23 سنة مرت على مجزرة سريبرينتسا، أكبر مذبحة عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، بحضور أكثر من 50 ألف نسمة، إلى جانب ضيوف من البعثات الدبلوماسية، والدول الشقيقة والصديقة، ولم يتم إلقاء خطب سياسية، واكتفى المنظمون بالدعاء بعد صلاة الجنازة الجماعية، غير أن ذلك لم يمنع بعض السياسيين، كوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من التأكيد على الطبيعة الإجرامية للمجزرة، والمراهنة على التسامح والسلام في المستقبل، وإعلان كروات البوسنة أنهم لن ينظموا عملية وضع شاشات كبيرة لمشاهدة مباراة كرواتيا وبريطانيا ضمن تصفيات كأس العالم المقامة بروسيا.
وقالت مفوضية الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، دنيا مياتوفيتش: الأشد ألماً من المذبحة هو عدم الاعتراف بها، والأشد من ذلك الافتخار بمرتكبيها، وتعهدت بإصدار قانون أوروبي يجرّم إنكار المجزرة، أو الإشادة بمرتكبيها.
ورغم مرور هذه السنوات فإنه تظهر أشكال جديدة من المأساة، كان أبرزها هذا العام، رفض أهالي كثير من الضحايا دفن جثامين أعزائهم الذين عثر عليهم في مقابر جماعية، لسبب مروع ومثير وتقشعر منه الأبدان، وهو عدم اكتمال رفاة الجثامين، لم يكف الجناة المجرمون بقتلهم، بل قطعوهم إرباً إرباً وفرقوا أجزاءهم على مقابر جماعية كشف بعضها ولا يزال بعضها مجهولاً، ليكتشف العالم أن مذبحة سريبرينتسا وعلى فظاعتها لم تكن مجرد مذبحة تاريخية فظيعة، بل إن الاسم الحقيقي لتلك الجريمة لم تتم صياغته بعد، فهو لم يحدث في أي جرائم حربية عرفها التاريخ من قبل.
الطريق إلى سريبرينتسا
يوم 11 يوليو، هو ذكرى مجزرة سريبرينتسا، فقد تمت المجزرة في عدة أيام أوجها بين 9 و19 يوليو 1995، ولذلك ينظم البوسنيون مسيرة على الأقدام، وأخرى على الدراجات، إلى جانب ماراثون تنظمه الأقليات البوشناقية في كل من كرواتيا وصربيا ودول مجاورة باتجاه سريبرينتسا بالشرق البوسني، ينطلق سنوياً يوم 6 يوليو، وكذلك من مناطق داخلية مختلفة باتجاه سريبرنتسا يوم 9 يوليو من كل عام، ويتم التسجيل بالمشاركة لدواعٍ تنظيمية ولوجستية تستمر على مسافة 60 كيلومتراً، وترافق المسيرة سيارات إسعاف وتموين وغير ذلك، إنها مسيرة الموت، التي يطلق عليها مسيرة السلام.
وقال رئيس هيئة مقرة الشهداء في بلوتتشاري بسريبرينتسا، ناصف مويانوفيتش لوسائل الإعلام: شارك أكثر من 6 آلاف شخص في المسيرة، وتابع بخصوص رفات الضحايا: هناك جثامين غير كاملة، ولذلك فضل أهاليها عدم دفنها إلى حين العثور على بقايا الجثامين في مقابر جماعية لم يعثر عليها بعد، وقد تم حتى الآن إعادة دفن 6575 من ضحايا سريبرينتسا، وهناك أكثر من ألف ضحية لم يعثر على كامل رفاتهم حتى الآن.
8 آلاف شهيد
استشهد في المجزرة أكثر من 8 آلاف شهيد بوسنوي، بينهم أطفال لم يتجاوزوا 12 سنة وشيوخ تجاوزوا 75 سنة، لا تزال رفاتهم تدفن منذ 23 سنة، وقد تم اليوم الأربعاء 11 يوليو 2018 إعادة دفن 35 ضحية قتلوا في سريبرينتسا في يوليو 1995، بينهم شيخ يدعى شاهين خليلوفيتش كان عمره 71 سنة، وشاب يدعى يزيد إبريتش في 16 من عمره عندما تم قتلهما وآلاف آخرين أمام أنظار العالم، ولا سيما جنود الأمم المتحدة المرابطين آنذاك في سريبرينتسا، دون أن يحركوا ساكناً، وقد تم ذكر أسماء الضحايا عند التأبين، وأسماؤهم تم نشرها في وسائل الإعلام وضمنت سجل الشهداء في مقبرة بلوتتشاري بسريبرينتسا.
وقالت مفوضية حقوق الإنسان الأوروبية دنيا مياتوفيتش، يوم 11 يوليو: هو ذكرى تؤرق الإنسانية، فقبل 23 سنة تم ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بحق 8 آلاف من الأبرياء العزل، وتهجير أكثر من 30 ألف نسمة من الأطفال والنساء.
وتابعت: هناك الآلاف من النساء اللاتي انتهكت حقوقهن، وفقدن أزواجهن، وأبناءهن، وآباءهن، وإخوانهن، بسيف الحقد والكراهية، ولا بد من الاعتراف بحقوقهن، وأشارت إلى أن محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا بلاهاي الهولندية أكدت حدوث جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منظمة، ولا سيما ما يتعلق بالجرائم التي تمت في سريبرينتسا.
ورغم أن آلاف الأسر قد خفّف من ألمها وجود مقابر لمفقوديهم، يزورونها، فإن آلافاً آخرين لم ترتح قلوبهم وأرواحهم بعد لأن المقابر الجماعية لم تبح بكل أسرارها، ولم يبادر الجناة بالكشف عن أماكنها بعد.
خلفيات العدوان
يشير البعض إلى العدوان الصربي على البوسنة، بـ”الحرب الأهلية”، بينما في حقيقتها حرب توسعية هدفها إقامة صربيا الكبرى على جماجم البوسنيين والألبان، خططت لها الأكاديمية الصربية للعلوم، ونفذها الجيش الصربي بحماس شديد تحت قيادة الرئيس الصربي الهالك منحراً في زنزانته بسجن محكمة لاهاي الدولية بهولندا، وقد خلف العدوان 200 ألف قتيل، منهم أكثر من 8 آلاف في سريبرينتسا وحدها، و150 ألف معاق، و30 ألف جريمة اغتصاب، وتدمير نحو 90% من البنية التحتية في البوسنة.