أكد محللان نفطيان كويتيان أن مواصلة أسعار النفط ارتفاعها خلال الأيام الماضية يعود لعدة أسباب، أبرزها نجاح اجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) الأخير في الجزائر والاتفاق على تخفيض الإنتاج، إضافة إلى المناورات السعودية في الخليج العربي قبل يومين.
وتوقّع المحللان في لقاءين منفردين مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس أن تواصل أسعار النفط الارتفاع لتصل ما بين 50 إلى 55 دولاراً للبرميل نفط خام القياس العالمي مزيج برنت، مشيرين إلى أن اجتماع (أوبك) في نوفمبر المقبل سيرسم ملامح السوق النفطية.
وقال المحلل النفطي محمد الشطي: إن مؤتمر (أوبك) الاستثنائي في الجزائر يعد علامة فارقة في تاريخ المنظمة وبداية لتغير إستراتيجيتها من الاعتماد على ديناميكية السوق التي أقرت في 27 نوفمبر 2014 بهدف استعادة التوازن إلى إستراتيجية أخرى لتحقيق الهدف ذاته.
وأضاف الشطي أن الإستراتيجية الجديدة تسعى لتحقيق أهدافها بفاعلية أكبر بالنظر إلى حجم الفائض والمخزون النفطي، إذ تقوم على أساس تنظيم المعروض في السوق لاستعادة التوازن بالتعاون مع منتجين من خارج المنظمة مثل روسيا وربما النرويج وعمان ودعم تعافي الأسعار والتخفيف من حدة تذبذبها.
وأوضح: دول (أوبك) ستتابع مشاورات مع دول من خارجها لإجراء تخفيضات تضمن استعادة توازن السوق وذلك على هامش مؤتمر الطاقة المقرر عقده في مدينة اسطنبول بتركيا خلال الفترة من 8 إلى 13 أكتوبر الجاري وذلك في إطار استثمار ما تم التوصل إليه في اجتماع الجزائر.
وأشار إلى أن مؤتمر الجزائر وضع معالم مرحلة جديدة يراها المراقبون تحركاً إيجابياً، حيث تحتاج السوق إلى دور فاعل لـ(أوبك) لضبط المعروض في أسواق النفط.
ولفت إلى أن استجابة السوق النفطية تتناسب مع تناغم جديد داخل المنظمة يشجع على إمكانية الحوار الفاعل داخلها مما يعطي السوق أجواء التعاون بدلاً من التنافس وهو ما يساهم في وضوح الرؤية ويقلل من الضبابية.
وبين أن المسؤولية في السوق جماعية، وكذلك الفائدة المرجوة علما بأن الوفرة النفطية في أسواق النفط هي مسؤولية المنتجين من داخل وخارج (أوبك).
مؤتمر الجزائر
وذكر الشطي أن مؤتمر الجزائر أكد على أن علاج اختلال ميزان الطلب والعرض في أسواق النفط بدأ وأنه رسم معالم الطريق وآلية عمله، إذ شهدت تقدماً قبل مؤتمر (أوبك) بنهاية نوفمبر المقبل، حيث من المتوقع أن يشهد ذلك المؤتمر ميلاد اتفاق واضح يسهل على السوق الاسترشاد للمرحلة المقبلة.
وحول التطورات التي أدت لارتفاع سعر برميل النفط بشكل عام وخصوصاً الكويتي لأكثر من 45 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ 19 أغسطس 2016، أفاد بأنها متعددة وأولها نجاح المؤتمر الوزاري الاستثنائي لـ(أوبك) في الجزائر بتحديد سقف الإنتاج للمنظمة بين 5ر32 إلى 33 مليون برميل يومياً.
وأشار إلى أن ذلك أعاد للسوق من جديد مفهوم دور المنظمة في تنظيم الإمدادات وبدايات التناغم بين أعضائها في اتجاه استعادة توازن السوق من جديد والمتوقع في النصف الثاني من عام 2017 نتيجة تقييد المعروض واستمرار تعافي الطلب العالمي على النفط.
وبيّن أن من عوامل ارتفاع الأسعار أيضاً عودة بيوت المضاربة والاستثمار للنشاط وسط انطباعات جدية حول اتفاق (أوبك) في زيادة عقودها النفطية في الأسواق الآجلة والاستفادة من الأجواء الإيجابية التي أعقبت مؤتمرها.
وأوضح أن من العوامل كذلك التصريحات الإيجابية التي صدرت عن القيادة السياسية في كل من إيران وفنزويلا لتضمن مواصلة الجهود استقرار الأسواق وتعافي الأسعار والتفاوض مع الدول من خارج المنظمة لاستعادة توازن الأسواق من جديد.
ورأى الشطي أن التصريح الأخير لمجلس الوزراء السعودي يضيف مصداقية لاتفاق (أوبك) بتأكيده استمرار العمل لاستقرار الأسواق والأسعار التي تصب في مصلحة الجميع ومصلحة الاقتصاد العالمي كما يشير إلى استعداد السعودية للتعاون بصورة جماعية مع المنتجين لتحقيق هذا الهدف.
وقال: إن سحوبات المخزون الأمريكي من النفط وارتفاع واردات الصين من النفط الخام من البوادر الإيجابية التي ساهمت أيضاً بارتفاع الأسعار.
وأضاف: يجب أن لا نغفل حقيقة وجود التخمة في السوق النفطية والمتمثلة في مستويات قياسية للمخزون النفطي واستمرار رفع الإنتاج وفق خطط إستراتيجية للمنتجين، وأنها تحتاج إلى وقت لسحبها واستيعابها لاستعاده التوازن.
عبث التوقع
وذكر الشطي أن من العبث التوقع بارتفاع كبير لأسعار النفط الخام ووصولها إلى مستوياتها السابقة، متوقعاً أن يدور نفط خام برنت ضمن فلك الـ50 دولاراً البرميل إلى منتصف العام المقبل، مشيراً إلى أن تحقق التوازن وانحسار الفائض هو افتراض معقول وواقعي، وأن هذا المستوى لبرنت يعادل نحو 45 دولاراً لبرميل النفط الكويتي للتصدير.
وأوضح أن أسواق النفط فيها مخاطر قد تؤدي إلى رفع الإنتاج مثل تحسن الأوضاع الجيوسياسية وتعافي إنتاج النفط في ليبيا قريباً، إضافة لإعلان إيران رفع مبيعاتها من النفط الخام من 5ر2 مليون برميل يومياً إلى 8ر2 مليون برميل يومياً، علاوة على رفع العراق مبيعاته من النفط الخام.
وبيّن الشطي أن هناك ثلاثة معطيات لا يجب إغفالها وهي أن الإنتاج الشهري لا يعبر عن وتيرة ثابتة في الإنتاج والتصدير، كما أن الأوضاع في ليبيا ونيجيريا مازالت بعيدة عن الاستقرار، إضافة إلى أن اتفاق (أوبك) في الجزائر يفرض الالتزام بسقف محدد لخفض مستويات الإنتاج.
ولفت إلى أن من المخاطر التي قد يتعرض لها السوق استمرار روسيا في تحقيق مستويات أعلى للإنتاج الذي ارتفع ليصل إلى 1ر11 مليون برميل يومياً في سبتمبر الماضي مقابل 7ر10 مليون برميل يومياً في شهر أغسطس الماضي، أي بزيادة مقدارها 400 ألف برميل يومياً.
ورأى أن تركيز السوق النفطية خلال الأشهر المقبلة سينحصر في النجاح بترجمة اتفاق (أوبك) ليكون واقعاً يقلل من المعروض في أسواق النفط ومراقبة مستويات المخزون النفطي في العالم سواء الولايات المتحدة أو البلدان الصناعية أو الأسواق الواعدة للتأكد من تواصل السحوبات من المخزون باتجاه التوازن.
وذكر أن التركيز سيكون أيضاً في مراقبة الإمدادات من خارج (أوبك) خصوصاً من روسيا والولايات المتحدة، حيث يستمر عدد منصات وأبراج الحفر في الزيادة وإمكانية تغير مسار نشاط إنتاج النفط الصخري ومراقبة مبيعات السوق الفورية.
من جهته، قال المحلل النفطي عبدالحميد العوضي أن من أهم أسباب ارتفاع أسعار النفط خلال الأيام الثلاثة الماضية تلك المناورات البحرية التي تقوم بها القوات الملكية البحرية السعودية في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب المطلة على مضيق هرمز.
ورأى العوضي أن المناورات السعودية في الخليج ولقربها من مضيق هرمز دفعت السوق النفطية للارتفاع لما تمثله هذه النقطة من حساسية كبرى، مشيراً إلى أن (هرمز) من أهم الممرات المائية في العالم، لكونه يتحكم بمرور ما لا يقل عن 19 مليون برميل يومياً من النفط الكويتي والسعودي والإيراني والعراقي والقطري والإماراتي بما يعادل مرور 15 ناقلة نفط يومياً.
وأفاد بأن هناك حوالي ثلاثة ملايين برميل يومياً بحدود خمس ناقلات مشتقات بترولية تمر عبر (هرمز)، إضافة إلى الغاز الطبيعي الذي تعد إيران وقطر من أكبر الدول إنتاجاً له، حيث تمر حوالي أربع ناقلات غاز يومياً من المضيق.
وبيّن أن الخليج العربي يعد ثاني أكبر محطة عالمية لتزويد الناقلات والسفن التجارية بزيت وقود السفن، وهو ما يشكّل أهمية عالمية قصوى لمضيق هرمز في إمدادات الطاقة.
استمرار بالصعود
وأشار إلى أن أسعار النفط ستستمر بالصعود حتى نهاية الأسبوع الحالي، وأنها قد تصل إلى مستوى 52 أو 53 دولاراً للبرميل، متوقعاً عودتها للتراجع إذا لم تف بعض الدول بتعهداتها تجاه المجتمع الدولي بالعمل على تحسين مستويات الأسعار.
وأضاف أن الأسعار ارتفعت بما يزيد على ثلاثة دولارات للبرميل بعد اجتماع (أوبك) الأخير في الجزائر للوصول إلى اتفاق، مؤكداً أنه وعلى الرغم من أن الاتفاق يسمح لبعض الأعضاء بزيادة الإنتاج مثل ليبيا ونيجيريا للوصول إلى مستويات إنتاجها السابقة، إلا أن الأسعار ارتفعت.
وذكر أن روسيا واصلت زيادة إنتاجها حتى حققت أعلى مستوى لها منذ فترة الثمانينيات، حيث وصل إنتاجها إلى 11ر11 مليون برميل يومياً من بداية الشهر الجاري.
وأشار إلى أنه حدثت أمور مشابهة خلال سنوات ماضية من حيث عدم التزام بعض الدول باتفاقيات خفض الإنتاج أو تثبيته ففي عام 1998 عندما هبطت أسعار النفط من 22 دولاراً للبرميل إلى 9 دولارات واضطرت دول (أوبك) حينها لخفض الإنتاج بمقدار 4ر1 مليون برميل يومياً لدعم ارتفاع أسعار النفط، فيما تخلفت روسيا عن هذا الاتفاق رغم تعهدها بعدم ضخ المزيد في الأسواق النفطية.
وأضاف أن هذه الحالة تكررت في عام 2008 عندما تعرض العالم لأزمة اقتصادية كبرى هوت بأسعار النفط من 147 دولار إلى 37 دولاراً في ديسمبر من نفس العام ما اضطر دول (اوبك) لعقد اجتماعات مكثفة مع دول من خارجها للحد من تدهور الأسعار حيث خفضت المنظمة إنتاجها حوالي أربعة ملايين برميل يومياً على مرحلتين، وكانت كل من النرويج والمكسيك وبريطانيا ساهمت في الخفض ولم تبد روسيا حينها أي تعاون في خفض إنتاجها عن مستوى عشرة ملايين برميل يومياً إلا بقدر ضئيل جداً لا يزيد على 20 ألف برميل يومياً.
يُذكر أن سعر برميل نفط خام القياس العالمي مزيج برنت أرتفع أمس عند التسوية 99 سنتاً ليصل إلى مستوى 86ر51 دولار للبرميل، كما ارتفع سعر الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 14ر1 دولار ليصل إلى مستوى 83ر49 دولار للبرميل، في حين ارتفع سعر برميل النفط الكويتي أمس 93 سنتاً ليبلغ 46ر46 دولار أمريكي مقابل 53ر45 دولار للبرميل في تداولات الثلاثاء الماضي وفقاً للسعر المعلن من مؤسسة البترول الكويتية.