تناول د. سيدي أحمد ولد الأميرالباحث بمركز الجزيرة للدراسات تقريراً حول الأزمة التي وقعت في بوركينا فاسو خلال الأيام الماضية والتي لازالت توابعها مستمرة إلى الآن، وانطلق التقرير من فرضية أساسية وهي أن احتواء الأزمة لن يستمر، فهناك بنود ستعرقل الاتفاق، أهمها بند تسليم أسلحة كتيبة الحرس الرئاسي، وهي أقوى كتائب الجيش وأكثرها تنظيماً، وأشرسها معارضة للحكومة الانتقالية، وكذلك قانون العزل السياسي الذي يستهدف أنصار الرئيس المخلوع بليز كومباوري وهم قوة سياسية واقتصادية واجتماعية لا يستهان بها، هذا بجانب ما تواجهه الحكومة من أزمات أهمها ( تنظيم انتخابات عامة رئاسية وتشريعية شفافة وحرة في شهر نوفمبر القادم، ومنها حل كتيبة الحرس الرئاسي العتيدة، ومنها فتح الملف القضائي المتعلق بتشريح جثمان الرئيس الأسبق توماس سانكارا الذي سيُدخل في دائرة الاتهام عند التحقيق في نتائج التشريح رؤوساً كبيرة من نظام الرئيس المعزول بليز كومباوري).
الاستقطاب داخل الجيش مظهر من مظاهر الأزمة
تحت هذا العنوان أوضح الباحث أن الوضع السياسي الانتقالي في هذا البلد الغرب إفريقي الحبيس منذ يوم الانقلاب في السابع عشر من سبتمبرالماضي إلى حالة من التأزم والترقب فتحت البلاد على مستقبل متوتر، وشدت أنظار دول منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصاراً بالإنجليزية باسم الإيكواس (وبالفرنسية باسم CEDEAO)، فضلاً عن اهتمام فرنسي قديم ومتجدد بمستعمرتها السابقة.
أثبتَ هذا الفصل من الأزمة البوركينابية أن الجيش هو أبرز اللاعبين في المجال السياسي في بوركينافاسو، كما تبين أيضاً أن الجيش ليس على قلب رجل واحد، فهنالك استقطاب قوي داخل المؤسسة العسكرية بين توجهين رئيسيين: فمن جهة توجد كتيبة الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال دِيَنْدَرِيه، الذي كان تولى قيادة الأركان العامة وغيرها من الوظائف السامية في عهد الرئيس السابق بليز كومباوري المطاح به في 31 أكتوبر 2014، وبين سائر فصائل الجيش الوطني الذي يتبع لقائد الأركان العامة الجنرال بينغرنوما زاغري (Pingrenoma Zagré)، والذي يمنح ولاءه للحكومة الانتقالية برئاسة ميشيل كافاندو.
الإيكواس والتفاعل الإقليمي مع الأزمة
إلى جانب دور القيادات التقليدية، نشطت منظمة الإيكواس في التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، فقد ظل وفد الإيكواس ممثلاً في الرئيسين: السنغالي مكي صال والبينيني توماس بوني يايي مرابطين بفندق لاَيْكا بالعاصمة واغادوغو، وعلى اتصال متواصل مع أطراف الأزمة من الحرس الرئاسي ومن قيادات الجيش الوطني وغيرهما من الفعاليات السياسية والمدنية(3). كما كان السفير الفرنسي بواغادوغو: جيل تيبو حاضراً لتطورات المفاوضات ومستجداتها. وكان الهدف الرئيس للمفاوضات يصب في عودة الحكومة الانتقالية إلى الحكم، وفي وقت لاحق تجنيب البلاد مواجهة بين فصائل الجيش المنقسمة على نفسها.
والواقع أن نتائج وساطة الإيكواس تصب في عدة اتجاهات من أهمها: إعادة المرحلة الانتقالية إلى مسارها، والعودة بها إلى حيث وصلت غداة انقلاب السابع عشر من ستمبر؛ وقد جسدت ذلك إعادة ترسيم الرئيس كافاندو في منصبه. ومن تلك الاتجاهات كذلك استصدار عفو عام عن الانقلابيين من ضباط الحرس الرئاسي الضالعين في تأجيج هذه الأزمة (10)، وهو أمر قد لا تنفذه الحكومة الانتقالية التي قررت حل كتيبة الحرس الرئاسي في أول اجتماع لها بعد فشل الانقلاب.
أبرز بنود الاتفاق
من أبرز بنود هذه الاتفاق، البند الذي ينص على تأجيل الانتخابات العامة التي كان مقررة في 11 أكتوبر 2015 إلى 22 نوفمبر 2015، أي أنها أجلت بقرابة شهر ونصف. وهناك بند آخر ينص على إلغاء قانون كانت قد تمت المصادقة عليه في إبريل 2015، ويقضي بمنع العديد من الشخصيات المقربة من الرئيس المخلوع بليز كومباري من التقدم للوائح المرشحين ضمن الانتخابات المقبلة. ومن بين من شملهم تطبيق هذا القانون فاتو دِيَنْدَرِيه زوجة الجنرال الانقلابي، وكذلك صديقه الحميم أدي كومبويغو (Eddie Komboïgo). وتعتبر فاتو من أبرز وجوه حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية والوحدة (CDP) المتأسس سنة 1996 والذي كان الحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع بليز كومباوري، أما أدِّي فليس سوى رئيس الحزب نفسه. وأدّي رجل أعمال قوي ينحدر من نفس المنطقة التي ينحدر منها الجنرال دِيَنْدَرِيه وهي ولاية ياكو (Yako)، وما زال لحزبه المؤتمر من أجل الديمقراطية والوحدة حضور قوي في المشهد السياسي البوركينابي. وقد تمسك زعيم الانقلابيين الجنرال جيلبير دِيَنْدَرِيه بقوة أثناء المفاوضات بهذا المطلب الساعي إلى إلغاء هذا القانون المطالب بإبعاد مقربي الرئيس بليز من الترشح للاستحقاقات القادمة(11).
المصدر:
http://studies.aljazeera.net/