ـ الأوضاع المرتبكة عند العرب شجعت «ترمب» وحلفاء «إسرائيل» على اتخاذ خطوات ما كانوا يجرؤون عليها
ـ أي فلسطيني بالقدس لديه انتماء لجهة معادية لدولة الاحتلال سيتم طرده من القدس
ـ عام 2020م سقف لدى الصهاينة لتحجيم الوجود الفلسطيني بالقدس إلى ما دون 30%
ـ مشروع أبو ديس مجرد تكتيك يستخدمه الصهاينة لتحقيق أهدافهم المستقبلية في السيطرة الكاملة
قال الأسير المحرر محمود عطون: إن «الإسرائيليين» كانوا بحاجة إلى قرار «ترمب» الاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل»؛ لإعادة الهيبة والاعتبار لهم أمام المواطن المقدسي، حيث انكسروا في هبّة باب الأصفاد ضد فرض البوابات الإلكترونية في منتصف يوليو العام الماضي، لكنه يرى أن الذي صنعته «إسرائيل» في الأمة الإسلامية على مدار سبعين عاماً من التخريب، خرّبه «ترمب» بقراره الغبي؛ لأنه لا يضيف شيئاً على الأرض.
وتعليقاً على الموقف الكويتي من قرار «ترمب» في شقيه الرسمي والشعبي أضاف عطون، في حواره مع «المجتمع» أنه موقف مقدّر ومحترم، وينمّ عن عمق ثابت تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه الخصوص، واختتم حواره برساله مفادها أن المقدسي ليس من وُلد في القدس، لكنه من عاشت القدس بداخله.
بداية، ما تعليقكم على أحوال القدس اليوم؟
– القدس هي مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نعيش مرحلة نراها من أخطر مراحل التاريخ بالنسبة للقدس والقضية الفلسطينية على وجه العموم.
فالوضع في العالم العربي والإسلامي مرتبك، وسط عنجهية “إسرائيلية”، ودعم أمريكي ظالم ووقح للمواقف “الإسرائيلية”، تزامناً مع حالة ضعف في الأمة الإسلامية، سواء بالنسبة للمشكلات الداخلية أو غيرها، هذه الأوضاع شجعت الرئيس الأمريكي “ترمب” وحلفاء “إسرائيل” على اتخاذ خطوات ما كانوا في السابق يجرؤون على أخذها، وهذه الخطوات مرشحة لأن تنفجر في وجه أهل القدس خاصة، وفلسطين عامة.
الاحتلال يقوم بسباق محموم في مسألة القدس، مثل تهويد المدينة وطرد الفلسطينيين، خصوصاً أن لديهم الضوء الأخضر الأمريكي، بعد إعلان “ترمب” اعترافه بأن القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، نلاحظ ذلك في حجم القوانين التي أقرها “الكنيست”، وحجم الإجراءات المعادية للفلسطينيين على الأرض، وبالأخص أهالي القدس.
فعلى سبيل المثال، أي فلسطيني في القدس لديه انتماء لجهة معادية لدولة الاحتلال سيتم طرده من القدس؛ وبالتالي نحن نعيش في مرحلة حساسة تمهد لمحاولة فرض أمر واقع سواء في الديمجرافيا أو الأمور الجيوسياسية بقضية القدس، لتحقيق حلم “إسرائيل” في السيطرة على كامل مدينة القدس.
هل بدأ الصهاينة في تهجير المقدسيين؟
– هذا المشروع يعمل عليه «الإسرائيليون» منذ احتلال فلسطين عام 1948م؛ حيث تم احتلال القدس، ثم استُكمل ما تبقى من القدس في عام 1967م، ومنذ ذلك الوقت وهم في مسلسل التهجير، بدأ في دير ياسين، ولفتا، والقطامون، والمالحة، والمجازر المعروفة في عام 1948م، وامتد ذلك من خلال الحكم العسكري ثم الاحتلال الشرطي لمدينة القدس، ثم احتلال المسجد الأقصى، وتواصل ذلك إلى عام 2004م بفرض الجدار، ووضع الأسلاك العسكرية؛ حيث تمت محاصرة مدينة القدس بالكامل، ومصادرة كل الأراضي، وسحب الهويات المقدسية من السكان الفلسطينيين، وهدم بيوتهم بحجج عدم امتلاك التراخيص وغيرها، بالإضافة إلى الاعتقالات والإهمال الخدماتي للأحياء المقدسية، مقارنة بالمستوطنات، والظلم وعدم التساوي في الحصص خاصة المعيشية وفرص العمل والمياه، وفي الوضع الاقتصادي بين السكان الفلسطينيين والمغتصبين الصهاينة.
وبالتالي فمشروع التهجير لدى الكيان الصهيوني مشروع إستراتيجي قامت به هذه العصابة منذ احتلال القدس عام 1948م.
الجديد في المسألة أن الصهاينة على كل هذه الإجراءات ما زالوا يعتبرون وصول نسبة الفلسطينيين في القدس إلى 30% خطراً إستراتيجياً على وجودهم فيها؛ وبالتالي فهم أمام سقف وضعوه لأنفسهم وهو عام 2020م، وهذا السقف غرضه أن يتحجم الوجود الفلسطيني إلى ما دون الـ30% في مدينة القدس.
والتحدي أمامهم كيف يتم تنفيذ هذا المخطط في ظل وجود شعب فلسطيني فتيّ، ينجب ديمجرافياً، مقابل الصهاينة الذين هم غرباء على هذه الأرض، يخشون منها.
وتحجيم السكان الفلسطينيين بالمدينة يتم بطريقتين:
الأولى: القيام بالضغط على أهل القدس حتى يهربوا من المدينة تحت طائلة الضرائب والغرامات وهدم البيوت وعدم وجود فرص عمل أمام الشباب؛ وبالتالي انعدام فرصهم في الزواج.
الثانية: تحريك الجدار بإخراج القرى الفلسطينية من القدس وإدخال مستوطنات “إسرائيلية” مكانها.
هل ما يقوم به الكيان بداية لمشروع أبو ديس بدلاً من القدس؟
– لا، الصهاينة غير معنيين بهذا الأمر، فعيونهم متجهة لفلسطين، ومتجهة أكثر إلى خارج فلسطين، إلى دول يطلقون عليها «دول الريف» والمقصود بها دول العالم العربي المحيط بها.
هل يسعون لـ»إسرائيل الكبرى»؟
– بل أكثر مما يسمى بـ»إسرائيل الكبرى»، هم يحلمون بالسيطرة وإضعاف كل الشعوب التي حولهم، لأنهم يخشون على أنفسهم عدم البقاء والاستمرارية، كونهم جسماً غريباً عن المنطقة، فليست مشكلتهم فقط في حدود البلدة القديمة، أو الحدود الشرقية للقدس، أو المسجد الأقصى، مشكلتهم الأساسية هي في وجود الفلسطينيين على الأرض في الأساس؛ وبالتالي الإجراءات التي يتبعونها في حصار غزة، وإغلاق الضفة الغربية، ومصادرة الأراضي، وملاحقة الناس، وحصار القدس، والتهجير، والضغط الهائل على من تبقى من مناطق الـ48؛ وبالتالي فإن المشروع الصهيوني ليس مشروع القدس الشرقية أو البلدة القديمة مقابل أبو ديس، ليس هذا هدفهم، هذه مجرد تكتيكات يستخدمونها لتحقيق أهدافهم المستقبلية في الهيمنة والسيطرة.
قرار «ترمب» الأخير، كيف كان تأثيره على المقدسيين؟
– المقدسيون بعد انتصار هبَّة باب الأصفاد ضد فرض البوابات الإلكترونية في منتصف يوليو العام الماضي، وانتصارهم على «نتنياهو»؛ تعزز عندهم الشعور بأنهم حتى لو كانوا وحدهم يمكنهم تحقيق الانتصارات، وأن هذا العدو لا يمتلك أي أدوات قوة شرعية تمنحه التصرف، برغم كل القوة التي معهم، أمام تحرك الجماهير المقدسية، وهذا الشعور جعل أبناء القدس يستخفون بـ»الإسرائيليين»، لدرجة أنه بعد أحداث باب الأصفاد الإلكترونية تكاد لا تجد شاباً فلسطينياً يعطي أي قيمة أو اعتبار للجنود «الإسرائيليين»، في باب العامود وغيره، وهذا أصبح واضحاً في القدس، مما أزعجهم كثيراً.
لذا فالصهاينة كانوا بحاجة إلى مثل هذا القرار من “ترمب”؛ لإعادة الهيبة والاعتبار لهم أمام المواطن المقدسي، حيث انكسروا في يوليو الماضي، وجاء “ترمب” في آخر العام ومنحهم فرصة لاستعادة الهيبة والاعتبار، وهذا تقدير الله عز وجل أن الذي صنعوه في 40 عاماً، كما قال رئيس المخابرات “الإسرائيلي”، في تخريب شباب القدس، خربه “نتنياهو” في أسبوع واحد عندما أخذ قراره الغبي في البوابات الإلكترونية وفشلوا أمام المقدسيين!
وبتقدير الله عز وجل، فالذي صنعته “إسرائيل” في الأمة الإسلامية على مدار سبعين عاماً من التخريب، خرّبه “ترمب” بقرار غبي، ما كان له داع؛ لأنه لا يضيف شيئاً جديداً على الأرض، ونتيجة ذلك اهتز موضع أمريكا كقوة داعمة للكيان، واهتزت صورتها عند كل مواطن عربي ومسلم، فكما يستخف أبناء القدس بكل شيء من المؤسسة “الإسرائيلية”، فأنا أعتقد أنه لا يوجد مواطن عربي ولا مسلم يعطي أي اعتبار للرئيس الأمريكي ولا لأمريكا.
وبالتالي فالقدس رافعة وخافضة؛ فهي المعراج، ترفع ناساً، وتخفض آخرين، فقد أسقطت “نتنياهو” وأفشلته، وهي كذلك ستسقط “ترمب” وتفشله، ومن يحمل هَمَّ قضية القدس في العالم الإسلامي ترفعه.
كيف رأيت ردود الأفعال العربية بعد قرار «ترمب»، وخاصة الدور الإقليمي للكويت في القضية الفلسطينية، وتزامُن ذلك مع انتخابها عضواً في مجلس الأمن؟
– الموقف الرسمي والشعبي لدولة الكويت مقدّر ومحترم، وينمّ عن عمق ثابت تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه الخصوص، والكويتيون لا ينظرون إلى تلك القضية عبر منظور المكاسب والخسائر السياسية، فهذه قضية عميقة عند الشعب الكويتي على كل المستويات، وبالتالي كانوا من السباقين في دعم الثورة الفلسطينية، فالطلبة الفلسطينيون الذين أطلقوا الثورة في بدايتها درسوا في الجامعات الكويتية، وللكويتيين أيضاً دورهم في تقديمهم للدعم الرسمي والشعبي، ومساعدة الفلسطينيين في دفع أموال لمنظمة «الأنروا»، والعمل الخيري الذي تقوم به مؤسسات العمل المدني لمساعدة الفلسطينيين في غزة والقدس.
ولا ننسى الموقف المشرف الذي قام به الأستاذ مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة، في البرلمان الدولي، وكذلك موقف سمو الأمير في عدم الاعتراف بشرعية القرار الأمريكي في موضوع القدس، وما نشأ من تحرك على مستوى الشعب الكويتي، نعتبره قراراً متزناً ويدل على عمق العلاقة بين الكويت والشعب الفلسطيني.
فالكويت كانت لاعباً أساسياً في وقف الانحدار تجاه الهاوية في مسألة فلسطين، وتصفية القضية الفلسطينية، حيث عملت كحائط صد في الانجراف نحو التطبيع، ومشاركة سمو الأمير في القمة الإسلامية بإسطنبول الخاصة بالقدس لها دلالات قوية.
وأختم كلامي برسالة لأبناء العالم الإسلامي، ومن بينهم أبناء الكويت: لا تقولوا: إننا لسنا من المقدسيين؛ فالمقدسي ليس من وُلد في القدس فحسب، لكنه من عاشت القدس بداخله.