– تصوير الإسلام بالدين الإرهابي يراد فرضه على أمتنا فرضاً ويُطلب منا أن نتقبله
– لم يذكر عصفور جرائم الشيوعيين الأفغان ضد شعبهم وما قام به الجيش الأحمر من مجازر
– الجهاد لم يشرعه من أقاموا تنظيم الجهاد بل هو تشريع إلهي أُمر به المسلمون دفاعاً عن أنفسهم
– بعض الفقهاء جعل الجهاد الركن السادس من أركان الإسلام والتفريط فيه مخالفة صريحة للدين
إن موقف الكتَّاب والمفكرين العرب الذين يتصدرون المشهد الثقافي المعاصر وإصرارهم على شيطنة الإسلام ووصمه بالإرهاب بعد أن كانوا يصفون به بعض الشخصيات أو الجماعات، واستخدامهم لمصطلح الإرهاب الإسلامي بمعناه الغربي دون تحفظات، لهو إهانة للإسلام، وخدمة رخيصة للغرب واليهود حتى لو لم يقصدوا.
وإن المرء ليعجب من إصرارهم على ازدراء دينهم ومواطنيهم، في الوقت الذي لا يشيرون فيه بكلمة إلى جرائم غير المسلمين، بل يذهبون إلى مدى أبعد حين يجعلون النموذج الغربي الوثني الدموي هو الغاية التي ينبغي أن تسعى إليها أمتنا وتتماهى فيه؛ بل يسوّغون جرائم غير المسلمين واحتلالهم لأوطان إسلامية بحجة دعم أتباعهم من أعداء الإسلام والأمة!
إن هذا الخلل الفكري أو الاضطراب المجافي للعقل والمنطق أو تصوير الإسلام بالدين الإرهابي؛ يراد فرضه على أمتنا فرضاً، ويُطلب منا أن نتقبله، وننصاع له؛ لأن نفراً من المسلمين اتهمتهم دول معينة بأنهم إرهابيون، مع أن كثيراً من التقارير تشير إلى أن أجهزة المخابرات في هذه الدول هي التي تقوم بصناعة من تسميهم إرهابيين سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي سياق التلاسن بين الروس والغرب، فإن روسيا شبهت بريطانيا بـ«قطاع الطرق»، والغرب اتهم الروس بمساعدة طالبان و»داعش» («الأهرام» 25/3/2018م).
لقد آثرت أن أسجل في السطور السابقة نماذج للإرهاب الحقيقي والمزمن لدى أصحاب الثقافة الوثنية المعادية للإنسانية، ليتذكر مثقفو السلطة في البلاد العربية أن للأمر وجوهاً أخرى، وأن صناع الإرهاب ليسوا من المسلمين دائماً، ولعلهم يحاولون إنصاف أمتهم المستباحة حين تستيقظ ضمائرهم، وينكشف الغطاء عن عيونهم وعقولهم.
حفاوة غريبة
وسنرى في السطور التالية نموذجاً للحفاوة الغريبة بالروايات التي تشيطن الإسلام، ولا تخافت باستخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي، دون أن يهتز لها جفن أمام الإرهاب الصليبي أو الصهيوني أو الوثني الذي يعصف بالإسلام والمسلمين، ولا تشير إليه بحرف أو بنت شفة!
على مدى أربعة أسابيع كتب د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، في “الأهرام” -أكبر الصحف المصرية- أربعة مقالات طويلة، احتفاء برواية تشيطن الإسلام والمسلمين في حرب أفغانستان، دون أن تذكر بكلمة الجريمة الكبرى التي اقترفها الشيوعيون السوفييت وعملاؤهم في حزبي “خلق” و”البرشام” الشيوعيين الأفغانيين ضد الشعب الأفغاني المسالم المسلم! أو الجريمة النكراء التي تلت خروج السوفييت وانتصار المقاومة الأفغانية، وتمثلت في الحرب الوحشية الضارية التي شنتها الولايات المتحدة والتحالف الغربي المساند لها، ضد أفغانستان المسلمة!
استغرقت المقالات الأربعة شهراً كاملاً من 10/2/2018 إلى 9/3/2018م، أردفها عصفور بسلسلة أخرى حول رواية مشابهة تنسف الحقائق المتعلقة بموضوعها، وتحول الضحية إلى مجرم، ولم توجه إلى الجاني الحقيقي بكلمة استهجان.
الرواية الأولى اسمها «أساطير رجل الثلاثاء» كتبها صبحى موسى وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، سنة 2013م.
ويقدم عصفور لمقالاته عن الرواية بالإشارة إلى الجيش السوفييتي الذى “اضطرّ” إلى احتلال أفغانستان؛ دعماً لحليفه الشيوعي الأفغاني حفيظ الله أمين، رئيس حزب الشعب الديمقراطي (خلق) الذى قام بالانقلاب على نظام الحكم القديم، وأصبح رئيساً لدولة أفغانستان التي سرعان ما جاءها الدعم السوفييتي؛ تأييداً للنظام الماركسي الذى بدا “واعداً” للمتحمسين له من أبناء الأفغان.
وفي هذه الفقرة أكثر من لغم لا يليق بمن يحرصون على أوطانهم -ولا أقول: دينهم الذي قد يكون ذكره مزعجاً لهم- وأول هذه الألغام اضطرار السوفييت لاحتلال أفغانستان المسلمة وفرض إرادتهم وعقيدتهم على شعبها المسلم، هل هناك ما يبرر لدولة احتلال دولة أخرى؟ هل يجيز ذلك القانون الدولي؟ وهل تسمح به الكرامة الوطنية؟ وهل تبيحه العقيدة الإسلامية؟ كنت أتوقع أن يستنكر جابر عصفور الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، لا أن يسوغه ويجد له سبباً في الاضطرار الذي لا يراه أي إنسان سليم الفطرة على ظهر الأرض!
هل قيام حزب خلق الشيوعي بالانقلاب على حكومة البلاد يسوغ للسوفييت أن يدخلوا كابول بالطائرات والدبابات والمدافع والجيش الأحمر ويجعلهم مضطرين لذلك؟
ثم ما معنى أن يكون النظام الماركسي واعداً؟ وهل الماركسية صارت بديلاً عن الإسلام؟ وهل الشعب الأفغاني المسلم الذي أسهم في بناء الحضارة الإسلامية بعلمائه وفقهائه ومحدثيه وأدبائه وشعرائه ومؤلفيه في شتى فروع المعرفة على مدى قرون يجب أن يصير مرتهناً للماركسية “الواعدة” في حزب خلق، أو منافسه حزب البرشام؟
ثم إن الشيوعيين الأفغان كانوا مثالاً للتناحر والخلافات والاغتيالات والغدر مع بعضهم بعضاً، فضلاً عن إجرامهم في عملية استئصال الإسلام وقتل العلماء والفقهاء والمسلمين، وملء السجون والمعتقلات بالآلاف من أبناء الشعب الأفغاني.
لم يذكر جابر عصفور شيئاً عما قام به الشيوعيون الأفغان من جرائم ضد شعبهم، وبالطبع لم يشر إلى ما قامت به الدبابات والجيش الأحمر من مذابح ومجازر، ولا ما قام به الطيران الشيوعي السوفييتي من قصف المدن والقرى والمزارع بالغاز المحرم الذي كان يسميه الإعلام الدولي “المطر الأصفر”!
الأخطر من ذلك هو تركيز عصفور على انتقاد فكرة الجهاد، وكأنه يريد أن يدين الإسلام والمسلمين، لأن الله شرع لهم الجهاد ليردوا المعتدين الغزاة، ويؤمّنوا بلادهم وحدودهم، فينسب الفكرة إلى ما يسميه تنظيم الجهاد الإسلامي في مصر، الذي يقوم على معتقدات سلفية جهادية تعتقد كُفر الدول والأنظمة والمؤسسات والأحزاب التي تقبل الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، أو تحتكم إلى غير شريعة الله، أو تُلزم الناس بالأنظمة المناقضة للإسلام أو تدعو إليها، مثل الشيوعية أو الديمقراطية أو الاشتراكية، وما أشبه ذلك من أنواع الجاهلية المعاصرة.
تشريع إلهي
وهذا خلط وتخليط بين الوحي الإلهي والسلوك البشري، فالجهاد لم يشرعه من أقاموا تنظيم الجهاد، بل هو تشريع إلهي أُمر به المسلمون دفاعاً عن أنفسهم وتأميناً لوجودهم في آيات بينات صريحات لا لبس فيها ولا غموض، ومنها: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {78}) (الحج)، (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {52}) (الفرقان).
فالجهاد -كما توضح هاتان الآيتان وغيرهما- وحي إلهي صريح للدفاع عن النفس وتأمين الوجود الإسلامي، ومن يقتل بسببه فهو شهيد، والآيات كثيرة في هذا السياق، أما حين يتحرك بعض الناس بوحي صناع الإرهاب، أو بفهم مغلوط، ويتخذ من تشريع الجهاد وسيلة لتحقيق أهداف غير إسلامية أو خاصة، فلا يجوز أن نتهم الإسلام أو التشريع في ذاته.
وإذا كان بعض الفقهاء والعلماء يجعل الجهاد الركن السادس من أركان الإسلام؛ فإن التفريط في هذا الركن يعد مخالفة صريحة للإسلام؛ فمقاتلة أعداء الإسلام ومغتصبي أوطان المسلمين، فريضة ناجزة في الموعد الذي يتفق مع استعداد الجيوش وتجهيزها. أما الهروب من مواجهة الأعداء ومغتصبي الأوطان والاستسلام أمامهم فهو فرار، وهو خيانة عظمى، وله عقاب في الدنيا والآخرة.
إن التخليط باستدعاء العقل السلفي، وبعض العلماء في زمن مضى لا مجال له هنا، لأن بعض هؤلاء العلماء قاموا بواجبهم الجهادي ضد الصليبيين وأتباعهم الطائفيين الذين خانوا الأمة وخانوا الإسلام جميعاً.
انتصار الأفغان
وأظن أن مواجهة الغزاة السوفييت وعملائهم من الشيوعيين الأفغان الخونة كان واجباً دينياً ووطنياً، ومن حق المسلمين أن يستعينوا بكل من يمكنه مساعدتهم بالمال والسلاح، ولا ذنب لهم بعدئذ إذا أسفر هذا المساعِد عن وجه قبيح ومكر خبيث.
ولا شك أن انتصار الأفغان المسلمين على الغزاة وأتباعهم كان مفاجأة لأصحاب الوجه القبيح والمكر الخبيث؛ فأعملوا آلة المكر والإجرام للوقيعة بين المجاهدين الأفغان، وتحويل وجهتهم الصحيحة إلى وجهة خاطئة تسفك الدماء المحرمة وتقتتل فيما بينها، وتمزق البلاد، وتفتح المجال لأغراض بعيدة عن الدين والمصلحة الوطنية، وقد استطاعت جماعة “طالبان” في مرحلة معينة أن تسيطر على البلاد وتوحدها وتوقف الصراع الدامي إلى حد كبير، وهو ما لقي ارتياحاً في العالم الإسلامي، مع التحفظ على بعض المفاهيم التي تصب فيما يسمى التشدد أو التدين الشكلي.
يعد جابر عصفور رواية الطاهر وطار «الزلزال» الرواية الأولى في مواجهة الإرهاب الديني زمنياً؛ فقد ظهرت سنة 1974، وتأتي بعدها -كما يعتقد- رواية صبحي موسى “أساطير رجل الثلاثاء” (2013م)، ويقصد به أسامة بن لادن الذي ارتكب جريمته الكبرى بنسف برجي مركز التجارة العالمي بجزيرة «منهاتن» الأمريكية يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وأسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف شخص تقريباً ليس من بينهم يهودي واحد! وتحمّل الرواية أسامة بن لادن عولمة الإرهاب الإسلامي، عبر أقطار العالم المختلفة، محققاً للمرة الأولى في تاريخ البشرية ضحايا من المواطنين الأبرياء على امتداد الأقطار والقارات كما تزعم!
وتقدم الرواية مجموعة من الشخصيات التي شاركت في مقاومة الاحتلال الشيوعي بأسمائها الحقيقية، أو الرمزية فهناك الملا محمد عمر زعيم طالبان، الذي نراه في الرواية باسم «مجد الدين»، كما نرى أسامة بن لادن باسم «أبى عبدالرحمن»، وعبد الله عزام باسم «أبي سعيد»، ود. أيمن الظواهري باسم «حسن الصباح»، وذلك في سياق يجعل من عبدالله عزام مُمثلاً للجماعات المحاربة التي سرعان ما تصارعت مع أقرانها في خلافات أدت إلى مقتله مع ولدين له؛ دفاعاً عن المكاسب المادية وليست الدينية! وهناك شخصيات أخرى: سعيد المصري، وممدوح محمود سالم، وسيد إمام، وأبو عبيدة البنشيري، ووائل حمزة جليدان، ومجموعة من قيادات المجاهدين الأفغان، أمثال: عبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني.
الإرهاب الديني
لا تعنينا في هذا المقام أسماء من تتناولهم الرواية بقدر ما تعنينا فكرة شيطنة الإسلام، وجعله مصدراً للشر والقتل والخراب، على سبيل المثال يبدو عبدالله عزام صانعاً لقادة الإرهاب الإسلامي كما يسميه عصفور وعلى رأسهم أسامة بن لادن، فقد كان عزام صديقاً لوالد أسامة، ومشاركاً إياه في الحلم بعالم إسلامي موحَّد، ترفرف عليه راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وكانت لابن عزام طريقة مبهرة في جذب الأنصار وتجنيد المجاهدين، وهو الأمر الذي أوقع أسامة في شباك حلمه، وجذب إليه الفتى الذي كان مستعداً بتكوينه الفكري والوجداني والديني لأن ينجذب إلى عالم ابن عزام كما تنجذب الفراشات إلى النار.
ويرى عصفور أن صبحي موسى هو الروائي الذي استطاع أن يستنبط وعي هذا الإرهابي الديني، ويجعلنا نرى داخل وعيه، وعالم أسراره التي تفضحها هذه الرواية بجرأة لا بد من تقديرها!
وينعطف عصفور نحو هجاء ما يسميه العقل السلفي ويصفه أنه عقل لا يعيش في الحاضر، وإنما يعيش في الماضي الذي يرجع إلى القرون الأولى للإسلام، ولذلك فهو عقل لا يرى ما حوله على سبيل الحقيقة وإنما يرى ما وراءه أو يتباعد عنه.
ويرى أن الحادي عشر من سبتمبر 2001م، واحد من تلك الأيام التي شكلت تحولاً تاريخياً في المسار العالمي، وكانت منعطفاً تاريخياً تكبد العرب والمسلمون ثمنه غالياً، وشكل نقطة تحول كبير في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية سواء من ناحية سياستها الداخلية أو الخارجية، أو على صعيد العلاقات الدولية وخاصة منها ما يربط الغرب بالعالم العربي والإسلامي، وكأنه يمهد لتبرئة الولايات المتحدة من ذبح شعب مسلم بريء لا يعرف أين تقع مانهاتن، أو نيويورك، أو الولايات المتحدة، وبدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة باحترام القانون الدولي والأعراف العالمية، فإنها تتحدى الناس جميعاً وتقوم بمحاسبة من تتهمهم بالإرهاب وارتكاب الجريمة الدامية في برجي التجارة، وتذهب لتحارب الشعب الأفغاني المسلم، وتدمر بلاده، وتظل جاثمة على صدره حتى الآن (سبعة عشر عاماً)، ولا أحد يعلم متى ترحل، وإن كانت قد رضخت أخيراً للصلح المقترح من رجلها رئيس أفغانستان الحالي بالجلوس مع “طالبان” للتفاوض.