أصدرت الخارجية البريطانية إشعاراً جديداً لمواطنيها خففت فيه من تحذيرات السفر إلى تونس، في مراجعة جديدة والأولى من نوعها منذ إشعارها الذي أصدرته بعد الاعتداء الإرهابي على فندق إمبريال في سوسة، ونصحت فيه بعدم السفر إلى تونس.
وقد جاءت المحاولة الأخيرة لاغتيال أحد نواب حزب نداء تونس، رضا شرف الدين، وأكبر المساهمين في قناة “التاسعة” التي يديرها الإعلامي معز بن غربية، كما لو كانت لثني بريطانيا والدول الأوروبية وغيرها عن الاستمرار في تقييمها الإيجابي للأوضاع في تونس، إلى جانب أهداف أخرى، منها توجيه رسالة لبن غربية نفسه بأنه لا يزال مستهدفاً، وأن أكبر مموليه قد تمت تصفيته، وأنه ينتظره ومن يدعمه والشق الذي ينتمي، في حزب نداء تونس، إليه نفس المصير.
السفر مع الحذر
وقالت السلطات البريطانية في إشعارها الجديد: إنها تنصح بالسفر من عدمه إلى تونس، لكن تحذر من الذهاب إلى المناطق الحدودية مع الجزائر في كل من جبل الشعانبي وغار الدماء وحزوة، وأيضاً المناطق المتاخمة لليبيا على مستوى الذهيبة ورأس جدير، وعلى بعد 5 كيلومترات من الحدود مع ليبيا، وطالبت بريطانيا مواطنيها ورعاياها بالاتصال بالسلطات الأمنية التونسية عند ملاحظة أي شيء مريب.
ويأتي القرار البريطاني بعد يوم واحد من قرار السلطات السويدية رفع إشعارها بالتحذير من سفر رعاياها إلى تونس على إثر مراجعة جديدة لإشعارها الأول، وبينت وزارة السياحة التونسية أن دولة السويد لم تسجل أي حادثة جديدة على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية تهدد أمن رعاياها في تونس عقب اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية السياح الأجانب، وأشار السفير السويدي في تغريدة على صفحته بـ”تويتر” إلى أن بلاده قررت مراجعة تحذيرها من السفر إلى تونس مع ضرورة تفادي المناطق الحدودية بجبل الشعانبي.
يذكر أن عدداً من الدول الأوروبية كانت قد حذرت رعاياها من السفر إلى تونس عقب الهجمات الإرهابية التي لا يستبعد أن تكون أيادٍ استخبارية وراءها، على متحف باردو ونزل سياحي بسوسة في مارس ويونيو الماضيين.
الخبير الأمني، والسيكولوجي، والمحلل السياسي، يسري الدالي، اعتبر في اتصال هاتفي أجرته معه “المجتمع” أن القرارين البريطاني والسويدي، وكل ما يسير في هذا الاتجاه في صالح تونس، كما أنه يأتي بعد انضمام تونس للتحالف الدولي ضد الإرهاب (داعش)، وتابع: الكلمة التي ألقاها الرئيس الباجي قايد السبسي، كانت تسير في الاتجاه الذي ترغب فيه بريطانيا والدول الكبرى بخصوص المصالحة الوطنية، والحفاظ على السلم الأهلي وانتهاج سياسة التوافق على قاعدة “مكة أدرى بشعابها”، وهي الكلمة التي كررها السبسي في أكثر من مكان.
وأردف: يبدو انضمام تونس للتحالف ضد “داعش” كان وراء الموقف البريطاني، وتشبه المكافأة الحينية، واستدرك: يجب ألا ننسى أن لبريطانيا مصالح في تونس، وهناك شركات بريطانية تعمل في مجال النفط والغاز ولا سيما “بريتش غاز”، ومن مصلحة بريطانيا والدول الكبرى أن يكون هناك استقرار في تونس، ويكون هناك توافق سياسي، إذ إن الاحتقان لا يساعدهم في شيء.
وأضاف: بريطانيا من الدول المؤيدة للحكومة الحالية، وهي تواجه العديد من التحديات، ومن شأن القرار الأخير أن يمثل دعماً لحكومة الصيد أو حكومة التوافق التي يمثلها الائتلاف الحاكم (حزب نداء تونس، وحزب حركة النهضة، والحزب الحر الديمقراطي، وحزب آفاق تونس).
الإنجليز.. ومعيار الأمن
وضرب الدالي مثلاً على نفوذ بريطانيا الدولي ودورها في التأثير على الكثير من دول العالم، ولا سيما فيما يتعلق بالأمن، بالدورة الدولية للشطرنج المقررة في مدينة الحمامات التونسية، والتي دعيت إليها 40 دولة، لكن وبسبب تغيب بريطانيا حضرت 7 دول فقط، فغياب الإنجليز أثر على حجم ونوعية الحضور؛ إذ يعتبر البريطانيون مقياساً لمعرفة الأوضاع الأمنية في العالم، فكثير من الدول تسترشد بالموقف الأمني البريطاني، والتقديرات الأمنية البريطانية في المناطق التي تشهد اضطرابات أو أحداثاً أمنية، في ظل التحولات التي تشهدها مناطق عديدة في العالم، من بينها منطقتنا.
الشاعر والباحث عبدالعزيز المدفعي، أكد لـ”المجتمع” أن القرار البريطاني ليس بعيداً عما يجري في المنطقة، ولا سيما تونس، وزيارة الرئيس الباجي، وزيارة رئيس الحكومة حبيب الصيد إلى لندن في وقت سابق، لها علاقة بذلك.. لكن المدفعي لم يستبعد أن يكون الموقفان البريطاني والسويدي من باب دعم خط الباجي قايد السبسي في الصراع الدائر حالياً، والذي يمثل منعرجاً خطيراً في تاريخ الحزب مقارنة بالشهور الماضية.
وقلل المدفعي من أهمية الوفاق السياسي في الرؤية البريطانية، مستشهداً بعدد من السياسيين والمدونين الموجودين داخل السجن، مثل عبدالفتاح سعيد، والذي أدخل السجن بسبب كاريكاتير تناول فيه رئيس الحكومة الحبيب الصيد بعد عملية سوسة التي راح ضحيتها 38 سائحاً معظمهم من البريطانيين، وشدد على أن الاستقرار والأمن والوفاق يستوجب ضمان حقوق الإنسان، والنجاح في امتحان تحمل النقد مهما كان لاذعاً.
وأشار المدفعي إلى أن المحققين البريطانيين مكثوا في تونس لمدة وجيزة، ثم أعقب عودتهم لبريطانيا الدعوة لعدم زيارة تونس، ويأتي الموقف الأخير لأسباب تتعلق بتحسن الوضع الأمني، الذي يجب أن يتحسن معه وضع الحريات والبعد عن مفرزات الاحتقان.