هناك بعض الضوابط الشرعية التي يجب على العاملين في الحقل الإعلامي أن يضعوها نصب أعينهم.
فهناك ضوابط للمُعْلِم وضوابط للمُعْلَم؛ أي: الذي يصله الإعلام، وضوابط للمُعْلَم به؛ أي: المادة التي تريد أن توصلها، وضوابط للأداة؛ أي: اللغة التي تستعملها.
أما المُعلِم فلا بد أن يكون إنساناً مثقفاً حفيظاً عليماً أو قوياً أميناً، قادراً على أن يوصل هذه الرسالة ويعرف أمانة الكلمة ومسؤوليتها؛ ولذلك ينبغي أنه يُختار لهذا العمل الإنسان القادر على حمل هذا العبء، فأحياناً لا تراعى هذه المعايير، بل تراعى اعتبارات معينة أخرى، فبالنسبة للنساء يراعى الوجه الجميل مثلاً، وبالنسبة للرجال تراعى الوسامة وغير ذلك من الاعتبارات التي تخالف المعايير الحقيقية للاختيار.
نستطيع أن نخلص من هذا الأمر إلى أنه يُشترط فيمن يعمل في مجال الإعلام أن تُطبَّق عليه القاعدة التي تُطبَّق على أي وظيفة “إن خير من استأجرت القوي الأمين”، ولا تكفي فقط الكفاءة المهنية، وإنما أيضاً ينبغي توافر الأمانة والالتزام الخلقي.
أما المُعلَم وهو المستقبِل الذي يستقبل الرسالة الإعلامية؛ فلابد أن يكون واعياً بحيث يميِّز ما يصلح له وما لا يصلح، ويكون عنده رقابة ذاتية، والواجب في الحقيقة أن تتدخل الدولة أيضاً لتعمل هذه الرقابة، وإذا لم يحدث هذا فالمستقبل هو الذي ينبغي عليه أن يقول: هذا لا يليق وهذا يليق، وخصوصاً إذا كان إنساناً مسؤولاً عن أسرة وعنده أولاد وبنات، فلابد أن نجنبهم كما نمنع أنفسنا من الأغذية المسمومة أو الملوثة بالإشعاع؛ وكما أن هناك تفتيشاً ورقابة على هذه الأشياء وأحياناً تأتي هذه المؤسسات وتعدم آلاف الأطنان من هذه الأشياء لأنها ضارة.
أنا أرى أن الأغذية الفكرية والوجدانية المسمومة والملوثة أشد خطراً من الأغذية المادية، فالمستقبِل إذا لم يجد من يساعده فعليه أن يساعد نفسه ويمنع أولاده ويبعدهم عن هذه الأشياء؛ مثل أفلام العنف، أفلام الجنس، وكل أفلام المبالغات هذه “فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.
أما المعلَم به فهذه المادة التي ينبغي أن تشتمل على الخبر الصادق، فالكذب وترويج الأكاذيب لا يجوز، والمفروض أن نتحرى الصدق، وليس فقط الصدق في الخبر، فهناك أخبار مهمة تأخذ لمحة ولا تُكرَّر، وأخبار لا قيمة لها تأخذ مساحة كبيرة وتُكرَّر عدة مرات وتُخدَم بتقارير ونحو ذلك، وكثيراً ما نتأثر في ذلك بالوكالات العالمية التي نستقي منها ونصبح عالة عليها، فعملية الخبر وأخذه من مصادره الأصلية ما استطعنا، يعني تحري الدقة في الخبر وإعطاءه ما يناسبه، بحيث تخدم الأخبار والبرامج الأخرى رسالتنا نحن وليست رسالة غيرنا.
نحن نريد ثقافة مركَّزة، ثقافة يقوم عليها أناس مختصون، يقومون بالتثقيف المتنوع في كل ناحية، تثقيف ديني وتثقيف سياسي وتثقيف اجتماعي وتثقيف اقتصادي وتثقيف أسري، في كل النواحي، فلا بد أن يكون هناك توازن، لا نُغلِّب جانباً على جانب.
وهناك أيضاً البرامج الترفيهية والتسلية، فنحن لا نمنع أن تكون هناك تسلية وترفيه وفكاهة وهذه الأشياء وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: “لو دمتم على الحال التي تكونون بها عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة”.
والترفيه إذا كان المقصود به كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “إني لأستجم نفسي باللهو ليكون أقوى لها على الحق”، وكما قال الشاعر:
فاكشف سآمة جِدِّهـا بمزاح والنفس تسأم إن تطاول جِدُّها
فالترفيه لا بأس به؛ ولكن التوسط والاعتدال هو المطلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو: “إن لبدنك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً وإن لزورك عليك حقاً كما أن لربك عليك حقاً”، فهذا التوازن بين الحقوق هو المطلوب أي أن نعطي كل ذي حق حقه.
وأما الأداة فهي اللغة: نحن أمة أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن بلغتنا أي بلسان عربي مبين، وهذه اللغة من مقومات شخصيتنا، بل من أهم مقومات الشخصية الإسلامية بالإضافة إلى الدين واللغة والتاريخ، فاللغة معبرة عنا، واستخدام اللغات العامية في كثير من وسائل الإعلام وإهمال اللغة العربية يعني أننا نكرِّس هذه العامية، وتكريس العامية معناها تكريس التجزئة؛ لأن هناك عامية قطرية وعامية مصرية وعامية لبنانية وعامية عراقية وعامية مغربية.. ولو كل جماعة تكلمت بلهجتها، فهذا لا يمكن أن يوحِّد الأمة فلنوحدها على لغة القرآن على الفصحى.
المصدر: الموقع الشخصي للدكتور القرضاوي على الإنترنت.