يعد اللسان الناطق من خصائص الجنس البشري الذي يميزه عن غيره من المخلوقات؛ فالإنسان كائن ناطق وعاقل، وهو يسخر لسانه للتعبير عن عقله وما يدور فيه، وعلى قدر اعتزازه بلسانه يكون تمسكه بالتعبير به وعدم البحث عن بديل عنه من ألسنة أخرى لأقوام آخرين.
واللغات تتفاوت فيما بينها على حسب ما تمتلكه من خصائص مميزة لها عن غيرها، وبقدر التفوق الحضاري للناطقين بها؛ فكل حضارة إنسانية عبر التاريخ صاحبتها نهضة لغوية، وكل صراع بشري لا يخلو من صراع لغوي.
ولغتنا العربية حباها الله تعالى بميزات متعددة عن غيرها من اللغات؛ فبها يُقرأ أقدس كتبه (القرآن الكريم)، وبحروفها تُنطق شهادة الدخول في دينه، وببلاغتها يوصف خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها تتميز بمقدرتها على استيعاب كل ثقافات الأرض وعلومها، ولما أتيحت لها الفرصة ووجدت من أبنائها تمسكاً بها غدت لغة العلم والمعرفة لمدة تزيد على ثمانية قرون، حتى أصبح علماء أوروبا والغرب عالة عليها في تقدمهم وحضارتهم؛ فهرعوا إليها تعلماً وفهماً وترجمةً إلى لغاتهم اللاتينية، وهو ما صاغه حافظ إبراهيم شعراً على لسانها:
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات؟!
لكن جرت في النهر مياه كثيرة، حتى تخلفت الأمة العربية والإسلامية عن ركب الحضارة، ونتج عنه تخلف لغتها وتأخرها عن غيرها من اللغات، وفي هذا يقول ابن خلدون: «ولما تملّك العجم وصار لهم الملك والاستيلاء على جميع الممالك الإسلامية؛ فَسد اللسان العربي لذلك، لولا ما حفظه من عناية المسلمين بالكتاب والسُّنة».
ولكن رغم ذلك، فالعربية بانتظار أبنائها ليتنادوا فيما بينهم أن هلموا إلى أمكم الرؤوم لتعيدوا لها مجدها ورفعتها اللائقة بها، وترفعوا عنها ما علق بها من غبار، وما شوه صورتها من غبش.
واستجابة مع هذا النداء، تقدم «المجتمع» هذا الملف الذي ترجو به أن يكون بذرة خير تنبت شجرتها وتؤتي أكلها بإذن ربها.