عندما تنتصر دولة على عدوها في معركة من المعارك يكون ذلك مقدمة لصعودها وتربعها في مكانة كبيرة لم تكن لها من قبل، أو إذا كانت في مرحلة الانحدار، فإن هذه المعركة تؤجل الانحدار والسقوط مدة طويلة من الزمان، هذا ما عرفناه من كتاب التاريخ.
أما في بلادنا فالأمر يختلف اختلافاً كبيراً، فحرب أكتوبر التي عبر فيها المصريون القناة، ودمروا خط بارليف، وحطموا أسطورة الجيش “الإسرائيلي” الذي لا يُقْهَر، حرب أكتوبر هذه كانت مقدمةً لصعود جديد لـ”إسرائيل”، وانحدار جديد لبلادنا!
فبدلاً من بداية تحرير الأرض، وتحطيم قيود الإرادة مع الانتصار, وبدلاً من بداية ضعف “إسرائيل” وتفكك مشروعها الاستيطاني الإحلالي مع الهزيمة، وجدنا أن معركة أكتوبر كانت مقدمة للتنازل عن كثير من حقوقنا في الأرض، إذ استغل السادات الانتصار ليعلن إقامة سلام مع “إسرائيل”، وبالطبع بشرنا بالخير العميم في حال أقمنا هذا السلام وبالطبع لم نر خيراً، بل انصبت علينا المصائب صباً.
والعجيب أن كل عام يمر تنكشف فيه حقائق جديدة عن علاقات قديمة وحميمة بين قادة العرب وبين “إسرائيل”، وتنكشف لنا فيه أن هذه العلاقات لم تجن منها شعوبنا غير مشكلات وأزمات اقتصادية وسياسية، بشكل يجعلك توقن أنها مشكلات وأزمات متعمدة وليست مما تمر بها عادة الدول والشعوب في حياتها الطبيعية.
ماذا جنى العرب من علاقاتهم بـ”إسرائيل”؟
جنوا منها صراعات لا تنتهي بين الدول بعضها بعضاً.
جنوا منها ظهور الانقسامات الدينية والمذهبية والعرقية.
جنوا منها مزيداً من تدهور أحوال الشعوب، ومزيداً من الغلاء، ومزيداً من قلة الدخل.
جنوا منها مزيداً من الأمراض والمشكلات الصحية الناتجة من زراعة البذور المستوردة من “إسرائيل”.
جنوا منها أن العدو أصبح صديقاً، والأخ والصديق صار عدواً.
جنوا منها أن الاعتداء على الآخرين وسلب حقوقهم صار دفاعاً مشروعاً عن النفس، وضرورة أكيدة لتحقيق المصالح، بينما صار الدفاع عن الأرض والعرض إرهاباً، والمطالبة بالحقوق عداءً للسامية.
وجنوا منها أن الدين صار سبة ينبغي تغيير نصوصه المقدسة، وصارت الحرب عليه وعلى من يلتزم به دليل الاعتدال والإبداع والحرية والديمقراطية والمدنية.
فهل نحن بذلك استفدنا من انتصارنا في أكتوبر؟
نحن لم نستفد من انتصارنا، ولم نخرج منه إلا بالمباهاة الفارغة، والاحتفالات الجوفاء.
نحن الآن نجني الثمار المرة لتخاذلنا ولإهدار حقوقنا وانتصاراتنا، حتى سيطر اليأس على الكثير من شعوبنا، فهل نفيق؟
بني قومي أناديكم وقلبي من الأحداث في هم وضيق
ولكني أرى أملا مشعا يضيء الدربَ كالحُلُم الرفيق
المصدر: “علامات أون لاين”.