كاتبة سعودية: مؤلفو «غرابيب سود» لم يتحققوا من صحة ما أوردوه لتكون النتيجة إساءة إلى تعاليم الإسلام
جمال قطب: دراما رمضان تعلن الحرب على القيم والأخلاق.. وعلى الدعاة التحرك لإنقاذ المجتمع
رئيس هيئة العلماء السوريين بلبنان أفتى بتحريم مشاهدة «غرابيب سود» لتحويره مفاهيم الإسلام الصحيحة
«رتبنالك رمضان».. هذا هو الشعار (السلوجان) الذي رفعته إحدى الفضائيات العربية للترويج لخدمة أطلقت عليها «شاهد نت» جمعت فيها كافة المسلسلات الرمضانية التي تعرضها على شاشتها على منصة «يوتيوب» لمقاطع الفيديو، حتى يتسنى لمن فاتته حلقة على الشاشة أن يشاهدها عبر الإنترنت.
تشكل فلسلفة اللفظة نفسها رسالة من نوع جديد، فـ«ترتيب رمضان» في أعرافنا، إلى وقت قريب، كان يعني ترتيب الوقت بين الصيام، والعمل، وقراءة القرآن، وإنجاز الأعمال اليومية، وصلاة التراويح ليلاً، وصلة الرحم بزيارة أو بمكالمة هاتفية، والجلوس مع الأسرة للتسامر قبل السحور بدقائق، ثم السحور وصلاة الفجر.
بعض القنوات العربية رتبت رمضان للمشاهدين، كما يجب أن يكون، من وجهة نظر صناع الإعلام في عصر الفوضى، الأمر بالفعل بات يحتاج إلى ترتيب، حتى لا تتداخل مسلسلات العنف والدم، مع تلك التي تثير الغرائز وتعزز مفاهيم الشبق الجنسي الحرام!
وهناك وقت ثالث لمسلسلات «الإيفيهات الرخيصة» والكوميديا المبتذلة، التي لا تخلو من تلميحات مستهزئة بتقاليد وأعراف كنا نعتبرها قيماً مؤسسة لعائلاتنا ومجتمعاتنا، وليس لأحد أن يبدي امتعاضه، حيث باتت علامة «+18» واضحة على معظم «تترات» المسلسلات، لتعلن الفضائيات: «عملنا اللي علينا واللي مش عاجبه الريموت تحت إيده»!
رمضان الحالي
في رمضان الحالي، تم عرض 33 مسلسلاً في القنوات الخاصة وحدها، وبلغ الإنفاق على الدراما التلفزيونية وبرامج المسابقات والمقالب ملياراً و200 مليون جنيه.
حدد مرصد معني بمتابعة مشاهد التدخين والإدمان في الدراما «قائمة سوداء» تضم الأعمال الدرامية الرمضانية، هذا العام، التي احتوت على تلك المشاهد، جاء في مقدمتها مسلسل «الحصان الأسود» بـ30 مشهد تدخين بإجمالي 48 دقيقة، و9 مشاهد تعاطي مخدرات بإجمالي 3 دقائق، ومسلسل «الحرباية» بـ25 مشهد تدخين 47 دقيقة و50 ثانية، و4 مشاهد تعاطٍ 3 دقائق، ومسلسل «رمضان كريم» بـ26 مشهد تدخين 47 دقيقة و47 ثانية، و6 مشاهد تعاطٍ 3 دقائق و50 ثانية، ومسلسل في «اللا لا لا ند»، حيث يتضمن مشهد تدخين واحداً ومشهدي تعاطٍ.
«غرابيب سود»
نال مسلسل «غرابيب سود» القدر الأكبر من الجدل، حيث انهالت عليه الانتقادات؛ بسبب ما يثيره من قضايا تتجاوز ممارسات تنظيم «داعش»، إلى الحط من مفاهيم دينية وثوابت.
الكاتبة السعودية عزة السبيعي، انتقدت المسلسل، قائلة: إنه يعالج الأمر بطريقة سطحية جداً، موضحة أن المؤلفين لم يكلفوا أنفسهم التحقق من صحة ما أوردوه، لتكون النتيجة إساءة إلى تعاليم الإسلام الحقيقية والمنسجمة مع العادات والتقاليد في مجتمعاتنا العربية، خاصة فيما يتعلق بتأويل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والإساءة إلى نساء أهل السُّنة من خلال ما يسمى بـ«جهاد النكاح»، وكذلك تجنيد الأطفال والتلاعب بأفكارهم.
ولعل ما سبق، دفع عبدالرحمن العكاري، رئيس هيئة العلماء السوريين في لبنان لإصدار فتوى بتحريم مشاهدة المسلسل؛ لأنه يحوّر المفاهيم الصحيحة للإسلام تحت مسمى محاربة الإرهاب، ويظهر المرأة المسلمة (السُّنية) لاهثة وراء الجنس والشهوات، ويركز على أكذوبة «جهاد النكاح» التي أطلقتها قنوات إعلامية موالية لنظام «الأسد» وبدعم إيراني.
وقال العكاري: إن إسلامنا دين معتدل وبعيد كل البعد عما يصوره المسلسل من غلو وتشدد ودموية؛ لأن أحداث المسلسل تم تصويرها في لبنان تحت إشراف ورعاية كاملتين من مليشيا «حزب الله».
ترويج المحرمات والبلطجة
د. حسن علي، رئيس جمعية حماية المشاهدين ورئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا بمصر، أكد لـ«المجتمع» أن الدراما الرمضانية منذ سنوات طويلة تتصادم مع تعاليم الأديان السماوية – وخاصة الإسلام – من خلال ما يتم الترويج له من قيم مخالفة للأخلاق والفضائل، فضلاً عن ترويجها للمحرمات مثل المخدرات والتدخين والبلطجة والثأر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأوضح أن الجمعية رصدت، من خلال لجانها المتخصصة التي تضم كبار الخبراء والأكاديميين، من أساتذة الإعلام والقانون الجنائي والمدني والدولي، كثيراً من هذه المخالفات لسنوات عديدة، وتم إرسال الملاحظات إلى المسؤولين عن المؤسسات الإعلامية كل فيما يخصه، مع التنبيه عليهم بأنه من حق الجمعية اللجوء إلى القانون؛ لأنه يتلازم مع دورها في نشر الثقافة الإعلامية والقانونية المرتبطة بمهنة الإعلام المسموع والمطبوع والمرئي، وتقوم أيضاً بنشر تقارير دورية حول الممارسات الإعلامية وارتباطها أو ابتعادها عن مواثيق الشرف، فضلاً عن توجيه إدارات هذه المؤسسات فيما يصدر عنها من خرق للقيم المجتمعية والأخلاقية والدينية.
وعن دور الجمعية في تشجيع الدراما الهادفة، أوضح أنها تقوم بتقديم ثلاث جوائز سنوية في مؤتمرها السنوي من كل عام لأفضل ثلاث مؤسسات إعلامية مسموعة ومطبوعة ومرئية تلتزم بمواثيق الشرف الإعلامي.
محاربة الله
«بيزنس قذر».. هذا هو الوصف الذي أطلقه الداعية الأزهري جمال قطب على الدراما الرمضانية، معتبراً أن أصحابها «محاربون لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم».
وأشار قطب إلى أن رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إلا أن بعض الأعمال الدرامية المنحرفة تفسد الأخلاق وتؤخر الأمم، وإذا كان شهر رمضان فرصة للتخلص من الذنوب واكتساب الحسنات، وتعمير المساجد خلال شهر رمضان وقراءة القرآن، فإن شياطين الإنس يتفننون في إفساد صيام الصائمين وتضييع ثوابهم بكل الوسائل الشيطانية.
وأكد قطب أن دراما رمضان تعلن الحرب على ما تبقى من قيم وأخلاق ومبادئ في المجتمع، وأن المصلحين والدعاة ومن يريدون الخير لأوطانهم يجب أن يتحركوا لإنقاذ المجتمع حتى لا ينحرف أكثر وينحدر في القاع وننصح الجماهير بمقاطعتها.
الناقد الفني سمير الجمل انتقد، في تصريحات لـ«المجتمع»، العبارة الشهيرة «الجمهور عايز كده»، معتبراً أنها تكريس لثقافة «البقاء للأقوى»، و«الغاية تبرر الوسيلة»؛ لأن آثارها المدمرة تنعكس على المجتمع الذي يقلد ما يشاهده على أرض الواقع.
ولفت إلى أن المجتمع سيشك في دينه، في ظل الهجوم المستمر على المؤسسات الدينية والرموز الإسلامية القديمة والمعاصرة لتقليل هيبة ومكانة الدين في القلوب، ولهذا يمكن الجزم بأن بعض الأعمال الفنية أصبحت بمثابة منبر تبث منه القيم غير الأخلاقية على أرض الواقع.
تدمير نفسي
بدوره، حذر د. إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس بمصر، في تصريحات لـ«المجتمع»، من خطورة الأعمال الفنية التي تتناول الطعن في الدين وثوابته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلاً عن الإشادة بالخارجين على القانون من البلطجية وأعمال العري التي تصل إلى حد الدعارة في اللفظ والملبس باسم حرية التعبير بواقعية، ويصل الأمر بتلك الدراما إلى محاولة جعل الجماهير تتعاطف مع المنحرفين، وهذه كارثة تستند إلى أن الواقع أكثر انهياراً، وإذا افترضنا ذلك فإن واجب الدراما معالجة هذه المشكلات وليس الترويج والدعاية لها.
ويضيف د. إيهاب أن الأزمة الكبرى تتمثل في تأثير تلك الأعمال الدرامية التي تستهدف تغييب العقول وإشعال الغرائز على تحليل الحرام، ليس لدى العامة فقط، بل لدى الشباب والفتيات والأطفال؛ مما يعني أنها طويلة المفعول التدميري في نفسية مختلف فئات المجتمع.
ولفت إلى أن هذه الأعمال الدرامية تخاطب شعوباً في مجملها غير مثقفة، وبالتالي يمكن التأثير عليها، خاصة إذا كان المحتوى يتم عرضه من خلال عمل فني جذاب، فيكون كمن يدس السم في العسل، خاصة أن هناك قطاعاً شعبياً عريضاً لا يفرق ما بين متطلبات العمل الدرامي وأرض الواقع.
مقاولات فاسدة
ويشبه د. نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، الدراما الرمضانية بـ«أعمال المقاولات الفاسدة» التي تستهدف إثارة الجماهير، ومكانها الطبيعي سلة المهملات ومزبلة التاريخ؛ بسبب آثارها المدمرة على الفرد والمجتمع.
وأشار السمالوطي إلى أن ارتباط الدراما برمضان يستهدف القضاء على روحانياته، وهذا مخطط قديم غرسه الاستعمار وأنصاره عن طريق الإعلام القذر، ولهذا لا بد من نشر الوعي بحدود العلاقة بين الفن والأخلاق، لأنه غائب حالياً؛ مما أدى لاختلاط الحابل بالنابل، مستغلين الأمية الدينية والثقافية التي تعاني منها غالبية الشعوب العربية.
وطالب السمالوطي بسن تشريعات رادعة بحق من وصفهم «محترفي الانحراف بالدراما عن أهدافها السامية»؛ لأن حماية القيم والأخلاق من الانهيار والتصدي لأعداء الأديان مهمة الحكام الذين سيسألهم الله عن الرعية، وليس معنى هذا أننا نطالب بدراما دينية وعظية، وإنما دراما تدافع عن قيم الحق والخير والجمال، وهي التي لا يختلف عليها البشر.
ويعتقد أن الإثارة والربح والبحث عن الرواج الإعلاني هو ما يفسر إصرار منتجي الدراما الرمضانية على المشاهد الجنسية الفجة، والتعبيرات الوقحة في حوارات الممثلين، ولو على سبيل الإضحاك، ومن العجب أن بعضهم يشتكي من حذف مشاهد أخرى بسبب الجرأة وتعمدها الإثارة والتطاول على ثوابت الأديان، ويطالب بتمريرها بحجة «الحبكة الدرامية»!
وحذر السمالوطي مما يقوم به منتجو هذه الدراما الرمضانية من خلال ثنائية «الجنس – الإسلاميين»؛ حيث يعرضون نفس الشخصية النمطية لعالم الدين أو المتدين صاحب اللحية الذي يرتدي جلباباً أبيض، وسلوكياته سيئة وتتعارض مع الدين.