البورصات العالمية شكلت وكراً لخلق الثروة من خلال عمليات المضاربة أو المقامرة المنفصلة عن الواقع الاقتصادي
لابد من إحلال سياسة نقدية للعمل على إلغاء سعر الفائدة واستخدام بدائل من معدل الربحية والإنتاجية
بيانات ا تفعيل دور الزكاة والتكافل كأساس للنظام الاقتصادي والاجتماعي أحد الحلول الاقتصادية للأزمة
الكتاب: ما بعد تفكك النظام الرأسمالي للاقتصاد (نذر التفكك.. الإصلاح المطلوب.. انبعاث النظام الإسلامي للاقتصاد).
المؤلف: أ.د. عبدالحميد محمود البعلي.
عدد صفحات الكتاب: 122 من القطع الكبير.
هذا الكتاب:
هذا الكتاب المعنون بـ«ما بعد تفكك النظام الرأسمالي للاقتصاد» محاولة لإبراز وتحليل وتصنيف ما لحق بالنظام الرأسمالي للاقتصاد من تشوهات وأعطاب هيكلية، وتأكيد الحاجة إلى انبعاث نظام اقتصادي جديد مغاير يتمكن وفق أسسه وقواعده وآليات عمله من تحقيق الأهداف المنشودة في الرخاء والأمن الاقتصاديين، ولا يقدح في خصوصية وتميز هذا النظام وجود قواسم مشتركة تكاد تكون طبيعية بينه وبين النظم الاقتصادية الأخرى.
ورغم أن الكتاب لمؤلفه د. عبدالحميد البعلي، أستاذ الفقه المقارن والاقتصاد الإسلامي، ورئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً، والمستشار السابق باللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، يتناول الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم عام 2008م؛ فإن ما يطرحه من حلول لأزمات النظام الرأسمالي المتكررة لا تزال قائمة، حيث يرى المؤلف أن العالم بعد تفكك النظام الرأسمالي للاقتصاد بحاجة ماسة إلى: خطط إصلاح جذري هيكلي، وعدم الإسراف في خطط الإنقاذ على نفس الأسس؛ لأن العالم أمام تسونامي مالي جديد (كما قال «آلن جريسبان»)، وأمام أزمة شاملة تحتاج إلى إصلاح شامل؛ وعليه نحن والعالم بحاجة إلى نظام عالمي جديد يدعو إلى منظومة متكاملة من الحرية والسلام لا البطش والعدوان، والرخاء والعدل لا الجوع والظلم، والخير والرحمة لا الشر والقسوة.
وفيما يتعلق بالأسئلة المحورية المتعلقة بالاقتصاد ومشكلة الندرة؛ وهي: ماذا وكم ننتج؟ وكيف ننتج؟ ولمن ننتج؟ وبقدر اختلاف وتميز الإجابة عن هذه الأسئلة يكون تميز النظام الاقتصادي وقدرته على الإصلاح الاقتصادي المنشود.
وفي هذا السياق، يقول المؤلف: إنه تأكد في الواقع العملي المعاصر فشل النظام الاشتراكي للاقتصاد إلى حد كبير جداً في تقديم الحلول الناجحة للمشكلات الاقتصادية في المجتمعات التي طبق فيها، وكذلك الآليات التي اتبعها، وعجزه – بالتالي – عن تحقيق ما وضعه لنفسه من أهداف في الإنتاج والتوزيع والعدالة والأمن، وذلك كله بعد فترة زمنية امتدت إلى أكثر من سبعين عاماً.
محتويات الكتاب:
قدم المؤلف هذه الدراسة بتمهيد وأربعة فصول جاءت:
الفصل الأول: النظام الرأسمالي يأكل نفسه وينكشف في أسسه وآلياته.
الفصل الثاني: الحسابات المكشوفة ودورها في الأزمة المالية العالمية الكبرى.
الفصل الثالث: نذر تفكك النظام الرأسمالي تمثل استدعاء جاهزية النظام الاقتصادي الإسلامي.
الفصل الرابع: سبل العلاج وبرامج الإصلاح المطلوبة للخروج من الأزمة.
النظام الرأسمالي يأكل نفسه:
يبرهن المؤلف على أن النظام الرأسمالي العالمي انكشف في أسسه وآليات عمله وانقلب عليها، ويأكل نفسه من خلال خمسة براهين؛ هي:
1- كثرة خطط الإنقاذ وشبح التخبط؛ ويؤكد ذلك محاولته إنقاذ البنوك والشركات من شبح الإفلاس، وإنقاذ المواطنين وبالذات البسطاء المتضررين بلا ذنب.
2- تصرفه على عكس قواعد منظمة التجارة العالمية بـحظر الإعانات المباشرة.
3- تصرفه على عكس قواعد السوق الأوروبية الموحدة بأفكار التأميم الفرنسية والبريطانية جزئياً أو كلياً.
4- طرحه أفكار إعادة توزيع الثروة/ توزيع الثراء على عكس مبدأ تعظيم الثروة والربح الذي يقوم عليه النظام الرأسمالي.
5- طرح النظام الرأسمالي أفكار تشكيل حكومة اقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي على عكس مبدأ حرية السوق.
واقع الأزمة العالمية الكبرى:
يرى د. البعلي أن الأزمة العالمية الكبرى التي شهدها العالم عام 2008م لها جوانب ثمانية، ولها أسبابها المباشرة وغير المباشرة، ولها آثارها الداخلية والارتدادية.
ومن هذه الجوانب الثمانية الجانب الاقتصادي الذي يتمثل في:
1- انكشاف أسس النظام الرأسمالي الغربي، خاصة النموذج الأمريكي، وما تبعه من نظم وإجراءات وثبوت تناقضه إثر:
أ- التدخل الشديد السافر من جانب الدولة والحكومات والوزارات المتعددة؛ مثل: وزارة المالية، البنوك المركزية، الخزانة لضخ السيولة في الوحدات والأجهزة المختلفة كالبورصات والبنوك والشركات في شكل خطة إنقاذ مباشر تبلغ 700 مليار دولار، ولتملك مصارف وشركات مثل ما حدث في بريطانيا وUS.
ب– حسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاديات العالمية تواجه أكبر الأزمات منذ سبعين عاماً، ولن تنمو كما هو متوقع قبل نهاية عام 2009م(1).
جـ– مخالفة أسس النظام الرأسمالي الغربي في حرية السوق والدولة غير المتدخلة (الحارسة).
وأفكار أن الأسواق قادرة على ضبط نفسها، وأنها دائماً على حق مثل: العولمة، مبدأ «آدم سميث» «دعه يعمل دعه يمر»، تعظيم الربح ورأس المال، حيث أثبت الواقع أنها أفكار مجنونة، كما يقول الرئيس الفرنسي (الأسبق) «ساركوزي»، وصدق الله العظيم إذ قال: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (البقرة:275).
ونجد أن «الفينانشال تايمز» جريدة الرأسمالية تقول: سقوط «وول ستريت» يعني سقوط النظام الرأسمالي برمته!
2- أن البورصات العالمية شكلت وكراً لخلق الثروة من خلال عمليات المضاربة أو المقامرة المنفصلة في كثير من الحالات عن الواقع الاقتصادي الحقيقي؛ إذ يعتمد ارتفاع أسعار الأسهم أو انـخفاضها على المضاربة لأعلى النشاط الاقتصادي للشركات.
3- وجود إشكاليات فنية في الممارسة سببها الأصول الفكرية في النظام الرأسمالي.
الآثار الناجمة عن الأزمة:
رصد المؤلف عدداً كبيراً من الآثار السلبية الفادحة الناجمة عن الأزمة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- تأثر حركة الصادرات العربية لأسواق أوروبا وأمريكا والعكس أيضاً.
2- تأثر حركة السياحة للبلاد العربية.
3- اتـجاه المستثمرين للأسواق المستقرة نسبياً.
4- هروب الودائع النقدية العربية لدى البنوك الأجنبية والشركات التي أفلست.
5- عدم ضمان النظام التأميني البنكي الأمريكي لصرف أي أموال للمودعين في حالتي الإفلاس أو التعثر.
6- تشير التقارير إلى الدخول في ركود عام وبخاصة في مجال العقارات في العالم بأسره.
7- سحب الاستثمارات التنموية من الدول العربية وهروب للرأسمال الأجنبي.
8- صناديق الاستثمارات المساهمة (صناديق الثروة السيادية) واستثماراتها في العديد من البنوك الغربية تقدر 1.5 تريليون دولار، وهذه الصناديق تمتلكها حكومات عربية تسيطر على أصول إستراتيجية أمريكية في مؤسسات مالية كبرى مثل «بلاك ستون، يوبي إس، ميريل لينش، مورجان ستانلي، سيتي جروب»، خسائر الصناديق السيادية في الدول الناشئة بما فيها الخليج تقدر بـحوالي 4 مليارات دولار.
9- الأموال الهائـمة لدول الخليج المقدرة 1.5 تريليون دولار في وضع حرج.
10- تقرير منظمة العمل الدولية بأن 20 مليون وظيفة فُقدت حول العالم بنهاية عام 2008م.
إيـجابيات الأزمة العالمية:
رغم الآثار السلبية للأزمة، يرى المؤلف أن لها آثاراً إيجابية؛ منها:
1- العمل على فك الارتباط مع الاقتصاد الأمريكي والدولار الأمريكي، خصوصاً بعد الدخول في موجة ركود.
2- إعطاء الفرصة لمراجعة الاستثمارات العربية في الأسواق الأمريكية والأوروبية والعودة إلى مواطنها ومواطنيها، وبناء اقتصادات قوية.
3- إتاحة الفرصة كاملة لكل من عنده فكر بنّاء من العلماء والمؤسسات الإسلامية، لإخراجه للناس لإنقاذهم مما هم فيه بعيداً عن الشعارات.
سبل العلاج وبرامج الإصلاح:
طرح المؤلف باعتباره خبيراً اقتصادياً إسلامياً رؤية متكاملة كعلاج جذري للأزمة التي لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني آثارها، ومنها:
1- التصحيح الهيكلي للنظام الاقتصادي وفق برنامج للإصلاح الاقتصادي.
2- وضع آلية دقيقة ومحكمة وصحيحة لضبط حركة الأسواق المالية وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المشار إليه، تتضمن نظم الشفافية والرقابة بأنواعها ومنع المضاربات الوهمية والصورية.
3- وضع تصنيف محكم للمخاطر وآلية التعامل معها والرقابة الفعالة على تنفيذها وإجراءات واحتياطيات مواجهتها إذا حدثت.
4- إحلال سياسة نقدية تهدف إلى العمل على إلغاء سعر الفائدة واستخدام بدائل من معدل الربحية ومعدل الإنتاجية ومعدل النمو الاقتصادي ولنعلم دائماً أن الحقيقة المرة تكمن في الديون فهي القاسم المشترك في الأزمة.
الإصلاح الاقتصادي في النظام الإسلامي:
قدم المؤلف في نهاية كتابه قِيم برنامج الإصلاح الاقتصادي في النظام الإسلامي؛ وهي:
أولاً: تصحيح وظيفة النقود؛ إذ هي رؤوس أموال يتّجر بها لا فيها: فلا يكنزوها، ولا يفسدوا وظائفها، ولا يأكلوها بالباطل، ولا يجعلوها دُولة بين الأغنياء منهم.
ثانياً: تعدد وتنوع قاعدة الملكية على ضوء الحاجة العملية والمصلحة الاقتصادية.
ثالثاً: تفعيل دور الزكاة والتكافل كأساس للنظام الاقتصادي والاجتماعي.
رابعاً: دور الدولة المتوازن والفعّال وتبني إستراتيجية المعاملات المالية المتكاملة في النظام المالي.
خامساً: تفعيل آلية العمل المصرفي الإسلامي وفق مبادئه وأخلاقياته الشرعية.
سادساً: الحلال والحرام أصل المكاسب والإنفاق بأنواعه المتعددة.
سابعاً: شراكة رأس المال والعمل محور النشاط الاقتصادي وأساس التجارة والاستثمار فيه.
ثامناً: شفافية السوق بضوابطه ومبادئه الشرعية.
تاسعاً: تعظيم العنصر البشري وتثقيفه وتدريبه وتطويره.
الهامش
(1) يرى الملف أن العلاج يتمثل في مبادئ الاقتصاد الإسلامي مثل: تعدد قاعدة الملكية وتنوعها وتكاملها وفق ضوابط وآليات محددة مدروسة.