– الضرائب هي نسبة من المال تفرضها الدولة على شرائح من المواطنين بطريقة إلزامية
– الأصل في الملكية الخاصة للأفراد أن لهم الحرية بالتصرف في مالهم وممتلكاتهم ولا يجوز الاعتداء عليها
– عمر بن عبدالعزيز نص على حرمة الضرائب بغير وجه حق وأمر بقبول الصدقة
– الفقهاء اختلفوا في حكم فرض الضرائب بين مجيز لها بشروط ومحرم لها مطلقاً
– يشترط لفرض الضرائب أخذها من الأغنياء بصورة مؤقتة وأن تنفق في المصالح العامة دون تبذير
يثار ما بين الحين والآخر فرض الدولة ضرائبها على مواطنيها، وتتضارب الآراء والمواقف حول مشروعية أن تفرض الدولة ضرائب على المواطنين لعجز الميزانية، في الوقت الذي يشكو فيه المواطنون عدم قدرتهم على دفع تلك الضرائب التي تثقل كاهلهم، خاصة أن بعضاً من هذه الضرائب تكون وفق اتفاقات دولية وليست قرارات محلية يقصد منها صالح البلد.
والضرائب كما هو معلوم نسبة من المال تفرضها الدولة على شرائح من المواطنين بطريقة إلزامية، ومن يخالف ذلك يتعرض للمساءلة القانونية، ولا يشترط أن تعود بالنفع على دافعي الضرائب.
وهذه الضرائب تمثل نوعاً من العلاقة بين الدولة والمواطنين من باب الحقوق والواجبات، ومدى حق الدولة في التعدي على المال الخاص للمصلحة العامة، وما الذي يضبط حقوق الأفراد في أموالهم مع واجب الأفراد تجاه المصالح العامة التي تعود عليهم أيضاً، أو على غيرهم من عموم أفراد الدولة.
والذي يحكم هذه القضية عدة أمور، أهمها أن الأصل في الملكية الخاصة للأفراد أن لهم الحرية بالتصرف في مالهم وممتلكاتهم، ولا يجوز الاعتداء عليها، ولا أن يفرض عليهم شيء إلا ما فرضه الله تعالى عليهم من الزكاة الواجبة، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات الضرورة، وهي حالات استثنائية لها ضوابط كثيرة.
ولهذا جاء التحذير النبوي من فرض ضريبة مالية بغير حق ولا حاجة، وذلك فيما أخرجه أحمد وغيره فيما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة صاحب مكس».
قال الإمام البغوي، من فقهاء الشافعية: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكساً باسم العشر؛ أي الزكاة، وقال الحافظ المنذري: أما الآن فإنهم يأخذون مكساً باسم العشر، ومكساً آخر ليس له اسم، بل شيء يأخذونه حراماً وسحتاً، ويأكلونه في بطونهم ناراً، حجتهم فيه داحضة عند ربهم، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد.
بل نص الخليفة التابعي على حرمة أخذ تلك الضرائب بغير حق، فكتب -يرحمه الله- إلى عدي بن أرطأة: «ضع الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس، وليس بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله تعالى: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {85}) (هود)، فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، ومن لم يأتكِ بها فالله حسيبه»، بل كتب إلى عبدالله بن عوف القاري: «اركب إلى البيت الذي برفح، الذي يقال له: بيت المكس، فاهدمه، ثم احمله إلى البور فانسفه فيه نسفاً».
الحكم الفقهي للضرائب
اختلف الفقهاء في حكم فرض الضرائب على قولين:
الرأي الأول: جواز فرض الضرائب بشروط:
وهو مذهب عدد من الصحابة، كعلي، وابن عمر، وعائشة، والحسن، ومن التابعين: الشعبي ومجاهد وطاووس.
واستدل هذا الفريق بعموم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على النفقة في أعمال الخير والبر وإطعام المساكين وكسي العاري وغير ذلك، من ذلك قول الله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً {26}) (الإسراء)، وقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء: 36).
ومن السُّنة ما ورد في جامع الترمذي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في المال حقاً سوى الزكاة»، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «في المال حق سوى الزكاة»، وورد هذا القول عن الشعبي، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم.
وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم عليه».
وقالت عائشة رضي الله عنها: «إن كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع أو فقر مدقع فقد وجب حقك».
الرأي الثاني: عدم جواز فرض الضرائب الاستثنائية مطلقاً:
ومن أشهر من قال بعدم فرض الضرائب الزائدة عن الزكاة الفقيه الضحاك بن مزاحم رحمه الله، واستدل هو ومن وافقه بما رواه ابن ماجة في سننه عن الشعبي عن فاطمة بن قيس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في المال حق سوى الزكاة»، وأن كل ما ورد من حقوق أخرى، إنما هي من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب، كما استدلوا بحديث: «لا يدخل الجنة صاحب مكس»، وغيرها من الأحاديث التي تنهى عن المكس.
وقال الإمام أبو يوسف القاضي يرحمه الله: «ليس للإمام أن يُخرج شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف»، وقال العلامة ابن خلدون عن الضرائب التي فرضت في الدولة: ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب -كما هو المشهور- بل هو أعم من ذلك، وكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقاً لم يفرضه المشرع فقد ظلمه.
فلما كان الظلم مؤذناً بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كانت حكمة الحظر (المنع) فيه موجودة، فكان تحريمه مهماً، وأدلته من القرآن الكريم والسُّنة النبوية كثيرة، أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر.
وعلى هذا، فيجب التفريق في فرض الضرائب بين حالتين:
الحالة الأولى: عدم الحاجة إلى فرض الضرائب، وهذه يكون فيها فرض الضرائب محرمة، والإثم على من فرضها، وتشهد لها النصوص السابقة.
الحالة الثانية: أن تكون هناك ضرورة لتلك الضرائب، فيجوز فرض الضرائب عند توافر الشروط، وتحرم عند تخلفها.
وهذا رجحه كثير من الفقهاء، من ذلك:
قول ابن حزم؛ حيث قال: «وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين ما يقوم بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة».
وقال الإمام الشاطبي في كتابه «الاعتصام»: «إذا قررنا إماماً مطاعاً مفتقراً إلى تكثير الجنود لسد حاجات الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال، وارتفعت حاجات الجند إلى ما لا يكفيهم، فللإمام -إذا كان عدلاً- أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال إلى أن يظهر مال بيت مال المسلمين، ثم إليه ينظر في توظيف ذلك على الغلات والثمار وغير ذلك، كيلا يؤدي تخصيص الناس به إلى إيحاش القلوب، وذلك يقع قليلاً من كثير -بحيث لا يجحف بأحد- ويحصل المقصود، وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين لاتساع مال بيت المال في زمانهم، بخلاف زماننا».
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «والأصل أن إعانة الناس بعضهم لبعض على الطعام واللباس والسكنى أمر واجب، وللإمام أن يلزم بذلك، ويجبر عليه، ولا يكون ذلك ظلماً».
شروط فرض الدولة ضرائب:
وقد وضع الفقهاء شروطاً لجواز ذلك، هي:
1- ألا يكون للدولة مال في الخزينة العامة يفي بالمصالح العامة.
2- أن تؤخذ الضريبة من الأغنياء لا من الفقراء، الأغنى فالأغنى، ويجوز تخصيصها على فئات دون فئات حسب الطاقة والقدرة، وحسب استغلال تلك الفئات للمصالح العامة أيضاً، ولذا عرفها الإمام الجويني بأنها: «ما يأخذه الإمام من مياسير البلاد والمثرين (الأغنياء) من طبقات العباد بما يراه ساداً للحاجة»، وقريب منه ما قاله تلميذه الغزالي: «إنها ما يوظفه الإمام على الأغنياء بما يراه كافياً عند خلو بيت المال من المال، أن تكون هناك حاجة ضرورية لفرض تلك الضريبة».
3- أن تنفق في المصالح العامة، فيحرم أخذ الضرائب وصرفها على المصالح الخاصة، أو على بعض الفئات الخاصة التي لا يعود دفعها لهم بالنفع على عموم المسلمين.
4- ألا يكون هناك تبذير وإسراف في النفقة، فلا بد من وضع ميزانية حقيقية للمصالح العامة التي يحتاجها المسلمون.
5- أن يكون فرض الضرائب مؤقتاً لا دائماً، ويكون حسب حاجة الدولة لسد حاجات المصالح العامة.
وعليه، فلا يمكن الحكم على كل ضرائب أنها محرمة، ولا يحكم على كل ضرائب أنها مباحة، بل لا بد من التحقيق في كل مسألة حسب الأحوال والشرائط التي أوضحها الفقهاء.