يوم الخميس الأول من أكتوبر الجاري، ليلاً، نفذت مجموعة فلسطينية عملية نوعية قرب مستوطنة “إيتمار” الصهيونية في نابلس، أدت إلى مقتل ضابط مخابرات صهيوني وزوجته.
بعد ذلك، اتسعت المواجهات مع الاحتلال في أكثر من مكان في القدس والضفة الغربية، إثر قيام الشاب مهند الحلبي بقتل اثنين من المستوطنين في القدس، وقيام الشاب فادي علون بمحاولة شبيهة أدت إلى استشهاده.
اندلعت المواجهات مع الاحتلال الصهيوني في مختلف مدن ومخيمات الضفة الغربية، واستشهد اثنان من الشبان في المواجهات في طولكرم ومخيم عايدة، وأصيب 60 فلسطينياً بالرصاص الصهيوني، وأصيب 450 بإصابات أخرى ناتجة عن اختناقات ورصاص مطاطي.
هذه المواجهات ناتجة عن حالة تراكمية يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب استمرار الاحتلال واتساع دائرة عنفه وإرهابه، واستمراره في سياسة تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، ومواصلة الاستيطان.
وهي ناتجة عن ردود فعل بسبب فشل عملية التسوية وعجز السلطة الفلسطينية عن تلبية المطالب الفلسطينية، وظهر ذلك في استطلاع الرأي الذي نشر نهاية شهر سبتمبر الماضي، وأظهر تراجع شعبية “فتح” وعباس، وتقدم شعبية “حماس” وهنية، ودعوة 69% من الفلسطينيين عباس للاستقالة.
أظهرت المواجهات التي امتدت على طول مساحة الضفة الغربية وأحياء مدينة القدس تمسك الشعب الفلسطيني بالمقاومة ورفض الاحتلال والاستعداد لتنفيذ انتفاضة فلسطينية ثالثة، وتمسك بالقدس والأقصى، ووجود معارضة واسعة للتراجع أمام الاحتلال.
وأظهرت الأحداث كذلك قدرة جماهيرية فلسطينية واسعة على ابتكار ديناميكيات تحرك شعبي مقاوم حديثة، تمثلت في المبادرة الفردية والتحرك المقاوم المنفرد، الذي عبر عنه عشرات الشباب الذين أخذوا مبادرات شخصية ونزلوا إلى الميدان بالسكاكين أو الحجارة أو الرصاص لقتل المستوطنين.
وهذا يعتبر تطوراً سياسياً فلسطينياً متميزاً يعبر عن فشل سياسة الاحتلال في قمع قوى المقاومة، وعن فشل سياسة السلطة الفلسطينية وممارسات أجهزتها الأمنية في قمع أصوات المعارضة.
ووضعت هذه الديناميكية سلطات الاحتلال في مأزق كبير، فهذه التحركات الشعبية أظهرت ضعف سلطات الاحتلال في مواجهة الإدارة الفلسطينية، وكشفت خلل الإدارة السياسية في حكومة نتنياهو، وأظهرت ضعف أجهزة الأمن “الإسرائيلية” في تشخيص مكان الخطر.
لذلك سارعت سلطات الاحتلال إلى عقد لقاءات سياسية أمنية موسعة، أدت إلى نشر 4000 شرطي جديد، وإلى إعطاء أوامر بالقمع وإطلاق الرصاص، وسط دعوات “إسرائيلية” لاستخدام أساليب عبدالفتاح السيسي وبشار الأسد في قمع الفلسطينيين.
وكان موقف السلطة الفلسطينية – كالعادة – في غاية السوء والضرر، إذ عملت على قمع التظاهرات، وتفعيل التنسيق الأمني ومحاصرة مواكب الشهداء، وتسليم المقاومين للاحتلال، والتدخل لمنع انتفاضة ثالثة.
في المستقبل، ستسعى سلطات الاحتلال إلى تشديد قبضتها الأمنية وإلى مزيد من العنف، وقد تتخذ خطوات عقابية ضد الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948م، وسوف تواصل تهديدها للأقصى.
في المقابل ستسعى القوى الفلسطينية السياسية والشعبية إلى مواصلة التحركات والاشتباك مع الاحتلال، وقد نشاهد صدامات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي انحازت بالكامل لمصالح العدو.
لكن ذلك لن يؤثر في المجتمع الفلسطيني الذي ابتكر ديناميكيات عمل مقاوم جديدة، تعتبر خطوة تجديدية في مسار التحرر من الاحتلال.