المصائب لا تأتي فرادى.. ففي الوقت الذي يواجه فيه الصومال أزمة جفاف ومجاعة طاحنة، بدأت أمراض قاتلة في الانتشار بين الكبار والصغار، وبينها “الإسهال الحاد”.
في مستشفى “بنادر للأمومة والطفولة” بالعاصمة الصومالية مقديشو، يقف الأطباء والممرضون في حالة تأهب قصوى لاستقبال حالات إسهال حادة تصيب الأطفال والكبار.
أطفال يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة وآباء يحملون فلدات أكبادهم بين أيديهم، وآخرون يرقدون أياماً مع أطفالهم الذين يستعيدون أنفاسهم من مرض محدق كاد يخطف أرواحهم البريئة.
ويواجه الصومال ثالث أزمة مجاعة منذ 25 عاماً، وتقول بعض المصادر الرسمية إنها قد تكون الأسوأ من نوعها منذ استقلال البلاد عام 1960م، بسبب ندرة المياه مع تأخر موسم هطول الأمطار لعامين، جنوبي البلاد.
وقدرت الأمم المتحدة أعداد الصوماليين المهددين بالمجاعة والجفاف نحو 6 ملايين شخص أي أكثر من 40% من السكان، فيما بلغ أعداد الأطفال الذين يتهددهم خطر أزمة سوء التغذية نحو 300 ألف.
الأم جوني أبوكر تلازم طفلتها بالمستشفى، بعد أن أسقط الإسهال الحاد جسدها النحيف قبل يومين، لكن اليوم تبدو الأم مسرورة وتشكر كل من يقترب منها، تلك هي بسمة أمل أعادها لها الأطباء، فحياة ابنتها كانت قاب قوسين من شفير الموت.
تقول جوني لـ”الأناضول”: إن حالة ابنتها فاجأتها في دجى الليل، “كان الإسهال شديداً، لم يكن بمقدورنا إسعافها، ولم يكن بالقرب منا صيدليات أو مستشفى، ففي الصباح أحضرتها إلى هذا المستشفى، وبعد ذلك أسعفها هؤلاء الأطباء”.
وبينما تواصل الأم حديثها، يهرع فجأة أفراد الطاقم الطبي لإسعاف حالة جديدة، أب يحمل ابنته وهي في حالة يرثي لها، فبعد وصول حالة خطرة، لا مداومة مع المرضى القدامى، والكل يضع اهتمامه في إنقاذ الجدد من خطر الموت.
يقول الأب علي أدم: إن ابنته أصابها إسهال، “ولم نكن على علم بحالتها، ففي ظلمة الليل سمعنا أنينها، أعطيناها بعض الأقراص لتهدئة حالتها، لكنها ساءت”.
“لم نتمكن من الوصول إلى المستشفى ليلاً، لقلة الحيلة وضعف الإمكانيات، أتيت بها إلى المستشفى في الصباح”، يتابع الأب، وبعد برهة من الزمن تستفيق البنت التي تناهز تسعة أعوام، من غيبوتها بعد أن تلقت العلاج، ووالدها يتنفس الصعداء بعد ساعات كاد هو الآخر أن يفقد وعيه.
ويبين الأطباء أن الجفاف وشرب المياه غير النظيفة، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة الشهر الحالي، عوامل تجمعت لترفع أعداد الإصابات، محذرين من انتشار المرض على نطاق أوسع مع تفاقم المجاعة والجفاف.
يقول الطبيب عيسى آدم، المشرف بقسم الطورائ بمستشفى “بنادر”: إنهم يستقبلون يومياً نحو عشرين حالة جديدة من المصابين بالإسهال الحاد، بالإضافة إلى بعض الأمراض المعدية الأخرى.
ويشير إلى أن الطاقم الطبي يوفر كل ما لديه من طاقات ويسعى لتوفير خدماته بالمجان للمتضررين من كارثة الجفاف بالصومال.
ورغم الجهود الجبارة التي يبذلها الأطباء والممرضون في مستشفى “بنادر للأمومة والطفولة”، إلا أن نقص المعدات الطبية وغياب العدد الكافي من الكادر الطبي، كلها مشاكل تمثل تحدياً كبيراً أمام خدمات المستشفى، الذي لا تتواجد فيه الهيئات الطبية الخيرية.
ويضيف الطبيب الصومالي أنه رغم قلة الإمكانات الطبية في المستشفى، لكن الأطباء والممرضين يبذلون ما لديهم من جهد في حدود الإمكانات والطاقة المتاحة لإعانة هؤلاء المرضى.
ويعد مستشفى “بنادر” أحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة الصومالية، وعمل على مدى سنوات طويلة لتوفير الخدمات الطبية للأمهات والأطفال، ويعاني من قلة الإمكانات ونقص في الكوادر الطبية المؤهلة.
ويُعتبر الإسهال من أكثر الأمراض شيوعاً بين الأطفال ويؤثر فيهم من مختلف المراحل العمرية، ويكون أشد خطرا على الصغار ممن هم دون سن الخامسة بسبب ارتفاع نسبة الماء في الجسم.
وتتسبب نوبات الإسهال المتكرر وما ينتج عنها من سوء التغذية بإنهاك الطفل وإضعاف مقاومته ويعجز عن تعويض ما فقده الجسم من مواد غذائية ضرورية، سوائل وأملاح، وقد ينتهي به الأمر إلى الوفاة.
ولا توجد أرقام رسمية حول أعدد الوفيات جراء “الإسهال الحاد”، خلال الأيام الماضية، بالصومال، غير أن مصادر طبية تقدرهم بالعشرات، أغلبهم من الأطفال والمسنين.
وأعلن الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، في وقت سابق من مارس الجاري، أن البلاد تعاني من كارثة وطنية، داعياً المجتمع الدولي إلى بذل جهوده لإنقاذ حياة الملايين من كارثة المجاعة.
كما كشف رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، أن نحو 110 أشخاص لقوا حتفهم خلال يومين، جنوبي البلاد، بسبب المجاعة والجفاف، الأمر الذي أثار صدمة في نفوس الكثير من المواطنين، وسط دعوات بأداء صلاة الاستسقاء والصيام.