؛ بسبب تواجد مقرات وسائل الإعلام الغربية في العاصمة والمقرات الدبلوماسية وغيرها، ومن خلال نقله إلى العاصمة ستكون له آثار أكبر وأكثر.
الضالعون في العنف الطائفي ومن يقف وراءهم
وعن الضالعين خلف العنف الطائفي والمتورطين فيه، جماعتان اثنتان، هما:
“لشكر جنكوي”: وهي جماعة سُنية متطرفة، ترى أن هدفها الرئيس هو استهداف من يسب الصحابة والنساء المطهرات، ومن ينعتهم بأوصاف لا تليق بمقامهم، ومنذ ظهور “لشكر جنكوي” في عام 2001م وهي تأخذ على عاتقها استهداف المساجد الخاصة بالشيعة ومراقدهم الدينية وتجمعاتهم.
“سباه محمد”: والدور نفسه تقوم به جماعة “سباه محمد” المنضوية تحت لواء مجلس وحدة المسلمين الشيعي في باكستان، حيث تتلقى دعمها العسكري والمالي مباشرة من طهران، ويتواجد زعماؤها في الأراضي الإيرانية، ويعقدون اجتماعاتهم بين طهران ودبي؛ لوضع مخططاتهم الطائفية ومواصلة عنفهم ضد أهل السُّنة في باكستان.
أخطار تفجير العنف الطائفي
ويقول مراقبون: إن هناك خطراً كبيراً يتهدد باكستان، فإلى جانب التهديدات التي يمثلها العدوان الهندي ومسلحو “طالبان” و”القاعدة” والمحتجون في العاصمة إسلام آباد؛ هناك تهديدات حقيقية في تفجير عنف طائفي في البلاد؛ إذ إن الهوة باتت تتسع كل سنة بين السُّنة والشيعة بسبب أعمال القتل، وأن الحكومة بإظهارها الفشل والعجز عن التصدي لهذه الأعمال الطائفية قد تدفع بالبلاد إلى الدخول في مواجهة خطيرة جداً.
ويشعر أهل السُّنة وهم الغالبية في باكستان أن الحكومة تقف إلى جوار الشيعة وتدافع عنهم وتستمع إليهم وتخاف منهم، ومع أهل السُّنة تتعامل معم بمنتهى القسوة وتحاربهم تحت مظلة الإرهاب.
وحتى توفير الأمن لعلماء أهل السُّنة، لم توف به الحكومة كما وعدت، وظلت تقدم الحماية لمراجع الشيعة وزعمائهم، كما أن الحكومة بقيادة “نواز شريف” أظهرت أنها أسوأ من حكومة حزب الشعب في حماية أهل السُّنة والدفاع عنهم؛ إذ إنه لم يشهد سقوط هذا العدد من القتلى في صفوف أهل السُّنة كما هي الحال في زمن “شريف”، وهو الأمر الذي ينظر إليه أهل السُّنة بأنه إما عاجز عن حمايتهم أو متآمر عليهم، وهو الأمر الذي بدا يدعوهم إلى إعلان حماية أنفسهم بأنفسهم دون الحاجة إلى الدولة، وهذا بدوره علامة غير سارة للحكومة وللأمن في باكستان.