ما تكاد تستيقظ يوماً إلا على خبر سقوط محافظة يمنية بيد المليشيات الحوثية العفاشية، وكأنك تتابع جيش التتّار المُدّجج بالسلاح الشديد البطش الوسيع العرش
ما تكاد تستيقظ يوماً إلا على خبر سقوط محافظة يمنية بيد المليشيات الحوثية العفاشية، وكأنك تتابع جيش التتّار المُدّجج بالسلاح الشديد البطش الوسيع العرش، وما ثَمّ في الحقيقة إلا صبية مراهقون من مرتزقة الحوثي وأنصار المخلوع يجتاحون المحافظات: تسليم واستلام! ببطولة حوثية وإخراج المخرج “علي صالح” في مسرحية حقيقية على الأرض وهزلية بدماء الناس ونفوسهم!
يحتار المرء حين يرى محافظات سكانها بالملايين تُسلّم لعصابة مراهقين، وتأتي التوجيهات الرئاسية من الخائن بعدم التعرّض لهم وتسليمهم المراكز الحيوية واستحداث نقاط التفتيش في شوارع المدن كحالة صورية للاحتلال بلا أي موقف شريف سوى صيحات نشاز من ساسة موتى بضرورة تنفيذ اتفاق السلم والشراكة!
ما كان لهذا أن يتم لولا البيئة الحاضنة من حزب “صالح” كالمحافظين وعُقّال الحارات والشرطة العسكرية من تسليم المدن، بغض النظر عن خيانات الدفاع والجيش المفروغ منها والمعلومة مُسبقاً، ما يعني أننا نعيش أزمة هوية وطنية، وانتكاسة مبادئ وراء المنفعة الوقتية التي ستجرّ على اليمن وبالاً لأحفاد أحفادهم!
وبعد كل هذا السقوط ترتسم الصورة كاملة، وتكاد أن تكتمل أنه انقلاب يقوده المخلوع باستخدام ورقة الحوثي كجماعة ضغط موجودة على الأرض يحبها المجتمع الدولي في سورية ولبنان والعراق وكهوف مرّان، ولكي يتجاوز اتهامات “بن عمر” والأحزاب، ويصفو له الانتقام ممن أسقطوه بهذه الورقة!
لقد أعماهم الحقد السياسي على خطورة خطوتهم هذه، فاستحلال الحوثيين بخطوات متسارعة للحديدة، وقبله إطلاق ضباط الحرس الثوري المحتجزين عند الأمن القومي له مغزى واضح، من أن العلاقة بين الحوثيين و”صالح” أو المصالح بينهما بصورة أدّق قد بدأت بالانفصام؛ وهو ما يعني سيل لعاب الخارجية الإيرانية حين رقصت طرباً بهذا الإنجاز، ولم تعد تقنع بالتحالف مع المخلوع بل تجاوزته إلى أبعد من ذلك!
هناك عدّة سيناريوهات للمشهد القادم، بعضها تقول: إن كل ما يجري مسرحية لتلميع “أحمد علي” ابن المخلوع؛ ليدخل بقوة على الخط، ويصبح بطلاً أسطورياً لا فِكَاك من ترشيحه للرئاسة بانتخابات كاسحة، ودعمه إعلامياً لإلحاق هزيمة نسبية بالحوثي، ولعلّ هذا السيناريو تؤيده دول الخليج التي أحست بالخطر الحقيقي الإستراتيجي على حدودها بعد انحناء “الإصلاح” من الضربة التي كانت ستميته وانسحابه من المواجهة، فقد أحسوا بعودة الضربة عليهم.. فهذا الخيار مطروح بقوة، ويدل عليه كثير من تصريحات ساستهم بأن اليمن مكان إستراتيجي وأمنه ضروري! وأن إيران تحتل العراق وسورية واليمن ويجب إيقافها! وقد يكون تخديراً وقد لا يكون! لكن أيّاً كان فهو تأديب من الله جزاء التعدي على خلقه من الغرب إلى الشرق!
يتوهّم المخلوع أنه بتخلصه من قوى الثورة سيعود للحوثي ويتفرّغ له ويصعّد الوضع ضده وربما يرجعه إلى صعدة، لكن كل هذا لن يتم ولن يكون سهلاً طالما إيران قد دخلت على الخط، وهناك ولاء أيديولوجي عقدي من قيادات الحوثيين لطهران، وقد سال لعاب طهران بعد الانتصارات والفوز الباهر كما وصف ذلك رئيسهم “روحاني”، ويدل على هذا جريهم وراء الحديدة الميناء ومحافظات الشمال الجبلية وضباط الحرس الثوري المحتجزين.
لن يتحقق له ذلك، ولن تستطيع دول الخليج الدفع في هذا الاتجاه، طالما أصبحت إيران لاعباً بارزاً في المنطقة، وذاقت نشوة الفوز بعد تجرّعها الهزائم في سورية والعراق، والمتوقع أنه سيكون صراع مصالح وتصفية حسابات، فلن يرضى حزب “صالح” وأحلافه من الإقليم بالتخلي عن تلميع ابنه والحرس الجمهوري وقوات مكافحة الإرهاب التي أنفق فيها عمراً كثيراً من جيب الشعب ومن التسوّل الخارجي، مقابل تمكّن الحوثي من قيادة الدولة، كما لن يرضى الحوثي أو إيران بصورة أدق بتسليم المنهوبات والمحافظات التي استولت عليها والعودة إلى صعدة! بمعنى أدّق؛ إن كل واحد اتخذ الآخر ورقة لتحقيق أهدافه، ولن ينال أحدهما مراده كاملاً لا هذا ولا هذا! بل ستكون “دولة ترقيع ونهب بقدر ما تسطيع”!
وأقلّ ما يمكن أن يحدث بينهما هو تحقيق توازن بين مصالحهم المشؤومة؛ فيُعطى الحوثي وزارات حساسة، فربما تقبل إيران بحسينيات وجامعات وتجنيد كثير من الحوثيين في الجيش، وقد بدأت ملامح هذا على الواقع، ويُعطى المخلوع وابنه وزارات أخرى ورئاسة الدولة.
وغاب عن حزب “صالح” خطأ تحالفهم التاريخي من أن: أصحاب العقائد والأيديولوجيات يهزمون أصحاب المصالح والمنافع، كحزب “صالح” – أنموذجاً – يسهل شراؤه ويسهل بيعه في أسواق اليمن!
هناك سيناريو آخر؛ وهو تسليم الحوثيين فعلاً للرئاسة والجيش بالكامل ولملمة متاع حزب المخلوع وجعله مجرد حزب صوري تحت وصاية ورحمات حكم الحوثي كـ”حزب الله” اللبناني، والتمهيد لتشطير اليمن إلى أقسام جنوبي وشمالي ومنطقة وسط تعيش تحت رحمة “القاعدة”، وهذا النهج تدعمه أمريكا وإيران بقوة عبر سياسة تقسيم “سايكس بيكو” جديدة، أو كما يسمونها “حدود الدم”، وقد بدأ التطبيق في سورية والعراق عبر تدمير الشعوب ومقدراتها، وفرض خارطة حدود جديدة على أساس فرز طائفي ومذهبي، بحيث تكون دويلات صغيرة لا تملك من مقومات القوة والحياة شيئاً إلا رحمة أمريكا والمجتمع الدولي، فضلاً عن تمكين إيران من الشمال ومن رقاب الحركات المجاهدة كالإخوان والسلفيين عبر “دعشنتهم” وتصفيتهم كعربون على التقارب الأمريكي الإيراني الأخير وإبقائها دويلات مستهلكة لا تملك من أمرها شيئاً، وعرضة للتصارع داخلياً ومع جاراتها انتقاماً من “الربيع العربي” الذي أزال عملاءهم المعمّرين لربع قرن أو أكثر!
سيناريوهات عديدة لا توجد لها مصدّات حتى الآن، وكأنك يا ليلى تعيشين بين النعيم وفارس أحلامك!
على الساسة أن يتركوا الوقاحة السياسية من العودة لمربع المبادرة وغيرها التي تجاوزها اتفاق النهب والشراكة، وأن يقلبوا الطاولة في وجه “عبد ربه هادي”، وأن يراهنوا على الشعب، ففيه الخير الكثير بإذن الله، قبل أن يموتوا سياسياً وأخلاقياً ويلحقوا بالجيش البيّاع!
وعلى الشعب اليمني عموماً والتيار الإسلامي في اليمن خصوصاً عدم اليأس والتفاؤل، والعمل لا الجلوس والتألّم على ما وقع والبكاء على الأطلال، بل الإعداد والصبر والمصابرة والمرابطة على القلم والميدان وربما الزناد إن احتيج إليه، وضرب الظالمين ببعضهم، والتفنّن في حرب الإشاعات بين كل من تآمروا على اليمن داخلياً وخارجياً، وليكن نعيم بن مسعود الخزاعي قدوة لنا في هذه المرحلة حين اجتمعت الأحزاب لحرب النبي صلى الله عليه وسلم واستئصال المؤمنين بالمدينة.
نعم المؤامرة كبيرة أكبر من خططنا ومن يمننا، وهناك بقية من عبودية كثير ما تزال في الشعب يفسرها السماح للحوثيين باتخاذ البيوت معسكرات ومن عُقّال حارات المدن، لكن هذه سُنّة الله في التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل، وقد جمع الباطل عسكره وانتفش وعربد في الأرض واتسع الخرق.. وليس لهذا الخرق إلا دعاة الإسلام..